رضوان الرحمن*
تُعد مكتبة ومتحف رضا برامفور من أكبر وأفضل المكتبات الهندية، التي تجمع بين المتحف والمكتبة ومركز البحوث، ولذلك تُعد من المؤسسات العلمية الرائدة التي أدت ولا تزال تؤدي دورًا رياديًا في حفظ ما ألّفه العلماء الهنود منذ العصور الوسطى في اللغات العربية والفارسية والأردية والهندية والسنسكريتية. وتم تأسيسها من قبل حاكم رامفور في قصره في نهاية القرن التاسع عشر، وتم انتقالها بعد استقلال الهند إلى الحكومة، فشهدت في تلك المرحلة مزيدًا من الازدهار والتطور. وتستقبل المكتبة الباحثين والطلاب وعامة الناس على مدار العام.
تاريخ المكتبة
تقع مكتبة رضا برامفور في مدينة رامفور الواقعة في ولاية أترا برديش في الهند. وأسّسها نواب أي حاكم دولة رامبور، فيض الله خان باهادور، حاكم دولة رامفور في عام 1774م في قصر رامفور وسمّاها باسم أحد حكّام ولاية رامفور الأكثر ثقافة، الأمير رضا على خان. وبقيت المكتبة تحت رعاية دولة رامفور حتى استقلال الهند في عام 1947م. وبعد استقلال الهند نقلت الأسرة الحاكمة السابقة هذه المكتبة العريقة إلى حكومة الهند. ويتم إشرافها الآن من قبل وزارة الثقافة الهندية التي تعيّن مديرًا للمكتبة. كما تشكّل هيئة مستقلّة للإدارة العامة واللجنة المالية ولجان الخبراء في مختلف المجالات وغيرها من الهيئات واللجان تحت رئاسة حاكم الولاية لتسيير العمل المستمر وتحقيق النزاهة والشفافية في المعاملات المالية والإنفاق على رواتب الموظفين ومختلف المشاريع العلمية وصيانة المكتبة وما فيها.
وعلما بأنّ حاكم رامفور، نواب فيض الله خان، الذي حكم رامفور من عام 1774م إلى عام 1794م، أنشأ هذه المكتبة بمجموعته الذاتية من المخطوطات القديمة والعينات المصغرة للخط الإسلامي. وكان النواب اللاحقون عنوا بالعلم والشعر والرسم والخط والموسيقي، لذا شهدت المكتبة نموًا ملحوظًا في فترة قصيرة. وبحسب آراء المؤرخين، نقل الإنكليز عددًا كبيرًا من المخطوطات والكتب القديمة من العصور الوسطى إلى لندن أو إلى مختلف المكتبات داخل الهند ولكن لم يلمسها الإنكليز تلك التي كانت موجودة في مكتبة رضا برامفور.
والنواب الآخر من رامفور المعروف بكلب علي خان الذي حكم في الفترة ما بين 1865م و1887م كان عالمًا وشاعرًا كبيرًا فاهتمّ كثيرًا بجمع المخطوطات النادرة واللوحات ونماذج الخط الإسلامي. وتميّز عصر نواب حامد علي خان الذي حكم رامفور من 1889م إلى 1930م بعصر ذهبي لرامفور لأنه قام بترميم مسجد المدينة وأسوار القلعة والمباني الحكومية في رامبور. كما اتخذ خطوات في سبيل نشر العلوم وبناء المدارس. وتعاقد مع المهندس البريطاني، دبليو سي رايت، لإنشاء قصرٍ باسم "حامد منزل" في أوائل القرن العشرين الذي أصبح مسكن النواب وبلاطه. ونُقلت مكتبة رضا إلى هذا المبنى عام 1957م. وزادت ثروة المكتبة العلمية خلال هذه الفترة لأن النواب جلب كتبًا ومخطوطاتٍ نادرة من مختلف أصقاع العالم العربي والإسلامي والهند، بالإضافة إلى خزائن ومكتبات العديد من حكّام الولايات والمقاطعات الهندية.
مجموعات المكتبة
تعتبر مكتبة رضا من كنوز الكتب القديمة والمخطوطات في مختلف المواضيع. وإنها تحوي أكثر من 90 ألف كتاب قديم مطبوع باللغات العربية والأردية والفارسية والسنسكريتية والبشتوية وغيرها من اللغات. وإضافة إلى ذلك، توجد فيها أكثر من 21000 مخطوطة، بينها 5500 مخطوطة عربية، فضلاً عن 5000 لوحة فنية من صور ومنمنمات نادرة و3100 لوحة خطوط عربية أبدعتها أيدي كبار الخطاطين العرب والمسلمين.

وتحتوي هذه المكتبة في فئة مخطوطاتها على بعض المخطوطات النادرة التي لا توجد نسختها في مكتبات وأرشيفات أخرى ومنها؛ النسخة المصورة لكتاب "كليلة ودمنة" المصورة في اللغة الفارسية. وفي مكتبة رضا نسخة من القرآن الكريم كتبت في الذهب والعقيق من قبل الخطاط البغدادي ياقوت المستعصمي وليس لها أي مثيل لها في المكتبات العربية والإسلامية، كما توجد فيه نسخة مخطوطة من كتاب تفسير علي عبد الله سفيان الثوري، ويرجع زمنها إلى القرن التاسع الميلادي.
وتطورت مكتبة رضا خلال الفترات ما بعد الاستقلال لأنها حظيت باهتمام ورعاية العديد من الشخصيات السياسية والأدبية والعلمية، مما جعلها مركزًا عالميًا مهمًا للعلوم والفنون، ومنهم الشاعر الأمير ميناي، والبروفيسور نور الحسن، حاكم ولاية غرب البنغال، ومولانا أبو الكلام آزاد، ومولانا امتياز علي عرش، ومولانا نجم الغنى، والحافظ أحمد علي خان شوق وغيرهم.
الاهتمام بالبحث العلمي
وبقيت المكتبة أحد أهم مراكز البحث والتحقيق في الدراسات الشرقية، ولا سيما الدراسات العربية والفارسية، لسنوات طويلة. وقد اعترفت بها مختلف الجامعات والمؤسسات التعليمية، كما عقدت، بالتعاون مع معاهد الدراسات العليا، دورات علمية ومؤتمرات بحثية حول موضوعات متعدّدة مرتبطة بأنشطة المكتبة. إلا أنّ أنشطتها العلمية تعطّلت في السنوات الأخيرة بسبب تقاعد الموظفين والخبراء، ولم يبقَ سوى عدد قليل من العاملين الذين يتولّون فهرسة الكتب الجديدة والعناية بالمخطوطات.
اقرأ أيضًا: مكتبة رضا برامبور تضم عددًا كبيرًا من المخطوطات والكتب المطبوعة النادرة
ويسعى المدير الحالي لمكتبة ومتحف رضا برامفور لإحياء أنشطتها العلمية من خلال إبرام اتفاقيات تعاون مع معاهد الدراسات العليا، كما يخطط لإنشاء معهد للغات وتدريب المترجمين والمحررين، وتأهيل المتعلمين على قراءة الخطوط القديمة، إضافةً إلى إعداد برامج تفاعلية تُفيد الزائرين وتعرّفهم بالمخطوطات الموجودة في المكتبة. وتفتح مكتبة ومتحف رضا أبوابها خمسة أيام في الأسبوع من الصباح حتى المساء، ويمكن زيارتها خلال ساعات الدوام، كما يمكن مطالعة الكتب داخل المكتبة نهارًا دون دفع أي نوع من الرسوم.
اقرأ أيضًا: الدكتور بوشكار مشرا: مكتبة رضا هي "التاج محل للكتب" ورمزٌ للتنوع الثقافي في الهند
وليست مكتبة رضا برامفور مجرد مكتبة، بل هي ثروة علمية وثقافية للإنسانية جمعاء؛ فقد اعترف كثير من أهل العلم والثقافة بأنها من أعظم المكتبات الآسيوية لما تحتويه من كتب قديمة وذخائر علمية نادرة. ومن هنا، يُرجى من الباحثين استثمار الفرص المتاحة للبحث والدراسة في مكتبة ومتحف رضا، والعمل على نشر العلوم والفنون التي ما تزال محفوظة في شكل مخطوطات.
*أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.