رؤية تزَيُّن عمر غيّرت حياة ذوي الإعاقة ومنحت النساء المسلمات قوة وتمكينًا

26-11-2025  آخر تحديث   | 26-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
 تزيّن عمر
تزيّن عمر

 


 ثانية أنجم/بنغالورو

في أروقة البرلمان الهندي المهيبة عام 1974م، عاشت فتاة في الثالثة عشرة من عمرها من بنغالورو لحظةً غيّرت مسار حياتها. وسط حشود من الطلاب المتحمسين في العرض الثقافي المذهل "دارشان"، تمكّن اثنان أو ثلاثة فقط من الفوز بالجائزة الكبرى: توقيع شخصي من رئيسة الوزراء ذات الإرادة الحديدية، إنديرا غاندي. وكانت تزيّن عُمَر من بين تلك القلّة المحظوظة.

وبعد عقود، أصبحت تلك الفتاة نفسها صانعة تغيير بحق، تقود آلاف الأسر —وخاصة النساء والأطفال— نحو التمكين والتعليم والكرامة، من خلال منظمتها غير الربحية "هيومن تاتش".

وُلدت تزيّن عمر في أسرة كتشي ميمون في بنغالورو، ونشأت في بيئة تتقاطع فيها التقاليد مع روح المبادرة. وكان والدها يدير متجرًا للأقمشة، وبدأت —وهي شابة في ثمانينيات القرن الماضي— تساعده في العمل. وفي ذلك الوقت، كان دخول النساء من مجتمعها إلى عالم الأعمال أمرًا نادرًا، بل مستهجنًا أحيانًا. ولكن تلك التجربة منحتها الثقة والإحساس بالاستقلالية. وستتذكّر لاحقًا أن تلك كانت أولى محطّات كسر الحواجز في حياتها.

وكانت رحلتها الأكاديمية مؤثّرة بالقدر نفسه. فبعد أن درست في مدرسة صوفيا وتخرّجت في كلية ماونت كارمل، تابعت دراستها لتحصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي. وقد كان لديها شغف عميق بالتعليم منذ أيام دراستها المدرسية. وأثناء تطوّعها في قسم الفرص المخصّص للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، كانت تُعدّ لوحات مكتوبة بطريقة برايل وتتفاعل مع الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية. وتركت تلك اللحظات أثرًا لا يُمحى في نفسها، وزرعت البذور الأولى لعملها لاحقًا في التأهيل والدمج المجتمعي.

وفي عام 1999م، اتخذت تزيّن خطوةً حاسمةً ستُشكّل إرثها لاحقًا. فقد أسّست منظمة "هيومن تاتش"، التي خُصّصت في بداياتها لإعادة تأهيل الأطفال من ذوي الإعاقات. وركّزت المنظمة على توفير الدعامات الطبية، ودعم الجراحات التقويمية، وخلق فرص للدمج المجتمعي، لتتحوّل سريعًا إلى منارة أمل لعائلات كثيرة. وعلى مرّ السنوات، استفاد أكثر من 100 طفل من جراحات تقويمية للعيوب الخلقية والإصابات البسيطة، ما منحهم بداية جديدة في حياتهم.

ولكن رؤيتها لم تتوقف عند حدود الرعاية الصحية. فقد أدركت التحديات الأوسع التي يواجهها مجتمعها، وبشكل خاص نقص فرص التعليم ومصادر الدخل. وفي عام 2000م، أنشأت مركزًا لتعليم الكبار في منطقة غاورباليا، وهي منطقة كثيرًا ما استُغِلّت سياسيًا. ومن خلال منح الكبار فرصة لتعلّم القراءة والكتابة، فتحت أمامهم أبوابًا جديدة للتمكين، تتجاوز حدود الصف الدراسي لتصل إلى كرامة الإنسان وقدرته على صنع مستقبله.

وفي عام 2004م، أسست مدرسة الأزهر، لتقدّم تعليمًا نوعيًا يرتكز على القيم. وفي العام نفسه، أطلقت واحدة من أكثر مبادراتها ابتكارًا: حفلات الزواج الجماعي. ففي وقت كانت فيه تكاليف الزواج تُثقل كاهل الكثير من الأسر، خصوصًا من الفئات الأقل حظًا، قدّمت تزيّن فكرة حفلات الزفاف المجتمعية المدعومة بالثقة والكرامة. وعلى مدى 21 عامًا، ساعدت هذه المبادرة في إتمام 1,750 زواجًا، مقدّمةً ليس فقط حفلات الزفاف، بل أيضًا استشارات ما بعد الزواج، ووساطة لضمان الانسجام والاستقرار في الحياة الزوجي.

وفي عام 2007م، أطلقت "مؤسسة لايف لاين" للتركيز على ريادة الأعمال لدى النساء المسلمات. وقد مكّن هذا المشروع أكثر من 2000 امرأة عبر توفير الفرص والتدريب والموارد. فمن خلال ماكينات الخياطة، وبرامج تنمية المهارات، وورش التوعية المالية، حصلت النساء على الأدوات التي مكنتهن من تغيير واقعهن بأيديهن. وفي مجتمعٍ كان يُثبَّط فيه دور المرأة في الأعمال التجارية يومًا ما، كانت هذه المبادرة ثورة حقيقية غيّرت معايير المشاركة الاقتصادية والاجتماعية للنساء.

وإذا كان هناك خيطٌ واحد يربط جميع مبادرات تزيّن، فهو التعليم. فمنظمة "هيومن تاتش" توفّر منحًا دراسية لما يقرب من 300 طالب سنويًا، مع تركيز خاص على الفتيات من الأسر متوسطة الدخل. واليوم، تعمل الكثير من هؤلاء الشابات في شركات التكنولوجيا المتقدّمة.

