جهود رائدة في نشر اليوغا: الشيخة شيخة علي الجابر الصباح ونوف المروعي تُلهمان العالم العربي

22-06-2025  آخر تحديث   | 22-06-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
الاحتفال باليوم العالمي لليوغا 2025م في السعودية
الاحتفال باليوم العالمي لليوغا 2025م في السعودية

 


مجيب الرحمن*

في الحادي والعشرين من يونيو، يجتمع العالم للاحتفال باليوم العالمي لليوغا، الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 2014م كمناسبة سنوية لتسليط الضوء على هذه الممارسة العريقة التي توحد الجسد والعقل والروح. مع كل عام، تتسع رقعة اليوغا عالميًا، لتصبح أسلوب حياة يعبر الحدود والثقافات، حتى في العالم العربي الذي كان، حتى وقت قريب، ينظر إليها بحذر بسبب التحفظات الثقافية. اليوم، باتت اليوغا جزءًا من الحياة اليومية للكثيرين في المنطقة، حيث يقبل الناس على ممارستها لفوائدها الصحية والنفسية العظيمة. وفي هذا المقال، نسلط الضوء على مساهمات شخصيتين ملهمتين، الشيخة شيخة علي الجابر الصباح من الكويت ونوف المروعي من السعودية، اللتين كرستا حياتهما لنشر اليوغا في بلديهما والعالم العربي، لا سيما بين الشباب الذين يمثلون نبض المستقبل.

الشيخة شيخة علي الجابر الصباح: منارة العافية في الكويت

في قلب الكويت، أضاءت الشيخة شيخة علي الجابر الصباح دروب العافية بتأسيسها دار آتما عام 2014م، أول استوديو يوغا مرخص رسميًا في البلاد. كانت هذه الخطوة بمثابة حلم جريء في مجتمع لم يكن الجميع فيه مستعدًا لتقبل اليوغا، التي كثيرًا ما ارتبطت بثقافات أجنبية. ولكن الشيخة شيخة علي جابر الصباح، بدافع شغفها ورؤيتها، حوّلت هذا الحلم إلى واقع، حيث أصبح دار آتما ملاذًا للباحثين عن التوازن والسلام الداخلي.

لم تكتفِ الشيخة بتقديم دروس اليوغا، بل عملت على جعلها تجربة شاملة تجمع بين تمارين التنفس، والتأمل، والعلاجات الشاملة. وهذا النهج المبتكر ساعد في تغيير الصورة النمطية عن اليوغا، وجعلها ممارسة متاحة للجميع، من الشباب إلى كبار السن. من خلال ورش العمل والمبادرات التوعوية، ربطت الشيخة بين التراث الهندي العريق لليوغا والثقافة الكويتية، مما عزز التبادل الثقافي وفتح آفاقًا جديدة لفهم هذه الممارسة. وتُوجت جهودها في عام 2025م بجائزة بادما شري المرموقة من قبل حكومة الهند، تقديرًا لدورها الاستثنائي في نشر اليوغا. وخلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للكويت في ديسمبر 2024م، أشاد رئيس الوزراء مودي بها لإلهامها جيلًا جديدًا من الشباب الكويتي لتبني اليوغا كجزء من حياتهم.

نوف المروعي: قوة التغيير في السعودية

في المملكة العربية السعودية، كتبت نوف المروعي قصة ملهمة من المثابرة والتحدي. بدأت رحلتها مع اليوغا في أوائل الألفية، عندما ساعدتها هذه الممارسة على التعافي من مرض الذئبة الحمراء. وهذه التجربة الشخصية أشعلت فيها شغفًا لمشاركة فوائد اليوغا مع الآخرين، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود. واجهت نوف تحديات كبيرة بسبب المفاهيم الخاطئة التي ربطت اليوغا بالمعتقدات الدينية، ولكنها لم تستسلم. وبدأت عام 2004م بتقديم دروس اليوغا، مستخدمة منصات التواصل الاجتماعي والندوات في الجامعات والشركات لتوعية المجتمع بفوائد اليوغا العلمية.

وأسست نوف المروعي المؤسسة العربية لليوغا، التي أصبحت مركزًا لتعليم وتدريب الممارسين، وتقلدت مناصب قيادية مثل مديرة إقليمية "يوغا ألائينس إنترناشيونال" في الخليج عام 2009م، والأمين العام للوطن العربي في الاتحاد الدولي لليوغا، ونائب رئيس الاتحاد الآسيوي لليوغا. كما ترأست اللجنة السعودية لليوغا، التي أُسست ضمن رؤية 2030 لتعزيز اللياقة البدنية. وكل هذه الجهود أثمرت في نوفمبر 2017م، عندما أُدرجت اليوغا رسميًا كرياضة في السعودية، في خطوة تاريخية غيّرت المفاهيم وفتحت الأبواب أمام النساء والشباب لتبني نمط حياة صحي. وفي عام 2018م، مُنحت نوف جائزة بادما شري المرموقة من قبل الحكومة الهندية، -وهي رابع أعلى وسام مدني في الهند- لتصبح أول أجنبية تُكرم بهذا الوسام في مجال اليوغا، تقديرًا لتدريبها أكثر من 10,000 متدربة وتخريجها العديد من المدربات.

رؤية مشتركة لمجتمعات أكثر توازنًا

رغم اختلاف السياقات الثقافية بين الكويت والسعودية، تجمع الشيخة شيخة ونوف المروعي رؤية واحدة: جعل اليوغا أداة للعافية والتمكين. ولقد تمكنتا، من خلال استوديو دار آتما والمؤسسة العربية لليوغا، من الجمع بين التراث الهندي والثقافة العربية، مقدمتين نموذجًا يحتذى به لدمج القيم العالمية مع الخصوصية المحلّية. ولم تقتصر جهودهما على تعليم اليوغا، بل امتدت لإلهام الشباب، الذين يمثلون مستقبل الأمة، لتبني أسلوب حياة يعزّز الصحة والسلام الداخلي.

وإن تكريم كل منهما من قبل الحكومة الهندية بجائزة "بادما شري" يعكس التقدير العالمي لدورهما في بناء جسور ثقافية بين الهند والعالم العربي. وإرثهما يعيش في الآلاف من المتدربين والمدربين الذين ألهموهم، وفي المجتمعات التي أصبحت أكثر انفتاحًا على فكرة العافية الشاملة.

اقرأ أيضًا: شعبية اليوغا في البلدان العربية

فإنّ الشيخة شيخة علي الجابر الصباح ونوف المروعي ليستا مجرد شخصيتين رائدتين في نشر اليوغا، بل هما رمز للإرادة والتغيير. فمن خلال شغفهما ومثابرتهما وجهودهما الدؤوبة، استطاعتا أن تحولا التحديات إلى فرص، وتجعلا اليوغا منارة للصحة والسلام في الكويت والسعودية.

*أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي

قصص مقترحة