آشا خوسا/نيودلهي
يشير تقرير حديث إلى أن معظم القبور المجهولة في كشمير، التي استُخدمت لتصويرها كدليل على انتهاكات منسوبة للقوات الهندية، ولإثارة مشاعر الانفصال والسخط بين فئة الشباب، تعود في واقع الأمر إلى مقاتلين أجانب ــ غالبيتهم من باكستان، تم إرسالهم عبر الحدود لتأجيج أعمال العنف.
وتم توثيق ذلك في دراسة ميدانية أعدّتها المؤسسة القائمة في كشمير "سيف يوث سيف فيوتشر فاونديشن" (أنقذوا الشباب، وأنقذوا المستقبل). وقد نشرت المؤسسة تقريرها بعنوان: "كشف الحقيقة: دراسة نقدية حول القبور المجهولة وغير المحددة في وادي كشمير".
ويرأس المؤسسة وجاهت فاروق بهات، الذي كان في السابق منخرطًا في أعمال رشق الحجارة، قبل أن يوجّه جهوده نحو إعادة تأهيل الشباب من التطرف، ومكافحة الإدمان على المخدرات، وتعزيز مسارات السلام والمصالحة في كشمير.
ويجدر بالذكر أن المؤسسة اضطلعت بدور مهم في إثارة قضية العائلات المسلمة الكشميرية التي فقدت أبناءها جراء هجمات الإرهابيين. كما عملت على جمع المعلومات حول معاناتهم، إذ ظلت هذه العائلات لسنوات طويلة تواجه العزلة الاجتماعية وإهمال السلطات. وأولت الحكومة مؤخرًا اهتمامًا بأوضاعهم، وقامت بمنح خطابات توظيف لذوي نحو 400 ضحية.
ويعتمد التقرير على دراسة ميدانية امتدت لست سنوات شملت سجلات 373 مقبرة وقرابة 4,056 قبرًا غير المحددة، في مناطق وسط وشمال كشمير، تشمل كوبوارا، وبارامولا، وبانديبورا وغاندربال. ويُعد هذا الشريط الجغرافي أحد المسارات الرئيسة لعمليات التسلل والخروج التي اعتمدها مقاتلون محليون وأجانب، سواء قبل أو بعد خضوعهم لتدريبات على استخدام السلاح وأعمال التخريب في كشمير التي تحتلها باكستان، هدف تنفيذ عمليات إرهابية في جامو وكشمير.
واعتمد الباحثون الكشميريون في إعداد هذه الدراسة على توثيق شهادات حفّاري القبور،وسجلات المقابر وتقارير الشرطة ، إلى جانب جمع روايات من عائلات المسلحين القتلى ومن شهود عيان آخرين.
وبحسب ما ورد في التقرير، فإن 91% من القبور في هذه المقابر تعود لمسلحين إرهابيين، بينهم 2,493 مرتزقًا (61%) و1,208 من العناصر المحلية. بينما لا تزال هوية 276 قبرًا غير معروفة أو غير محددة. وأوصى التقرير بضرورة إجراء تحليل الحمض النووي لهذه القبور المجهولة، من أجل التحقق من هوية أصحابها والكشف عن خلفياتهم بدقة.
وقال أحد المشاركين في الدراسة: "لقد نشأ جيل من الكشميريين، يعتقد أن قوات الأمن قتلت السكان المحليين عشوائيًا ودفنتهم في قبور بلا شواهد. ويحمل هذا الشعور ضد قوات الأمن وضد الهند، فيما يظل من حق جيلنا أن يطّلع على الحقيقة الكاملة حول ما جرى خلال ثلاثة عقود من الصراع، بما في ذلك حقيقة القبور المجهولة."
وذكر التقرير أن الخطاب المتداول حول القبور المجهولة وغير المحددة في جامو وكشمير ظل لفترة طويلة خاضعًا لسرديات متناقضة واستقطابية، لم تستطع أن تعكس الصورة الكاملة لتعقيدات الصراع. وعلى خلاف المقابر الجماعية التي شهدتها دول مثل إيران والبوسنة ورواندا، حيث كان القمع الذي تمارسه الدولة هو السبب الجوهري، فإن السياق في كشمير يختلف تمامًا.
