فيض الحسن خان
يشهد حضور المسلمين في القوات المسلحة الهندية، والشرطة، والبيروقراطية تزايدًا مستمرًا. ففي كل عام، يبرز الشباب المسلون بفضل أدائهم المتميز في امتحانات الخدمة المدنية (UPSC)، أو تميزهم في الخدمات الشرطية، أو إنجازاتهم في الخدمة العسكرية.
وفي هذا السياق، تترك النساء المسلمات بصمتهن بفعالية لا تقل عن نظرائهن من الرجال. فاليوم، تخدم الشابات المسلمات في البحرية، وسلاح الجو، والجيش — وهو أمرٌ لم يكن من الممكن تصوره قبل بضع سنوات.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت الخدمات المدنية والشرطية زيادة تُقدَّر بحوالي 3 في المئة في نسبة المسلمين الذين تمكّنوا من النجاح فيها. وتبلغ هذه النسبة اليوم حوالي 3.31 في المئة في الخدمات المدنية و3.66 في المئة في الخدمات الشرطية. وبالمثل، لوحظ ارتفاع ملموس في تمثيل المسلمين في شرطة الولايات والقوات المسلحة المركزية.
وفي المقابل، على الرغم من أن المسلمين يشكلون 14.3% من سكان الهند حسب تعداد عام 2011م، فإن نسبتهم في القوات المسلحة لا تتجاوز 2% فقط. وأما السيخ، وهم أقلية لا تتجاوز نسبتهم 1.72% من السكان، فإنهم يشكلون 15% من رتب الجنود و20% من فئة الضباط في القوات المسلحة. وبالمثل، فإن المسيحيين، الذين تبلغ نسبتهم السكانية 2.3%، يتمتعون بتمثيل متناسب في القوات المسلحة.
ومع ذلك، لا ينبغي أن تُقلّل الإحصاءات من حماسة المسلمين والتزامهم الصادق بخدمة الوطن وهم يرتدون الزي الرسمي ويقفون على الحدود دفاعًا عنه.
الخدمة العسكرية
منذ عام 1947، فإن الهند في حالة صراع في كشمير. وفي حرب 1947-1948، دخل مسلم إلى سجلات التاريخ العسكري الهندي ببطولته اللافتة – وهو العميد محمد عثمان، الذي ساهمت شجاعته في تأمين كشمير للهند. وفي أعوام 1965 و1971 و1999، اشتعلت جبهة كشمير بحروب شاملة امتد لهيبها إلى مناطق أوسع. وقد قاتل الهنود ببسالة ونجحوا في دحر الأعداء وإعادتهم إلى ثكناتهم. ومن بين كوكبة الأبطال الذين سطروا أسماءهم في سجل الفروسية، تألق عدد من المسلمين، أمثال العريف عبد الحميد، والعقيد مصطفى، والفريق الركن ضمير الدين شاه، والفريق الركن سيد عطاء الحسنين.
وبالإضافة إلى ذلك، شارك المسلمون في جميع أنحاء الهند في جهود دعم الحرب من خلال تنظيم بنوك دم، وجمع التبرعات، وتنظيم معسكرات تجنيد طارئة، وإرسال أعداد كبيرة من الشباب المسلمين إلى الجبهات والحدود.
ومع ذلك، على الرغم من هذا الشغف المتوقد والرغبة الصادقة في الخدمة إلى جانب الجنود أو ضمن صفوفهم بالزي العسكري، فإن المشاركة المباشرة للمسلمين في القوات المسلحة لا تزال ضعيفة ومحدودة. فهل يعود ذلك إلى نقص في الحافز؟ أم إلى خيارات مهنية مختلفة؟ أم، كما يُلمّح أحيانًا، إلى حالة من اللامبالاة؟
دعونا نُلقِ نظرة على حالة المسلمين مقارنةً بالسيخ أو البنجابيين. ففي المقام الأول، يؤدي الآباء والمجتمع والمعلمون دورًا أساسيًا في تشكيل توجهات الشباب وتحفيزهم لاختيار مسارهم المهني. ويتمتع البنجابيون عمومًا، والسيخ خصوصًا، بدعم عائلي ومجتمعي متجذّر، حيث تقوم المؤسسات التعليمية والدينية بدور فاعل في توجيه الشباب نحو اختيار المسار العسكري. وليس من المستغرب أن يحظى البنجابيون بحضور قوي في الهند، فضلًا عن هيمنتهم الواضحة في المؤسسة العسكرية الباكستانية.
وكل هذه العوامل تكاد تكون مفقودة بشكل غير مبرر لدى المسلمين. وبالإضافة إلى الجهود الوطنية، التي لا شكّ في ضرورة تسريع وتيرتها، فإن المبادرات الذاتية داخل المجتمع يجب أن تضطلع بدورها في التوجيه والتحفيز الأولي. وفي المقام الأول، على الآباء أن يشجّعوا أبناءهم على اختيار المسار العسكري، مستشهدين بإسهامات مجتمعهم خلال الحقبتين، ما قبل الاستقلال وما بعده. كما ينبغي للمؤسسات التعليمية، وعلى وجه الخصوص تلك التي تُدار من قِبل المجتمع، أن تتولى مسؤولية توجيه الشباب بشكل منهجي نحو خيار الخدمة العسكرية.
