الذكرى التسعون لميلاد صاحبة الصوت الملائكي فيروز

23-11-2025  آخر تحديث   | 23-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | يوسف أبو لوز 
الذكرى التسعون لميلاد صاحبة الصوت الملائكي فيروز
الذكرى التسعون لميلاد صاحبة الصوت الملائكي فيروز

 


 يوسف أبو لوز

تصادف الذكرى التسعون لميلاد صاحبة الصوت الملائكي فيروز، وهي في حالة حداد، وإن كانت غير مُعلنة، وحالت سيدة الحزن المعتّق، والفرح المعتق أيضًا، دون استعمال الإعلام لحزنها وتحويله إلى مادة رثائية، وذلك، بالمزيد من صمتها الذي يأخذ شكل قصيدة ليست مكتوبة بالحروف. 

حالة السيدة فيروز هي حالة غياب ابنها زياد الذي حاول إضحاكها على المسرح، هو الذي لم يستطع حتى إضحاكها في الكواليس حيث تطبخ الأغنية الفيروزية على الضباب والضوء، والقليل من الورق الأصفر العتيق. 

فيروز ليست خفيفة على المسرح، ولا هي مغنية استعراض أو موضة أو غرور مفتعل، وحين تقف على الخشبة دائمًا بثوبها الطويل مثل تمثال تدبّ فيه الحياة ما إن تغني، فإنها في الوقت نفسه تشكل بالفطرة هالة كاريزمية أنثوية إنسانية حولها من الصعب اختراقها بالتصفيق أو الإعجاب الذي عادة ما يأخذ شكل تمجيد علني لسيدة استثنائية بكل معنى الكلمة. 

فيروز في حزنها الخصوصي الإنساني تمامًا، وفي إطلالاتها المدهشة للجمهور، ليست مغنية صورة أو كرنفالية إعلامية، بل هي كما يعرف الوسط الإعلامي والصحفي العربي والعالمي قليلة الحوارات والمقابلات، وربما كانت تكتفي بصوتها الذي يشرح قصة حياتها كلها بالغناء، الغناء الذي هو تاريخ امرأة وتاريخ ذاكرة وجدانية عربية مشتركة، كما هو تاريخ جيل، بل أجيال عربية تمتلك ميثاقًا وحدويًا عربيًا غير مكتوب، ولكنه ينطوي على قوة نفسية وأخلاقية عربية، تحوّلت إلى ثقافة جمالية، وهي الثقافة التي نادرًا جدًا ما يشكلها صوت امرأة، اتفق العرب على مجدها المضيء إلى الآن، وإن اختلفوا في توصيف هذا المجد: فمرة هي جارة القمر، وهي سفيرتنا إلى النجوم، وهي صاحبة الصوت الملائكي. 

وشخصيًا، أجزم، أن ما من كاتب أو صحفي أو مفكر أو شاعر إلا ويجد صعوبة في الكلمة الأولى لمقالته عن فيروز، مثل محاولة جمع ماء البحر في قارورة، لكن يتبين أن الأمر أبسط من ذلك كله، حين تجلس وتسمع فيروز، فقط الجلوس والإصغاء. 

لا أكتب بالطبع عن صوت فيروز، بل أكتب في حضورها، حضورها الذي يلغي فكرة شيخوختها، وفي الوقت نفسه، هي تحوّل هذا العمر التسعيني التاريخي إلى صيغة وجودية تقول لنا ببساطة إن الأشياء والكائنات والأرواح العظيمة الجميلة لا تتقدم في العمر، بل تتقدم في التاريخ، وتجعله قصة مستعادة منذ اللحظة الوردية في عمر الإنسان، وهي الطفولة. وإذا أردت هنا، تكثيف المعنى الشعري والغنائي لفكرة الطفولة، فطريقك سهل إلى هذا التكثيف. الطفولة هي أغنية فيروز، الطفولة موسيقى فيروز، والطفولة هي ذلك الشعر الذي ينقط ضوءًا على الحيطان ثم، تجمعه امرأة واحدة قلائد وأساور وخواتم.