المهرجانات الهندوسية في غرب البنغال- دورغا بوجا

23-10-2025  آخر تحديث   | 23-10-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
المهرجانات الهندوسية في غرب البنغال- دورغا بوجا
المهرجانات الهندوسية في غرب البنغال- دورغا بوجا

 


 سعيد الرحمن*

الهند أرض الألوان البديعة، وأرض السحر والفتنة، وأرض الجبال والأنهار المقدسة، وأرض الآلهة الكثيرة، وأرض العباد والزهاد والصوفية والنُسّاك، وأرض الديانات المتنوعة، وأرض الأقوام والشعوب المتعددة. ومن ثم فهي أرض الأعياد والمهرجانات الكثيرة، فلا يكاد يخلو يوم أو شهر من احتفالٍ بعيدٍ أو مهرجانٍ في ولايةٍ من ولاياتها.

وتتناغم هذه المهرجانات والأعياد مع دورة الفصول وتعاقب المواسم، مثل موسم بذر الحبوب وموسم الحصاد. فبعضها ذو طابع دينيٍّ محض، وبعضها ثقافيٌّ أو وطنيٌّ. ومن المثير للدهشة أن المهرجانات الخاصة بطائفة أو جماعة معينة لا تقتصر المشاركة فيها على أفراد تلك الطائفة وحدهم، بل يشارك فيها كثيرون من طوائف وجماعات أخرى. فالهندوس –على سبيل المثال– يشاركون المسلمين في أعيادهم، كما يحتفل المسلمون ببعض الأعياد الهندوسية ذات الطابع الديني والموسمي أيضًا، مثل عيد الألوان، وعيد الأضواء، ودورغا بوجا.

وتؤدي هذه الأعياد والمهرجانات دورًا عظيمًا في تعزيز الشعور الوطني وترسيخ روح الانسجام بين الطوائف. وفي الصفحات الآتية نستعرض أهم الأعياد والمهرجانات التي يحتفل بها البنغاليون في ولاية غرب البنغال. والحقيقة هي أن هذه الولاية تشارك سائر ولايات الهند الاحتفال بجميع الأعياد والمهرجانات الهندوسية الكبرى، غير أن لكل ولاية طريقتها الخاصة في الاحتفال بها، وقد تختص بعض الولايات بأعياد لا يحتفل بها في غيرها. كما تتميز ولاية غرب البنغال بعدد من المهرجانات التي لا تُحتفل بها إلا فيها دون سواها. فإليكم، أيها القرّاء الكرام، موجز لأهم الأعياد والمهرجانات الهندوسية في غرب البنغال.

عيد دورغا أو دورغا بوجا (Durga Puja)

عيد دورغا، أو دورغا بوجا، من أكبر وأهم الأعياد الهندوسية في ولاية غرب البنغال، ويُحتفل به كل عام في شهر أكتوبر. ودورغا هي آلهة الحرب في الميثولوجيا الهندوسية، وقد منحها سائر الآلهة جزءًا من قوتهم –كما تروي الأساطير– لتكون قادرة على محاربة قوى الشر. وهكذا تُعدُّ دورغا تجسيدًا للقوة الإلهية ومظهرًا من مظاهرها، وهي في الوقت نفسه زوجة الإله شيفا (Shiva).

ومن أعظم بطولاتها، بحسب الأسطورة، أنها قضت على قوى الشر المتمثلة في الشيطان "ماهيشا سورا" وتُروى الأسطورة بأنها خُلقت من الدخان المنبعث من أفواه الآلهة الكبار مثل فيشنو (Vishnu) وشيفا، ومن تبعهم من آلهةٍ من الدرجة الثانية. ولم تولد دورغا طفلة رضيعة، بل وُجدت شابة مكتملة الخِلقة، فائقة الجمال، لكن هيئتها تُلقي الرعب في قلوب أعدائها لا في قلوب عبادها ومُتّبعيها. وتُصوَّر في التماثيل القديمة والحديثة راكبةً أسدًا أو نمرًا، ذات عشرة أذرع –وأحيانًا ثمانية– تحمل في كل ذراع سلاحًا مختلفًا، وهي الأسلحة التي منحها إياها الآلهة لتقاتل بها قوى الشر.

ويحتفل الهندوس بهذا العيد تمجيدًا لذكرى بطولاتها وولاية غرب البنغال تفوق جيمع الولايات الهندية في الاحتفال بهذا العيد.

وفي مدينة كولكاتا، يُقام نحو ألفي خيمة خلال الاحتفال بهذا العيد، وتُوضع تحت كل خيمة تماثيل وصور للإلهة دورغا، وهي تُصوَّر راكبةً نمرًا أو أسدًا، ممسكةً بأسلحتها وهي تقتل قوى الشر المتمثلة في "ماهيشاسور".

وهذا الموسم هو موسم التحف والهدايا، حيث يشتري الناس الملابس الجديدة، وتمتلئ دكاكين الأزياء بالثياب الفاخرة الأنيقة، للنساء والرجال على حدٍّ سواء. وتغمر المدينة أجواء من الحركة والازدحام، فالناس في هرجٍ ومرجٍ وضجيجٍ يعمّ الشوارع، ينتقلون من خيمةٍ إلى أخرى تقام هنا وهناك. ومن أبرز سمات هذا العيد أن الناس يعبدون الإلهة دورغا طوال تسعة أيام، يصومون خلالها، ويتصدقون على الفقراء والمحتاجين، ويتبادلون التهاني والهدايا. ويبلغ العيد ذروته في يوم "ماها داشامي"، وهو اليوم العاشر من بداية الاحتفالات، حيث تُحمل تماثيل دورغا في عرباتٍ وشاحناتٍ مزيّنة، وتنطلق في موكبٍ مهيب حتى تُلقى في نهر "هوغلي" (Hugli)، إيذانًا باختتام المراسم والاحتفالات.

وفي الولايات الشمالية من الهند، مثل أوترا براديش وبيهار ودلهي، يحتفل الناس في اليوم العاشر من عيد دورغا بعيدٍ آخر يُعرف باسم "رام ليلا". وفي هذا العيد تُعرض قصة الإله راما، الذي يُجسِّد الإله فيشنو، وهو في الوقت نفسه بطل ملحمة "الرامايانا". ويُطلق على هذا اليوم أيضًا اسم "دَشهَرا"، حيث يقوم الناس عند حلول الليل بإحراق مجسّمات وصور رافانا، ملك لانكا، في مشهدٍ رمزيٍّ يُجسّد انتصار الإله راما على رافانا، وانتصار الخير على الشر. وتروي الملحمة أن راما، بمساعدة أخيه لاكشمان، استطاع أن يهزم رافانا ويستعيد زوجته سيتا (Sita) التي اختطفها. (يتبع)

*أستاذ مشارك، قسم اللغة العربية بالجامعة العالية، كولكاتا.

قصص مقترحة