عندما أنقذ سردار باتيل ضريح نظام الدين أولياء

31-10-2025  آخر تحديث   | 31-10-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | Saquib Salim 
عندما أنقذ سردار باتيل ضريح نظام الدين أولياء
عندما أنقذ سردار باتيل ضريح نظام الدين أولياء

 


ثاقب سليم*

قال سردارباتيل لسكرتيره فيشنو شانكر عام 1947م، في وقتٍ كانت فيه حدة النزعة الطائفية تبلغ ذروتها بسبب التقسيم: "لنذهب إلى الوليّ الصالح، نظام الدين أولياء، قبل أن نُغضِبه".

ويعتقد كثير من الناس أن باتيل كان معاديًا للمسلمين، من غير أن يُكلِّفوا أنفسهم عناء البحث في شخصيته أو قراءة تاريخه، أي أنهم بنوا حكمهم عليه على أساس الانطباع العام لا المعرفة. وكان سردار مدركًا تمامًا لما يتداوله الناس عنه، فقال في كلمة ألقاها بمدينة لكناو عام 1948م: "أنا صديقٌ صادق للمسلمين، وإن كنت قد وُصفت بأنني أكبر أعدائهم. وأنا أؤمن بالحديث الصريح، ولا أعرف كيف أُجمِّل الكلام أو أُخفي الحقائق".

واختلف باتيل في واقعه عن الصورة الذهنية التي كوّنها الناس عنه، وأثبت من خلال سلوكه العملي التزامه بالمبادئ العلمانية للدولة الهندية الحديثة. فبحسب ما يرويه سكرتيره شانكر، كان باتيل يؤمن بأنّ الهند لا تقوم إلا على قاعدة علمانية تضمن المساواة بين جميع مكوّناتها، وأنّ الأغلبية الهندوسية تتحمّل مسؤولية الاستجابة العقلانية لهواجس الأقلية المسلمة. وقد تجلّى هذا الموقف في مبادرته التي ألهمت الأقليات إلى التنازل الطوعي عن فكرة تخصيص المقاعد في البرلمان، مما أسّس عمليًا لدستورٍ ديمقراطيّ علمانيّ شامل. كما أظهر حزمًا متكافئًا في مواجهة التطرّف، سواء صدر عن جماعات هندوسية مثل المهاسبها والـR.S.S.، أو عن جماعات إسلامية متشدّدة، مما يعكس عدله واتزانه السياسي.

وكانت الهند التي حلم باتيل ملاذًا آمنًا للهندوسي الوفي، والمسلم الوفي، والمسيحي الوفي، والسيخي الوفي، لكنها لم تكن لتتسع لأولئك الذين ينخرطون في أعمالٍ خيانية أو يروّجون لأفكارٍ مناهضة للوطن، سواء أكانوا من الهندوس أم المسلمين أم المسيحيين.

وفيما يخصّ التعيينات والمناصب والخدمات العامة، أستطيع أن أؤكّد —كما يقول شانكر— أنه كان يجعل الكفاءة والأقدمية معيارين أساسيين، دون أيّ اعتباراتٍ طائفيةٍ أو إقليمية. كما كان شديد الحساسية تجاه العدالة الإدارية، فلا يتردد في إعادة النظر في القرارات السابقة إذا لمس فيها ظلماً، أيًّا كانت الجهة المتضرّرة. وتدلّ مواقفه في معالجة قضايا الولايات الأميرية مثل رامبور وبُهوبال، وتعاطيه المتزن مع نظام حيدرآبادي المتمرّد، على أنه كان يؤمن بالإنصاف لا بالتحيّز، وبالدولة القومية الحديثة لا بالدولة الطائفية.

وكان رجلَ أفعالٍ لا أقوال، وقد أثبت علمانيته بالفعل والموقف. ففي عام 1947م، كانت البلاد على حافة حربٍ أهلية، وكان الهندوس والمسلمون متعطشين لدماء بعضهم بعضًا. وفي دلهي اضطر آلاف المسلمين إلى مغادرة منازلهم تحت وطأة العنف. وفي تلك الأثناء، جاء القيّم على ضريح نظام الدين إليه وأخبره بأنّ الضريح يتعرض لتهديدٍ من الغوغاء رغم أنه مأوى لآلاف الناجين من الفتنة.

