مجيب الرحمن*
في خضم التحولات الاقتصادية العالمية التي تسعى إلى التنويع والاستدامة، تبرز السياحة كقطاع حيوي يدفع عجلة النمو الاقتصادي، خاصة في الدول النامية. إنها ليست مجرد مصدر دخل، بل رافعة لخلق فرص العمل، وتعزيز التواصل الثقافي، ودعم التنمية المحلية في المجتمعات. وفي هذا السياق، تلتقي الهند والمملكة العربية السعودية في رؤيتهما الطموحة لتحويل السياحة إلى محرك قوي للتنمية المشتركة. تمتلك الهند تراثًا حضاريًا غنيًا يمتد عبر آلاف السنين، مع تنوع جغرافي وطبيعي مذهل يشمل قمم الهيمالايا الشامخة، ووديان كشمير الساحرة، والغابات الاستوائية الخضراء والجذابة، والشواطئ الخلابة في كيرالا وغوا. وأما المملكة العربية السعودية، فتعمل من خلال رؤية 2030 على إعادة صياغة صورتها كوجهة سياحية عالمية، مع التركيز على تطوير مواقع تاريخية مثل الدرعية، ومشاريع طموحة مثل البحر الأحمر ونيوم، إلى جانب تعزيز تجارب السياحة الثقافية والترفيهية التي تجذب الزوّار من شتى أنحاء العالم. ويمكن أن يقوم البلدان العريقان، من خلال شراكة استراتيجية مدروسة، باستغلال مواردهما الفريدة لخلق فرص استثمارية هائلة تعود بالنفع على اقتصاديهما ومجتمعاتهما، وتعزز الروابط الثقافية بين شعبيهما.
فرص التعاون السياحي
يفتح التعاون بين الهند والسعودية آفاقًا واسعة في عدة مجالات رئيسة. أولاً، يمكن تبادل الخبرات في تطوير البنية التحتية السياحية، مثل بناء فنادق ذكية ومنتجعات مستدامة تراعي البيئة وتلبي احتياجات السائح العصري الباحث عن تجارب متميزة. ثانيًا، يمكن أن يقوم البلدان بالترويج المشترك لوجهاتهما السياحية من خلال حملات تسويقية مبتكرة تستهدف الأسواق العالمية، مما يعزّز جاذبية الهند والسعودية كوجهتين متكاملتين. وعلى سبيل المثال، يمكن تصميم برامج سياحية تجمع بين زيارة المواقع التراثية في الهند، مثل التاج محل أو قصور راجستهان الملكية، وتجربة الفعاليات الثقافية في السعودية، مثل موسم الرياض أو مهرجانات الدرعية، لتقديم تجربة سياحية غنية تجمع بين التراث والحداثة.
ولتحويل هذه الرؤى إلى واقع ملموس، يتطلب الأمر إطار عمل مشترك يركّز على عدة محاور:
ومن خلال هذه الجهود المشتركة، يمكن أن تقوم الهند والسعودية بصياغة نموذج رائد للتعاون السياحي العابر للحدود، يعزّز النمو الاقتصادي، ويخلق فرص عمل، ويرسخ مكانتهما كوجهتين سياحيتين عالميتين.
السياحة في الهند
تُعد السياحة في الهند صناعة حيوية تدعم الاقتصاد الوطني وتوفر ملايين الوظائف للمواطنين. في عام 2024م، ساهم قطاع السفر والسياحة بنحو 20.9 تريليونات روبية هندية (ما يعادل حوالي 249 مليار دولار أمريكي) في الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة 20% مقارنة بمستويات ما قبل جائحة كورونا، وفقًا لتقرير مجلس السفر والسياحة العالمي. ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 22 تريليون روبية في عام 2025م، مع توفير حوالي 48 مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
وفي النصف الأول من عام 2024م، استقبلت الهند 4.78 مليون سائح أجنبي، بزيادة 9% عن الفترة نفسها في 2023م، وفقًا لإحصاءات وزارة السياحة الهندية. ويعكس هذا النمو نجاح المبادرات الحكومية مثل برنامج "سواديش دارشان 2.0" الذي يركّز على تطوير السياحة المستدامة، وحملة "إنكريديبل إنديا" (الهند المذهلة) التي تبرز روعة وتنوع التراث الهندي، من معابد خاجوراهو التاريخية إلى شواطئ كيرالا الخلاّبة. كما يدعم نمو السياحة الداخلية ارتفاع أعداد الطبقة الوسطى الباحثة عن تجارب محلية أصيلة، مثل زيارة مهرجانات ديوالي أو استكشاف مدن مثل جايبور وفاراناسي.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات، تواجه الهند تحديات مثل نقص البنية التحتية في المناطق النائية، مما يحد من جاذبية بعض الوجهات. وهنا، يمكن أن تؤدي الشراكات الدولية، بما فيها مع السعودية، دورًا حيويًا في تطوير فنادق خضراء وشبكات نقل مستدامة، مما يعزّز تجربة السائح ويوسع نطاق الاستثمارات الأجنبية في قطاع الضيافة.