وإن وجود القبور المجهولة أو غير المحددة في كشمير يرتبط بشكل وثيق بواقع العمليات الميدانية المتمثل في استمرار التمرد المسلح، والإرهاب العابر للحدود، وتفاعلات مكافحة التمرد، أكثر مما يرتبط بأي سياسة منهجية أو منظمة تقوم على القمع.
وأوضح التقرير أن المسلحين، ولا سيما الذين يتسللون عبر خط السيطرة، كانوا غالبًا لا يحملون أي أوراق أو وثائق تثبت هويتهم، غير أنهم كانوا أحيانًا يحملون أسماء وهمية أو رمزية منحها لهم جهاز الاستخبارات الباكستاني، وهي أسماء لا تصلح إطلاقًا لتحديد هويتهم الحقيقية.
واضطرت قوات الأمن، في كثير من الحالات، إلى القيام بإجراءات الدفن بحكم الظروف، غير أن منظمات حقوقية وهيئات دولية قامت بإعادة تأطير هذه القبور وتقديمها كدليل على انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان.
وقد أثّر هذا الخطاب في تشكيل الرأي العام والوعي الجمعي، حيث جرى تصوير تلك القبور على أنها رمز لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها الدولة الهندية في كشمير، كما كان له دور في تشكيل نظرة المجتمع الدولي تجاه طبيعة الصراع.
ولقد غذّت هذه السردية لفترة طويلة النزعة الانفصالية في كشمير، ولا تزال حتى الآن من أبرز العوامل التي تبقي جذوة الصراع مشتعلة.
وأشار التقرير إلى أن العناصر الانفصالية استغلت هذه السردية في تأجيج مشاعر العداء بين بين عامة الكشميريين، رغم أن كثيرًا منهم يجهل في السابق جوانب الصراع العميقة وتعقيداته.
ولفت التقرير إلى نمط واضح في الاستراتيجية الباكستانية، حيث تبرّأت من العناصر الذين دفعت بهم إلى كشمير لخوض حربها بالوكالة، وذلك بعد أن قضت عليهم القوات الهندية.
وأوضح التقرير أن تجاهل باكستان لمقاتليها وعدم الاعتراف بهم كان جزءًا من خطة مدروسة، شاركت فيها أيضًا الجهات الموالية لها والمنظمات الواجهة مثل مؤتمر الحرية في الوادي، وذلك بهدف تحميل القوات الهندية المسؤولية بشكل دائم، وصياغة سردية تزعم أن قوات الأمن تقتل "أبرياء"، بما يثير حالة من الاستياء والاضطراب، ويحرض السكان المحليين، ولا سيما الشباب، على الانخراط في التمرد المسلح.
وسعى هذا التقرير إلى توضيح قضية أثارت الكثير من الجدل والالتباس، سواء داخل الهند أو على الصعيد الدولي. فكثيرًا ما وُجهت إلى الدولة الهندية اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب هذه التصورات.
وإن سردية "القبور المجهولة" كان لها دور بارز في توجيه الرأي العام في كشمير، كما ساعدت في تشكيل نظرة المجتمع الدولي نحو طبيعة الصراع.
ولقد أسهمت هذه السردية طويلًا في تغذية النزعة الانفصالية في كشمير، ولا تزال حتى اليوم تساهم في استمرار الصراع. وقد عمدت القوى الانفصالية وغيرها إلى استغلالها لتأجيج مشاعر العداء بين عامة الكشميريين، رغم أن الكثير منهم لم يكن على دراية بخلفيات الصراع وتعقيداته الأعمق.
اقرأ أيضًا: تحول تاريخي: "سياسة العمل شرقًا" تعيد رسم خريطة الاتصال لشمال شرق الهند
وأكد التقرير قائلًا: "مع أننا لا نستبعد احتمال سقوط بعض الضحايا المدنيين في تبادل إطلاق النار أو حوادث أخرى، فإن الغالبية العظمى من القبور الموثقة تعود لمسلحين أجانب مجهولي الهوية أو لمقاتلين محليين".
وأعلنت مؤسسة "سيف يوث سيف فيوتشر فاونديشن" أنها تعتزم توسيع نطاق الدراسة البحثية لتشمل مناطق أخرى في جامو وكشمير.