العلاقات التعليمية بين الهند والسعودية: استعراض لعقد من الزمن

26-05-2025  آخر تحديث   | 26-05-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | همايون أختر نظمي 
العلاقات التعليمية بين الهند والسعودية: استعراض لعقد من الزمن
العلاقات التعليمية بين الهند والسعودية: استعراض لعقد من الزمن

 


همايون أختر نظمي*

على مدى العقد الماضي، شهدت العلاقات الهندية-السعودية توسعًا ملحوظًا تجاوز نطاق التفاعلات التقليدية المرتكزة على الطاقة، لتشمل الدبلوماسية التعليمية كأحد المجالات الحيوية. فقد برز التعليم بالفعل كأداة فعالة من أدوات القوة الناعمة، مما أسهم في تعزيز الفهم المتبادل وتعميق الروابط الاجتماعية والثقافية بين البلدين. ويستعرض هذا المقال التبادلات التعليمية بين الهند والسعودية، كما يقيّم أثر تنقّل الطلاب بين الجانبين. ويسلّط الضوء أيضًا على مجالات التعاون المستقبلية المحتملة لتعزيز هذا المسار.

الطلاب السعوديون في الهند: نظرة عامة على مدار عقد

منذ أوائل التسعينيات القرن الماضي، دأبت رابطة الجامعات الهندية على متابعة أعداد الطلاب الأجانب الذين يلتحقون بالجامعات الهندية عن كثب. وفي إطار هذا الرصد، ظلت الرابطة تنشر تقارير فصلية على شكل "أوراق عرضية". وقد نُشرت أحدث نسخة من هذه السلسلة في عام 2014م، واستندت إلى بيانات تم جمعها من 121 كلية حتى فبراير من العام نفسه. ورغم أن هذه البيانات قد لا تُقدّم صورة شاملة لجميع الطلاب الدوليين الدارسين في الهند، فإن ما يلي هو ما تشير إليه الروايات المستمدة من مجموعة متنوعة من المصادر.

الجدول: عدد الطلاب السعوديين في الهند

السنة

عدد الطلاب السعوديين

2005

388

2006

506

2011

262

2012

290

2019–2020

751  (1.56%من إجمالي 48,035 طالبًا أجنبيًا في الهند)

المصدر: Indo-Arab Info (2021)

ويوفر الجدول أعلاه صورة زمنية لعدد الطلاب السعوديين الذين يتابعون دراستهم العليا في الهند. وتشير البيانات الخاصة بالسنة الأكاديمية 2019–2020م إلى أن الطلاب السعوديين شكّلوا نسبة 1.56% من إجمالي عدد الطلاب الأجانب في الهند. وبين عامي 2005 و2006م، ارتفع عدد الطلاب السعوديين من 388 إلى 506، أي بنسبة زيادة بلغت 30.4%. إلا أن هذا العدد شهد انخفاضًا كبيرًا في عام 2011م، حيث تراجع إلى 262 طالبًا، ما يمثل انخفاضًا قدره 48.2% خلال خمس سنوات. ومن جهة أخرى، لوحظ تحسّن طفيف في عام 2012م، إذ ارتفع عدد المسجّلين إلى 290 طالبًا، أي بزيادة نسبتها 10.7% مقارنة بالعام السابق.

ويمكن عزو هذا التقلّب في أعداد الطلاب السعوديين في الهند إلى عدد من العوامل المترابطة، من أبرزها:

· ظهور مراكز تعليمية إقليمية جديدة مثل ماليزيا، والإمارات العربية المتحدة، وتركيا، والتي أصبحت وجهات مفضّلة للطلاب السعوديين نظرًا لقربها الجغرافي والتقارب الثقافي والديني.

· الاستثمار المحلي الكبير في البنية التحتية للتعليم العالي داخل المملكة العربية السعودية، وذلك في إطار "رؤية السعودية 2030"، مما وفر فرصًا تعليمية عالية الجودة داخل البلاد نفسها.