وإحدى القصص التي تستعيدها تزيّن كثيرًا هي قصة أسرة تركها الأب بلا سند. فقد كافحت الأم لتربية ثلاث بنات وابن واحد. وبفضل دعم منظمة "هيومن تاتش"، تمكّن الابن من متابعة دراسة الطب، ليصبح فيما بعد طبيبًا في مكة المكرمة. واليوم، لا يدعم أسرته بفخر فحسب، بل يقدّم تبرعات سخية للمنظمة نفسها التي وقفت إلى جانبه يومًا ما.

وعلى الرغم من ارتباطها العميق بتراثها الكتشي ميمون —إذ إنّ جدّها لأمها كان قد أسّس صندوق التعليم للكتشي ميمون— فإن رؤية تزيّن كانت دائمًا شمولية. فمنظمة "هيومن تاتش" تقدّم دعمها أيضًا للأسر غير المسلمة، في رسالة واضحة مفادها أن التعاطف لا يعرف حدودًا. وتقول إن أكبر شعور بالرضا يأتيها من مبادرات المساعدات الطبية، مؤكدة أن "المساعدة الطبية إنقاذٌ للحياة"، مضيفةً أن الامتنان الذي تراه في عيون المرضى وعائلاتهم يجعل كل الجهود مستحقة.

ومثل كل صانعة تغيير، واجهت تزيّن نصيبها من التحديات. فالحصول على ثقة المتبرعين وضمان الشفافية تجاه المستفيدين كان توازنًا دقيقًا. كما شكّلت الديناميكيات المجتمعية عقبات إضافية. وتعترف قائلة: "كثير من الرجال في المجتمع يجدون صعوبة في تقبّل النساء في مواقع القيادة. ولا يستطيعون دائمًا رؤية المرأة وهي تزدهر". ومع ذلك، وجدت حليفًا قويًا في النساء أنفسهن. فالكثيرات منهن —وغالبًا من غير المتعلمات— تفاعلن بحماس مع الفرص بمجرد أن رأين أن التغيير ممكن. وكانت جائحة كوفيد-19 تحديًا آخر، إذ أبطأت وتيرةَ التقدّم ودفعت العديدَ من الأسر الهشّة إلى مزيد من الضيق. ولكن حتى في تلك الظروف، وجدت "هيومن تاتش" طرقًا لدعم المجتمعات بكرامة واحترام.

وتعترف تزيّن بالمرشدين والداعمين الذين وقفوا إلى جانبها طوال رحلتها. فقد كانت خالتها رابعة رزّاق، والدة عرفان رزّاق من مجموعة بريستيج، إحدى تلك الشخصيات المؤثرة التي أولت اهتمامًا شخصيًا بعملها. كما منحها دعم العائلة، ولا سيما من جهة أمها، قوةً كبيرة للاستمرار والمثابرة.

وبصفتها الأمينة العامة لمنظمة "هيومن تاتش"، تواصل تزيّن الحلم على نطاق واسع. ومن مشاريعها المقبلة إنشاء "مدرسة تأهيلية" تُهيّئ الشباب ليس فقط بالمهارات المهنية، بل أيضًا بالقيم والثقة اللازمة للحياة. وأما هدفها بعيد المدى، فهو إحداث تغيير جذري، خصوصًا في النظرة إلى النساء والأطفال داخل مجتمعها. وتؤمن بأن التمكين الحقيقي يكمن في منح الناس القدرة على إعالة أنفسهم بكرامة، لا مجرد البقاء عبر المساعدات. وهي ترى أن المنظمة ستظل الجسر الذي يصل بين التعاطف والتمكين.

وعند استرجاع مسيرتها، لا تُعرِّف تزيّن رحلتها بالألقاب أو التكريمات، بل بلحظات التحوّل. فالطفلة التي نالت توقيع إنديرا غاندي في سن الثالثة عشرة تعلّمت مبكرًا أن القيادة تتطلّب شجاعة. والشابة التي تجرّأت على العمل في متجر والدها للأقمشة أدركت أن عالم الأعمال يمكن أن يكون منصة للتمكين. والعاملة الاجتماعية التي أمسكت بأيدي الأطفال من ذوي الإعاقات فهمت أن التغيير يبدأ بالتعاطف.

اقرأ أيضًا: المصوِّر مشتاق أحمد يوثّق بعدسته مسيرة صعود دبي من صحراء قاحلة إلى مدينة عالمية متصدّرة

وللشابات الطامحات إلى دخول ميدان الخدمة المجتمعية، نصيحتها واضحة: "لا تنتظرن الظروف المثالية. ويبدأ التغيير في اللحظة التي تتخذن فيها قرار التحرك. وثِقن بالله، وثِقن بأنفسكن… فكل شيء سيأتي تباعًا". 

وتشكل حياة تزيّن عمر شهادة حيّة على الصمود والتعاطف والرؤية. فمن حفلات الزواج الجماعي إلى ريادة الأعمال النسائية، ومن المنح الدراسية إلى العمليات الجراحية، لامست مبادراتها حياة آلاف الأشخاص عبر الأديان والمجتمعات. ومن خلال منظمة "هيومن تاتش"، لم تُعِد تعريف العمل الخيري فحسب، بل أعادت تصور شكل القيادة النسائية في مجال الخدمة المجتمعية. وتذكّرنا قصتها أن التغيير الحقيقي لا يتحقق بالخطوات الضخمة وحدها، بل عبر اللمسة الإنسانية المستمرة التي تغير حياة الناس.

قصص مقترحة