وينبغي للشباب المسلمين أن يدركوا أن الانخراط في السلك العسكري لا يعني فقط خدمة الوطن بأرفع درجات الفخر والتميّز، بل هو أيضًا من أكثر المسارات المهنية عائدًا. فالقائد العسكري لا يواجه البطالة حتى بعد تقاعده، إذ إن ما يكتسبه من انضباط وتدريب على أداء الواجب يجعله من أكثر الأشخاص طلبًا في مختلف المجالات.
وعندما خاطبت العقيد صوفيا قريشي المؤتمر الصحفي خلال "عملية سِندور" في مايو 2025م، لفتت أنظار الجميع بفصاحتها ورصانتها كضابطة متميّزة ترتدي الزي العسكري، ولم تكتفِ بإضفاء الفخر على البلاد فحسب، بل ألهمت شباب الهند – رجالًا ونساءً – للسعي نحو مهنة تُجسّد الشرف وخدمة الوطن بالزي العسكري.
قوة الشرطة والخدمة الإدارية الهندية
عند الاستقلال في عام 1947م، كان هناك 980 ضابطًا في الخدمة المدنية الهندية (ICS)، من بينهم 468 أوروبيًا، و352 هندوسيًا، و101 مسلم، و25 مسيحيًا، و13 من البارسيين، و10 من السيخ، وأربعة من طوائف أخرى. وقد بلغت نسبة الضباط المسلمين حينها 10.3%، وهي نسبة أدنى بكثير من نسبتهم السكانية البالغة 24%، لكنها كانت رغم ذلك نسبة لا يُستهان بها.
وبعد سنوات، كشف تقرير لرئيس قضاة محكمة دلهي العليا المتقاعد، راجيندر ساتشار، في عام 2006م، أن المسلمين كانوا متخلفين في جميع المجالات الاجتماعية في الهند، وأن تمثيلهم في الخدمات الإدارية العليا مثل الخدمة الإدارية الهندية، والخدمة الخارجية الهندية، وخدمة الشرطة الهندية كان ضعيفًا للغاية. وقد بلغ تمثيل المسلمين في الجهاز البيروقراطي ما بين 3 إلى 4 في المئة فقط عام 2006م، وهي نسبة ظلت راكدة لأكثر من عقد ونصف. كما أظهرت بيانات امتحانات الخدمة المدنية لعامي 2003 و2004 أنه من بين 11,537 مرشحًا خاضوا امتحانات المرحلة النهائية (CSE Mains) خلال هذين العامين، كان هناك 283 مسلمًا فقط، أي بنسبة 4.9%.
وخلال العقود السبعة الممتدة من عام 1951م إلى عام 2020م، بلغ عدد الضباط المسلمين في الخدمة الإدارية الهندية (IAS) 411ضابطًا من أصل 11,569، أي ما يعادل نسبة 3.55% فقط.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، لم يستسلم المجتمع لليأس، بل نهض من جديد بحيوية متجددة وإصرار قوي. ففي عام 2016م، ولأول مرة في التاريخ، تم اختيار 50 مسلمًا عبر امتحانات الخدمة المدنية، من بينهم 10 دخلوا قائمة المئة الأوائل. ومنذ ذلك العام، حافظت نسبة المرشحين المسلمين على معدل يقارب 5%، أي بزيادة قدرها 2.5% مقارنة بما كانت عليه منذ الاستقلال.
وفي الوقت الراهن، يوجد في الهند ضابط واحد فقط من فئةIAS أوIPS لكل 5.73 لك (573 ألف) مسلم. ويبلغ عدد الضباط المسلمين 180 من أصل 5,464 ضابطًا في الخدمة الإدارية الهندية(IAS) على مستوى البلاد. وأما في خدمة الشرطة الهندية(IPS)، فيبلغ عددهم 151 ضابطًا، بينما يبلغ عددهم في الخدمة الخارجية الهندية (IFS) 35 فقط.
وهذا الإقبال المتزايد من المسلمين على اجتياز امتحانات الخدمة المدنية يعكس رغبة واضحة في الحماية، والتمكين، والسعي للحصول على نصيب من السلطة داخل النظام، إلى جانب طموح قوي للارتقاء إلى مناصب قيادية. وهو في الوقت ذاته دليل على أن المتقدّمين المسلمين لامتحانات الخدمة المدنية لديهم إيمان وثقة بالنظام، ويشتركون مع بقية الهنود في نفس الطموحات والتطلعات.
اقرأ أيضًا: الهند والإمارات تؤكدان التزامهما بتعميق الشراكة الدفاعية خلال الاجتماع الـ13 للجنة التعاون الدفاعي المشتركة
ويكتب المسلمون فصولًا جديدة من التاريخ. ففي جامو وكشمير، يشكّل المسلمون غالبية أفراد الشرطة. وإلى جانب ذلك، يحقق الضباط المسلمون، ومعظمهم من النساء مثل العقيد صوفيا قريشي، إنجازات لافتة بسجلات خدمة استثنائية.
ومن المشجّع أن نرى المسلمين يضعون ثقتهم في المؤسسات الوطنية. وكلّ ما يحتاجونه هو إشعال شغفهم لخدمة وطنهم في كل مجال ممكن. فهذا لن يغيّر مصيرهم فحسب، بل سيُسهم في تغيير المشهد الوطني، حيث تسير الهند نحو الوحدة في التنوع، وهو الشعار الحضاري الذي لطالما ميّزها.