السياحة في السعودية
في المملكة العربية السعودية، حقّقت رؤية 2030 تقدمًا ملحوظًا في تحويل السياحة إلى رافد اقتصادي رئيس. وفي عام 2024م، بلغت إيرادات السياحة الوافدة 153.6 مليارات ريال سعودي (حوالي 41 مليار دولار)، بزيادة 13.8% عن العام السابق، وفقًا لبيانات البنك المركزي السعودي. كما تجاوزت المملكة هدفها الأولي باستقطاب 100 مليون زائر سنويًا، حيث بلغ إجمالي الزوار المحليين والدوليين أكثر من 115 مليون زائر في 2024م، مع طموح للوصول إلى 150 مليون زائر بحلول عام 2030م.
وتدعم هذه الإنجازات استثمارات ضخمة في مشاريع طموحة مثل "البحر الأحمر"، و"نيوم" مع مشروع تروجينا للتزلج، و"الدرعية"، التي يُتوقع أن تجتذب عشرات الملايين من الزوار سنويًا. كما تظل السياحة الدينية، بما فيها الحج والعمرة، رافعة اقتصادية أساسية، حيث تساهم بمليارات الدولارات سنويًا، مع خطط لزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين تدريجيًا بحلول 2030م. وبالإضافة إلى ذلك، تعمل المملكة على تنويع عروضها السياحية من خلال فعاليات مثل موسم الرياض ومهرجانات ثقافية تعكس تراث المملكة العريق.
آفاق التعاون الهندي-السعودي في مجال السياحة
خلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى جدة في أبريل 2025م، تم تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين من خلال إنشاء لجنة جديدة للتعاون السياحي والثقافي، إلى جانب توقيع مذكرات تفاهم في مجالات السياحة والإعلام. وتعكس هذه الخطوات التوجه السعودي نحو الاستثمار في الهند، بما في ذلك قطاع السياحة الواعد.
ويمكن تخيل نماذج عملية للتعاون، مثل:
ورغم التحديات، مثل الحاجة إلى بنية تحتية سياحية مستدامة ومعالجة الاختلال في الميزان التجاري، تفوق الفرص هذه العقبات. فيمكن مثلاً أن تخلق السياحة الخضراء مئات الآلاف من فرص العمل، وتعزز التبادل الثقافي بين شعبين تربطهما روابط تاريخية عميقة.
اقرأ أيضًا: الاتصال الثقافي يعزِّز العلاقات الهندية-السعودية
فإن التعاون السياحي بين الهند والمملكة العربية السعودية ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل جسر حضاري يربط بين تراثين غنيين وشعبين يتقاسمان طموحات كبيرة. ومن خلال الاستثمار في البنى التحتية، وتبادل الخبرات، وتطوير تجارب سياحية فريدة، يمكن أن يصبح هذا التحالف نموذجًا عالميًا للتنمية المستدامة. وإن هذا التعاون لا يقتصر على تحقيق مكاسب اقتصادية، بل يسهم في تعزيز التفاهم والترابط بين الشعبين، مما يرسخ مكانة الهند والسعودية كوجهتين سياحيتين عالميتين. ومع استمرار الجهود المشتركة، سيوفر هذا التحالف فرصًا استثنائية للمستثمرين والزوار على حد سواء، ويعزز رسالة الوحدة والتفاهم بين الشعوب.
*رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية سابقًا بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.