· تنامي التوجّه نحو التعليم في الدول الغربية، مدفوعًا بتوسعة "برنامج الملك عبد الله للمنح الدراسية الخارجية" بعد عام 2005م، والذي أتاح للطلاب فرصًا واسعة للدراسة في جامعات مرموقة حول العالم.

على مدى العقدين الماضيين، عززت الهند والمملكة العربية السعودية علاقاتهما في مجالات متعددة، شملت التعاون الاستراتيجي في قطاع الطاقة، والتعاون التعليمي، والتبادلات الثقافية، وغيرها من المجالات. ومن المحتمل أن تكون هذه الجهود الدبلوماسية قد أسهمت في تحسين صورة الهند كوجهة تعليمية مناسبة ومرغوبة لدى الطلاب السعوديين.

كما يُلاحظ أن عددًا متزايدًا من الطلاب القادمين من دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، بدأوا بالتسجيل في جامعات هندية خاصة مثل "مانيبال" و"أميتي" و"إيم بي آي تي" و"أشوكا" و"سيمبايوسيس". وتسهّل هذه الجامعات عملية القبول وتُقدّم دعمًا في ما يتعلق بالحصول على التأشيرات. كما توفر العديد من هذه المؤسسات السكن الطلابي مع وجبات حلال، ومساحات مخصصة للصلاة، وتراعي احتياجات الطلاب الدينية، وكل هذه الميزات تجعلها جذابة للطلاب السعوديين.

رؤية مقارنة

بالمقارنة مع الدول الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وأستراليا، تُعدّ الهند وجهة تعليمية متواضعة نسبيًا، لكنها تشهد توسعًا سريعًا من حيث استقطاب الطلاب السعوديين. وتكمن قوة الهند في ما تقدمه من قيمة تعليمية فريدة تجمع بين التكلفة المعقولة، وجودة التعليم، والارتياح الثقافي والديني. وتضع هذه العوامل الهند في موقع استراتيجي يمكّنها من جذب عدد أكبر من الطلاب السعوديين، خصوصًا أولئك الذين ينتمون إلى عائلات  متوسطة الدخل وغير مؤهلة للالتحاق ببرنامج الملك عبد الله للمنح الدراسية بالكامل.

الطلاب الهنود في المملكة العربية السعودية

حتى يوليو 2021م، بلغ عدد الطلاب الهنود الملتحقين بمؤسسات التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة نحو 219,000 طالب، مما يجعلها واحدة من أكثر الوجهات التعليمية شعبية بين الطلاب الهنود، حتى مقارنة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى. وأما في المملكة العربية السعودية، فقد بلغ عدد الطلاب الهنود المسجلين في جامعاتها في عام 2021م نحو 8,000 طالب فقط. ويُعد هذا الرقم أقل بنحو 27 مرة مقارنة بعددهم في دولة الإمارات. وتُظهر هذه الفجوة المستمرة أن الأكاديميين لا يزالون يُبدون اهتمامًا أكبر بالإمارات العربية المتحدة مقارنةً بالمملكة العربية السعودية.

ويركّز الطلاب الهنود في المملكة العربية السعودية غالبًا دراساتهم على عدد محدود من التخصصات، أبرزها الدراسات الإسلامية، واللغة العربية، وهندسة البترول. ويستند هذا الاختيار للتخصصات إلى الروابط الثقافية والاعتبارات العملية. فعلى سبيل المثال، تُعدّ السعودية من الدول الرائدة عالميًا في قطاع الطاقة، مما يجعل التخصص في هندسة البترول خيارًا منطقيًا وواقعيًا. ويكتسب هذا التوجّه أهمية أكبر عند النظر إليه في إطار "رؤية السعودية 2030"، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وجعل نظام التعليم العالي أكثر انفتاحًا وجاذبية للطلاب من دول أخرى.

