د. سهيل إعجاز خان*

الهند والمملكة العربية السعودية تربطهما علاقات تاريخية راسخة، مبنية على قرون من التبادل الثقافي والتجارة والتفاعلات بين الشعوب في البلدين، ويظل التعاون الثقافي جوهر شراكة الهند الوثيقة مع المملكة العربية السعودية، وقد نما اليوم نطاقه وجوهره، ولإعطاء زخم لهذا الجانب المهم، تم تشكيل لجنة وزارية جديدة للتعاون السياحي والتعاون الثقافي، في إطار مجلس الشراكة الاستراتيجي بين الهند والمملكة العربية السعودية، خلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس وزراء الهند للمملكة العربية السعودية في شهر أبريل 2025م.

وشهدت السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة في هذا المجال. فقد كانت الهند "ضيف الشرف" في مهرجان الجنادرية السعودي في عام 2018م، وفي الآونة الأخيرة، قدمت فرقة ثقافية هندية كبيرة عروضًا فنية في حديقة السويدي بالرياض في إطار مبادرة الوئام العالمي السعودية. لطالما حظيت السينما والموسيقى الهندية بشعبية كبيرة في المملكة، وتدير العديد من الإذاعات العربية قنوات مخصصة بأفلام بوليوود. كما عُرضت السينما السعودية في الهند من خلال فعاليات مثل "ليالي الفيلم السعودي" والمشاركة في مهرجان الفيلم الدولي الهندي(IFFI)  في ولاية غوا. وبالمثل، شاركت الهند بنشاط في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة.

وإن بناء الجسور بين قطاعي الإعلام والترفيه أمر بالغ الأهمية ليس فقط لتقديم المزيد من المحتوى والتجارب لشعبنا، ولكن أيضًا لتشجيع مشروعات ومبادرات الإنتاج المشترك المستقبلية، وشارك وفد رسمي رفيع المستوى من المملكة العربية السعودية فيWAVES -  وهو حدث رئيس للإعلام والحدث استضافته الهند مؤخرًا، بينما شارك وفد رفيع المستوى من الهند في منتدى الإعلام السعودي 2025م. وتستكشف الشركات الهندية فرص التعاون السينمائي في المملكة العربية السعودية. وسافر العديد من الصحفيين السعوديين إلى الهند مؤخرًا لتغطية الأحداث الكبرى، وفي العام الماضي، استضافت وزارة الإعلام بالمملكة العربية السعودية مجموعة من الصحفيين الهنود لعرض التقدم الذي أحرزته المملكة في ظل رؤية 2030م.

والرياضة مجال آخر نرى فيه إمكاناتٍ كبيرة للتعاون، فقد اكتسب اليوغا قبولاً أوسع في المملكة العربية السعودية، وقد لاحظنا اهتمامًا متزايدًا بلعبة الكريكيت في المملكة، حيث استضافت جدة مزاد الدوري الهندي الممتاز العام الماضي، ويشارك الآن المزيد من اللاعبين الهنود في بطولات الرياضات الإلكترونية السعودية، وقد شارك منتخب كرة السلة الهندي مؤخرًا في كأس آسيا لكرة السلة في جدة، ونهنئ المملكة العربية السعودية على فوزها بحـــــق استضافة كــــــأس العالم لكـــــرة القدم(FIFA WORLD CUP)   عام 2034م.

كما تشهد السياحة بين البلدين نموًا ملحوظًا، حيث اختار العديد من الشباب السعوديين الهند كوجهة سياحية مفضلة، وسافر 1.9 مليون سائح هندي إلى المملكة العربية السعودية العام الماضي، ولا تزال السياحة المرتبطة بالحج والعمرة جانبًا رئيسًا من جوانب العلاقة، حيث يزور عدد كبير من الحجاج الهنود المملكة العربية السعودية كل عام لأداء مناسك الحج والعمرة، ونحن نقدّر بشدة دعم حكومة المملكة المستمر للحجاج الهنود.

ومنذ الأزمنة القديمة، حافظنا على استمرارية تفاعلاتنا، واستعارت اللغات الهندية عددًا كبيرًا من الكلمات العربية، وبالمثل، جعلت الفلسفة والمعرفة العلمية الهندية طريقها إلى العالم العربي من خلال أعمال الترجمة من قبل العلماء، كما تُعد الهند موطنًا للعديد من المخطوطات النادرة ذات الأصول العربية، ويشرفنا أن نمتلك نسخة من القرآن الكريم تعود إلى القرن السابع الميلادي، تُنسب إلى الخليفة الرابع وصهر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، علي بن أبي طالب، وهي محفوظة حاليًا في مكتبة رضا في مدينة رامبور في الهند.

اقرأ أيضًا: الهند والمملكة العربية السعودية: 78 عامًا من الصداقة بعد الاستقلال

واحتفالًا بهذا التواصل المميز، نُظمت مؤخرًا في الرياض ندوة مشتركة حول "الوثائق العربية في الأرشيفات الهندية" من قِبل الأرشيف الوطني الهندي ومؤسسة الدارة بالمملكة العربية السعودية.

وأخيرًا، أود أن أقوم بتسليط الضوء على أنه في ظل رؤية 2030م، تشهد المملكة تحولًا ملحوظًا، لا سيما في مجالات الثقافة والترفيه والسياحة، وتتطلع الهند إلى التعاون العملي واسع النطاق مع المملكة العربية السعودية في هذه القطاعات.

*سفير الهند لدى المملكة العربية السعودية.

(نشر المقال أولاً في صحيفة "الرياض")