يوسف أبو لوز
أمامي ترجمتان لرواية "زوربا اليوناني" لنيكوس كازانتزاكس، الأولى صدرت عن دار التراث العربي في بيروت في عام 1968م، ونقلها إلى العربية "نخبة من الأساتذة"، كما جاء في التعريف بتلك الترجمة التي عرفها القارئ العربي قبل نحو 57 عامًا.
والترجمة الثانية التي أمامي صدرت في عام 2011م عن دار الحكايات في بيروت أيضًا، ونقلها عن اليونانية أولاً كارل وايلدمان، ثم نقلها بعد ذلك إلى العربية إدوارد أبو حمرا.
وتشاء الصدف أن اقرأ الترجمتين في وقت واحد، لأفاجأ، كما سوف يفاجأ القارئ، بالفرق الكبير بين ترجمة عام 1968م، وترجمة عام 2011م. وإليك، هنا وعلى سبيل المثال، فقرتان من كل ترجمة مأخوذتان من بداية ونهاية الرواية، لتكتشف وحدك أن الترجمة ليست خيانة فقط في الكثير من النقل إلى العربية، بل الترجمة أيضًا تتحول في الكثير من الأحيان إلى شكل من أشكال المسخ.
وتبدأ الترجمة الأولى التي جاءت بتوقيع "نخبة من الأساتذة" على النحو التالي: "كانت أول مرة التقيته بها في مرفأ "بيريه" عندما كنت متوجهًا لآخذ القارب إلى "كريت". كان الصباح على وشك أن ينبلج، والسماء تمطر، وكان رذاذ الموج يصل إلى زجاج المقهى الصغير الذي كانت أبوابه الزجاجية مغلقة، وكان الطقس باردًا في الخارج، وقد عبق الجوّ داخل المقهى بأنفاس روّاده".
وفي حين تبدأ ترجمة الرواية في عام 2011م، ترجمة كارل وايلدمان وإدوارد أبو حمرا، على النحو التالي: "التقيت به أول مرة فجر نهار ممطر، كنت آنذاك في طريقي إلى الميناء في "بيرايوس" بغية ركوب القارب المتجه إلى جزيرة كريت. رياح شرقية عاصفة كانت تنفح الرذاذ من الأمواج فتصل المقهى الصغير ذا الأبواب الزجاجية المغلقة. كان المقهى يفوح برائحة الميرامية المخمّرة والبشر الذين تراكمت أنفاسهم كالضباب على النوافذ بسبب البرد القارس في الخارج".
وفي نهاية الرواية، نقرأ رسالة من مختار القرية بعث بها إلى صديق زوربا، وجاءت في ترجمة عام 1968م على النحو التالي: "أنا مختار القرية، وأكتب لك لأخبرك بالنبأ المؤلم، وهو أن ألكسيس زوربا الذي كان يملك مقلعًا للحجارة البيضاء قد قضى نحبه يوم الأحد الماضي في الساعة السادسة مساءً".
وأما في ترجمة 2011م، فقد جاء نص الرسالة على النحو التالي: "إنني مدير مدرسة هذه القرية، وأكتب لأخبرك بحزن أن ألكسيس زوربا، صاحب منجم النحاس هنا توفي الأحد الماضي الساعة السادسة".
اقرأ أيضًا: وسط الصراعات والحروب، مهمة الابتكار التكنولوجي بين الهند والإمارات تكتسب زخمًا
في الترجمة الأولى يمتلك زوربا مقلعًا للحجارة البيضاء، وفي الترجمة الثانية يمتلك الرجل نفسه منجمًا للنحاس، وعلى هذه التناقضات بين الترجمتين قِس، واقرأ، وتعجب.
وقارئ في مثل هذه الحساسية، سيحسم أمره فورًا. يضع ترجمة كارل ويلدمان جانبًا، ويتجنب قراءتها، ليجد أن ما يبحث عنه ويشبعه إنما هو عند "نخبة من الأساتذة".