ولم يُصدرباتيل، وزير الداخلية في الهند آنذاك، أيَّ أمرٍ إلى أحد الضباط بالذهاب إلى نظام الدين، بل بادر بنفسه. يروي شانكر قائلاً: "لفَّ سردار شاله حول عنقه وقال: "لنذهب إلى الوليّ الصالح، نظام الدين أولياء، قبل أن نُغضِبه". اتخذنا التدابير الأمنية اللازمة، وتوجّهنا إلى المكان في هدوءٍ تام ودون أي مظاهر لافتة. قضى سردار قرابة خمسٍ وأربعين دقيقة في أرجاء الضريح، طاف بالمقام الشريف في جوٍّ من الخشوع والإجلال، وتفقّد أحوال المقيمين فيه مستفسرًا عن أوضاعهم. وبعد ذلك، غادر المكان بعدما أتمّ ترتيباتٍ تضمن حمايته وسلامته. وقد وجّه أوامر صارمة إلى ضابط الشرطة المسؤول عن المنطقة، محذّرًا إياه بالعزل إن وقع أي اعتداء على الضريح، ومؤكدًا عليه أن يُبلغه فورًا عند ظهور أي بوادر خطر. وإني على يقينٍ بأنّ تلك الزيارة كانت العامل الحاسم في إنقاذ الضريح، ومعه آلاف المسلمين الذين احتموا بجواره من كارثةٍ محقّقة".

وقام باتيل بجولاتٍ ميدانية في شرق البنجاب —المنطقة التي كانت الأكثر اشتعالًا بالعنف الطائفي بعد التقسيم— ليتأكد بنفسه من حماية المسلمين وضمان أمنهم. وقد كانت زيارته إلى باتيالا نقطة تحول، إذ دفعت الحاكم المحلي إلى اتخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ لحماية المسلمين في مالركوتلا. وقد تكرّر مثل هذا الموقف في مناطق عدّة أخرى.

وقام باتيل بجولاتٍ ميدانية في عددٍ من المناطق التي اجتاحتها الاضطرابات الطائفية، مناشدًا الناس الكفّ عن العنف وترك نزعات الانتقام. وفي مهرولي، وقف أمام جمعٍ كبير من الهندوس مخاطبًا إيّاهم بقوله: "لقد كان يقيم في هذا المكان عددٌ كبير من المسلمين، غير أنّهم اضطروا إلى الرحيل. والمشهد نفسه يتكرر في دلهي، عاصمة الهند، وهذا أمرٌ يدعو للأسف. وإنّ ما تشهده البلاد من اظطرابات طائفيّة أضرّ بسمعة الهند في الخارج، وأتاح للغرب أن يشكّك في قدرتنا على إدارة شؤون وطننا بأنفسنا".

وخلال زيارته إلى مومباي لوقف أعمال العنف، قال أمام حشد: "لقد سمعنا بعض الأصوات تنادي بطرد المسلمين من الهند، وإنّ من يرددون مثل هذا القول قد استبدّ بهم جنون الغضب. فالمجنون الحقيقي أهون شأنًا من إنسانٍ أعماه الغضب وأفقده رشده".

اقرأ أيضًا: سردار باتيل .. الرؤية التي وحّدت الهند وصاغت هويتها الحديثة

وحين وصل إليه خبرُ أعمال العنف التي استهدفت المسلمين في  منطقة ألور، والتي جرت بتواطؤ حاكم تلك الولاية الأميرية، لم يتردد في التوجّه إليها بنفسه. ووجه خطابه إلى الحاكم، أمام الملأ، قائلًا: "وعلى الجماعة الأغلبية أن تتولّى حماية الأقلية، إذ إنّ مصالح الأقلية، إن صحّ القول، أمانةً علينا. فعدد المسلمين، في نهاية المطاف، لا يتجاوز أربعين مليونًا، في حين يبلغ عدد الهندوس نحو ثلاثمئة مليون، ومن ثمّ فإنّ من واجبهم أن يحموا المسلمين في الهند ويكفلوا لهم الأمان".

قصص مقترحة