فرحان إسرائيلي/جايبور
وُلد عارف خان في قرية ماساني الصغيرة الواقعة في منطقة هانومان غره بولاية راجستهان، حيث كان الأهالي يقضون أيامهم في العمل بالحقول ولياليهم في التأمل في النجوم.
ومن هذه البدايات البسيطة، شق طريقه ليصبح عالمًا بارزًا، تمثل رحلته مصدر إلهام لآلاف الشباب. وتؤكد قصته أن بالإرادة والعمل الجاد والتوجيه الصحيح يمكن تحقيق حتى أبعد الأحلام.
اليوم، لا يُعدّ الدكتور عارف خان مجرد عالِم فحسب، بل هو صانع تغيير. فأبحاثه واختراعاته وكتبه تفتح آفاقًا جديدة في مجالي الرعاية الصحية والبيولوجيا.
وقال لـ"آواز دي وايس": "البحث العلمي يتطلب الصبر؛ فمن بين كل مئة تجربة قد تنجح خمس فقط، لكن هذه الخمس قادرة على تغيير العالم".
ولديه أكثر من 30 بحثًا منشورًا وكتابان، ويُجسّد مساره المهني مثالًا حيًا على الإصرار والابتكار.
وترعرع عارف في أسرة تُقدّر التعليم. كان والده المحامي فريد خان، يحلم بأن يراه طبيبًا، وهو حلم شاركته والدته الراحلة الحاجة آمِنة بيبي وجده الحاج يوسف خان. ورغم قلة المدارس والفرص في قرية ماساني، فإن شغفه بالعلم ازداد قوةً.
وبدأ عارف خان مسيرته الدراسية في مدرسة شودري مانيرام التذكارية الثانوية في هانومان غره، حيث كان دائمًا من بين الطلاب الأوائل. ولاحقًا، خلال دراسته في مدرسةDAV بمدينة سري غانغاناغر، فاز بجائزة الطالب المتفوق. ثم حصل على شهادة البكالوريوس في علم الأحياء من جامعة المهراجا غانغا سينغ في بيكانير، وأكمل درجة الماجستير في التقنية الحيوية من جامعة سوامي كيشواناند الزراعية براجستهان. وقد مكّنه نبوغه من اجتياز الامتحانات الوطنية المرموقة مثل NET وSET.
وخلال فترة الدكتوراه في معهد الدراسات العليا للتعليم والبحث البيطري في جايبور، بدأ أبحاثًا رائدة حول مسببات الأمراض المنقولة بالحليب. ففي ولاية راجستهان، حيث يفضّل الكثيرون استهلاك الحليب غير المبستر، اكتشف كيف يمكن أن تنتقل البكتيريا الضارة من الحيوانات المريضة إلى الحليب مسببة أمراضًا خطيرة.
وإن التحديات التي واجهها البحث العلمي في مناخ راجستهان القاسي دفعت عارف خان إلى المزيد من الابتكار. فقد كان نقل عينات الحليب إلى المختبرات يستغرق أكثر من24 ساعة، ما يؤدي غالبًا إلى تلفها. ولمعالجة هذه المشكلة، ابتكر الدكتور عارف جهاز المحلل المحمول لعلم الأحياء الدقيقة الغذائية، وهو جهاز قادر على فحص الحليب في موقع الإنتاج خلال ساعتين فقط.
وقد حصل هذا الابتكار لاحقًا على براءة اختراع، إذ أسهم في توفير الوقت، وخفض التكاليف، وزيادة دقة النتائج. وانطلاقًا من مبادئه، اختار الدكتور عارف أن يحوّل أي عائد مالي محتمل من هذا الجهاز إلى حكومة الهند، ليبقى تركيزه منصبًا على تحسين حياة الناس لا على المكاسب المادية.
ويعمل الدكتور عارف خان حاليًا في وزارة التعليم بكوراج بأجمير، ويشرف على تأهيل الباحثين الشباب. وتشمل مجالات عمله البحثي التقنية الحيوية وعلم الأحياء الدقيقة والكيمياء الحيوية.
وبفضل نشاطه الدائم وعدم توقفه عن الابتكار، يعمل الآن على تطوير جهاز جديد لإنقاذ الأرواح يُعرف باسم محلّل حساسية المضادات الحيوية. وعلى عكس الطرق التقليدية التي تستغرق ما يصل إلى48 ساعة لتحديد نوع المضاد الحيوي القادر على التصدي للعدوى البكتيرية، فإن هذا الجهاز ينجز المهمة خلال4 إلى6 ساعات فقط، الأمر الذي قد يسهم في إنقاذ عدد لا يُحصى من الأرواح.
ووراء إنجازاته المهنية دافع شخصي عميق. ففي عام 2021م، فقد الدكتور عارف والدته بسبب مرض السرطان، فقام تخليدًا لذكراها بتأليف كتاب بعنوان "السرطان: من الخلية إلى العلاج"، يتناول فيه علم بيولوجيا السرطان. كما ألّف دليلاً عمليًا موجّهًا إلى الباحثين الشباب، استمرارًا لرسالته في إلهام الطلاب وتشجيعهم على خوض غمار البحث العلمي.
وقد حظيت إسهاماته بتقدير واسع، حيث نال "جائزة العالِم الشاب" من المعهد الوطني للتكنولوجيا-جايبور عام 2018م، وهو عضو في الجمعية الأمريكية لعلم الأحياء الدقيقة.
وظلّ الدكتور عارف خان متواضعًا ومرتبطًا بجذوره، إذ لا يتوقف عن الإشادة بأساتذته الذين أسهموا في تشكيل مسيرته العلمية، ومنهم: الدكتور غوفيند سينغ، والبروفيسور أناند باليراو، والبروفيسور إرشاد علي خان، والدكتور إل. ك. شارما، إلى جانب الدعم الثابت من شقيقه المحامي إمداد خان، ويقول متذكرًا: "في كل خطوة من رحلتي، كان هناك من يشجعني ويدعمني."
ومن اللافت أن عارف أنهى الصف الثاني عشر وهو في سن 15 عامًا ونصف فقط، ما جعله غير مؤهل للتقدّم لامتحان القبول الطبي. وبينما بدا ذلك في البداية عقبة، تحوّل لاحقًا إلى نقطة تحوّل مفصلية في حياته. فبفضل تشجيع جديه، اتجه إلى مجال البحث العلمي، ليحمل في النهاية لقب "الدكتور"، محققًا حلم عائلته بطريقة غير متوقعة.
وفي تأمله لواقع البيئة العلمية في راجستهان، يشير الدكتور عارف خان إلى أن محدودية التوظيف وضعف البنية التحتية ما تزال تعيق التقدم في مجال البحث العلمي. ومع ذلك، فإن ابتكاراته نفسها تبرهن على أن التحديات المحلية يمكن أن تتحول إلى حلول عالمية المستوى.
اقرأ أيضًا: عائلة بيغ.. إرث من المسؤولية المدنية ورسالة مستمرة للتغيير الإيجابي في المجتمع
كما يوجّه نصيحة للشباب الطامحين بألا يحصروا طموحاتهم في الطب فقط، بل أن ينظروا أيضًا إلى مجالات مثل التقنية الحيوية وعلم الأحياء الدقيقة والعلوم الزراعية، وهي ميادين مليئة بالفرص وذات منافسة أقل.
من طفل نشأ في قرية صغيرة إلى عالم تسهم ابتكاراته في إنقاذ الأرواح، تمثل مسيرة الدكتور عارف خان برهانًا على أن المثابرة المقرونة بالهدف قادرة على أن تفتح الطريق أمام الأجيال القادمة.