تخيّلوا أن طالبًا هنديًا من حيدر آباد، حاصلًا على شهادة البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، يقرر الالتحاق بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لنيل شهادة الماجستير في هندسة البترول. وبفضل منحة بحثية كاملة وتوفّر مرافق بحثية متقدمة، يصبح هذا النوع من الطلاب جزءًا من جسر أكاديمي أوسع يربط بين الهند والسعودية. وهذا يدعم مسيرتهم المهنية ويساهم في الوقت نفسه في اقتصاد المعرفة في المملكة العربية السعودية. وبالمثل، أصبحت جامعة الملك سعود  وجهة دراسية شعبية، ويختارها الطلاب المهتمون باللغويات وأصول الدينكإحدى وجهات الدراسة المفضلة لديهم، إذ تتميز الجامعة ببرامج قوية في اللغة العربية ومراكز للدراسات الإسلامية تستقطب نخبة من العلماء والباحثين من مختلف التخصصات.

التعليم كأداة دبلوماسية للقوة الناعمة

تُعدّ الدبلوماسية التعليمية جزءًا أساسيًا من العلاقات بين الهند والمملكة العربية السعودية، إذ تتيح للبلدين استخدام "القوة الناعمة" لبناء علاقات طويلة الأمد تتجاوز حدود التجارة والاقتصاد. ويؤكد جوزيف ناي (2004) أن التبادلات الثقافية والتعليمية تجعل الدولة أكثر جاذبية جدارة بالثقة لدى الدول الأخرى، كما أنها تؤدي إلى علاقات دبلوماسية أفضل.

ولقد حرص كلّ من "المجلس الهندي للعلاقات الثقافية" في الهند، ووزارة التعليم في المملكة العربية السعودية على توظيف التبادلات التعليمية بشكل استراتيجي كأدوات دبلوماسية، وكل هذا يعزز التفاهم والتعاون بين الثقافات.

المجالات الناشئة وآفاق التعاون المستقبلية

هناك العديد من القطاعات الواعدة للتعاون التعليمي المستقبلي بين الهند والمملكة العربية السعودية، من أبرزها: الأمن السيبراني، والرعاية الصحية، والتدريب المهني، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة. وتعكس هذه المجالات الأهدافَ الاستراتيجية والمسارات التنموية لكلا البلدين.

فالتعاون في مجالي الطاقة الخضراء والتعليم الصحي يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة حول العالم، كما ينسجم مع رؤية السعودية 2030. وإن الخبرة الواسعة التي تتمتع بها الهند في تدريس تكنولوجيا المعلومات والدفاع تُمكّن البلدين من تعزيز التعاون بينهما. ويمكن أن يُسهم إنشاء برامج الشهادات المزدوجة، وتنظيم زيارات أكاديمية للأساتذة، وإطلاق برامج أكاديمية مشتركة، ومشروعات بحثية ثنائية الاتجاه في تعميق الروابط التعليمية بين البلدين. ومن شأن هذه المبادرات أن تعزز التعاون الأكاديمي وتدعم النمو الاجتماعي والاقتصادي في كلا الجانبين.

فيمكن القول إنه على مدار السنوات العشر الماضية، شهدت الروابط التعليمية بين الهند والمملكة العربية السعودية تحسنًا ملحوظًا، ويسهم هذا التطور بشكل كبير في تعزيز العلاقات الدبلوماسية والروابط الاجتماعية والاقتصادية بين البلدين. وفي ضوء تركيز البلدين المستمر على التعليم في أجندتهما الوطنية، تزداد احتمالية نمو التحالفات التعليمية الاستراتيجية. وعلاوة على ذلك، سيعزز هذا التطور مكانتهما العالمية كقوة ناعمة، ويُوفر أساسًا متينًا لإطار ثنائي راسخ بين الهند والمملكة العربية السعودية، قائم على التعاون في مجالات التعليم والمعرفة والتقدم المشترك.

*مدير مركز دراسات غرب آسيا، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي