 
                                 
محمد معراج عالم/نيودلهي
استقبل مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، يوم 29 أكتوبر 2025م، الدكتور بوشكار مِشرا، مدير "مكتبة رضا في رامفور"، حيث عقد المركز جلسةً تفاعلية معه حول مكتبة رضا برامفور وأهميتها والمخطوطات والكتب النادرة المتواجدة فيها، وذلك تحت رئاسة عميدة مدرسة دراسات اللغة والأدب والثقافة شوبها شانكار، وبتنسيق الأستاذ رضوان الرحمن رئيس المركز سابقًا، وبمشاركة أساتذة المركز وطلابه وطالباته.
واستهلت الجلسة بكلمة ترحيبية للأستاذ رضوان الرحمن رحّب فيها الضيفَ الدكتور مشرا، وأشاد بانتمائه إلى جامعة جواهر لال نهرو التي تخرّج فيها من مركز علم الاجتماع، موضحًا أن مكتبة رضا تُعد من أكبر المراكز في العالم للمخطوطات العربية والفارسية، ومؤكدًا أن هذه الجلسة تتيح للباحثين فرصةً ثمينة للاطّلاع على كنوزها النادرة، مما سيفتح آفاقًا جديدة للباحثين والمهتمين بدراسة المخطوطات في المستقبل.
	.jpeg)
وبدأ الدكتور بوشكار مِشرا محاضرته بالعودة إلى الذكريات القديمة التي عاشها في رحاب جامعة جواهر لال نهرو، وأشار إلى أنّ جامعة جواهر لال نهرو لا تغيب عن وجدان كل من نهل من مناهلها. ثم تحدّث عن مكتبة رضا التي وصفها بأنها "التاج محل للكتب"، نظرًا لجمال مبناها الذي شيّده الأمير حامد علي خان عام 1905م بتصميم فرنسي رائع، يتكوّن من ثماني منارات وكل منارة تتكوّن من أربعة رسوم تتمثّل فيها معابد لأهل الأديان الأربع ومنها مسجد، مما يتجسّد فيها روح الهند المتنوعة والمتآلفة في آن واحد. وتناول في كلمته تاريخ هذه المؤسسة العريقة ودورها الحضاري في تعزيز التعايش الثقافي بين الشعوب وإشاعة روح السلام عبر المعرفة والتراث.
وأوضح أن جذور المكتبة تعود إلى عام 1774م، وقد تطوّرت عبر الزمن لتصبح مركزًا ضخمًا للمعرفة يضم كتبًا ومخطوطات بأكثر من عشرين لغة، وذلك في موضوعات التاريخ والموسيقى والطب اليوناني والفكر الإسلامي والفلسفة والآداب. وأضاف مِشرا أنّ الحكومة الهندية اعترفت بها عام 1975م بوصفها تراثًا وطنيًا، ومنذ ذلك الحين أصبحت المكتبة رمزًا للتعددية الثقافية في الهند. وأضاف قائلاً: إن يوم السابع من أكتوبر يُحتفل به سنويًا بوصفه يوم تأسيس المكتبة.
وتحدث الدكتور مِشرا بإعجاب عن الكنوز التي تضمها المكتبة، مشيرًا إلى وجود أكثر من خمسة آلاف وأربع مئة مخطوطة عربية إلى جانب مجموعات ضخمة من المخطوطات الفارسية والأردية والبشتوية والتيلغوية وغيرها. ومن بين هذه الكنوز نسخة نادرة من القرآن الكريم مكتوبة بخط الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومخطوطة فريدة عن تاريخ المغول لا يوجد لها نظير إلا في العراق، وكذلك ترجمة "رامايانا" من اللغة السنسكريتية إلى الفارسية، وهي أعمال تُعدّ اليوم تراثًا وطنيًا للهند لما تمثله من قيمة علمية وإنسانية وحضارية كبيرة.
كما أشار إلى مخطوطة "بانش تانترا" المترجَمة إلى الفارسية، وأشار إلى تواجد الرسوم الزخرفية الفريدة ذات الطابع الفني الدقيق، وإلى روعة الخط العربي والإسلامي الذي تتزين به تلك المخطوطات، معلنًا عن اتخاذ مبادرة لتعليم فنون الخط العربي في المكتبة.
وأكّد الدكتور مشرا إن "مكتبة رضا" لا تُعد مجرد مستودع للكتب، بل هي مؤسسة ثقافية تمثّل التعددية الفكرية والدينية واللغوية في الهند، إذ تمثل نموذجًا حيًا للتعايش السلمي والحوار الثقافي. وأشار إلى أن الصراعات التي يشهدها العالم كثيرًا ما تنشأ بسبب اللغة أو الدين أو الطبقة، بينما تقدم مكتبة رضا نموذجًا مغايرًا يبرز كيف يمكن أن يوحد التراث المشترك بين البشر.
	
كما أعلن عن مشروع لإنشاء مركز للترجمة في مكتبة رضا تُترجم فيه الأعمال بين اللغات العربية والفارسية والأردية والهندية والسنسكريتية، مع تقديم منح بحثية للدارسين في هذا المجال، لافتًا إلى أن مكتبة رضا ستشهد توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة جواهر لال نهرو، والتي من شأنها أن تسهم في التبادل الثقافي والعلمي وتعزيز الوعي العالمي بقيم المعرفة والسلام. كما أكّد الدكتور مشرا: "تجري الجهود حاليًا لتنشيط مبادرات عقد المؤتمرات والورشات التي تُناقش العمل على المخطوطات، مشيرًا إلى أن هذه الفعاليات كانت تُقام سابقًا لكنها تباطأت قليلًا في الفترة الماضية لأسباب ما، وستأتي مبادرة لتنظيم ورشة أو مؤتمر شهريا أيضًا".
وأشادت عميدة مدرسة دراسات اللغة والأدب والثقافة، الأستاذة شوبها شانكار، في كلمتها الرئاسية بما تحويه مكتبة رضا من تراثٍ متعدد اللغات والثقافات، ووصفتها بأنها مثالٌ نادرٌ على الانسجام بين الحضارات، معربةً عن أملها في تعزيز العلاقات بين الجامعة ومكتبة رضا بما يعود بالنفع على الطلبة والباحثين. كما أشارت إلى أن مكتبة رضا تمثل مصدرًا ثريًا للدارسين في مجالات الفكر والأدب واللغة، وأن التعاون الأكاديمي مع مؤسسات من هذا النوع يسهم في إثراء البحث العلمي وترسيخ قيم التنوع الثقافي والمعرفة المشتركة.
اقرأ أيضًا: الجامعة الملية الإسلامية تحتفل بمرور 105 أعوام على تأسيسها في حفل مهيب بحضور وزير الأقليات كيرين ريجيجو
وفي مستهل الجلسة، قدّم الأستاذ أشفاق أحمد نبذة تعريفية عن الدكتور بوشكار مِشرا، وقال إنه مثقف بارز وعالم اجتماع متميز، ونشأ في عائلة تهتم بالعلم والمعرفة، ونال درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها، وله مؤلفات ودراسات عديدة. وأشار إلى أنه أسّس مؤسسة "آشرما" تعنى بترسيخ ثقافة التعايش السلمي بين الأديان، مبينًا أن نشاطه الفكري يجمع بين الرؤية الإنسانية والعمل الميداني.
