عاطر خان
تم تفكيك الشبكات الإرهابية في بهاولبور، وموريدكي، وسيالكوت من خلال تنفيذ الهند عملية "سندور". وقد ظلت هذه المواقع، المعروفة منذ فترة طويلة بأنها مراكز للنشاط المتطرف، أهدافًا مشروعة للهند عقب الهجوم الإرهابي المروّع في باهالجام.
وكان رد الهند سريعًا ودقيقًا، ومستندًا إلى مبدأ استراتيجي متماسك. ويرتكز هذا المبدأ، الذي صاغه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، على ثلاثة مبادئ رئيسة؛ رد سريع وحاسم على أي هجوم إرهابي على الأراضي الهندية، وإنهاء الابتزاز النووي، والاستهداف العشوائي للإرهابيين وداعميهم، حتى عبر الحدود.
وجدّد رئيس الوزراء مودي، في خطابه المتلفز إلى الأمة، تأكيده أن "هذا ليس عصر الحروب"، ولكنه أيضًا "لا يمكن أن يكون عصر الإرهاب". وقد لخّص تصريحه "لا يمكن أن يجري الدم والماء معًا"، التحول في نهج الهند تجاه التهديدات العابرة للحدود.
ولم يكن قرار الهند تنفيذ ضربات على بهاولبور وموريدكي وسيالكوت قرارًا ذكيًا من الناحية التكتيكية فحسب، بل لاقى صدى واسعًا لدى المجتمع الدولي. فالدول التي تكافح الإرهاب وجدت في تحرك الهند موقفًا مفهومًا ومبررًا. وفي كثير من النواحي، يعكس هذا القرار الإجراءات التي اتخذتها إيران ضد التهديدات الإرهابية المتمركزة في باكستان، وضربات السعودية على الحوثيين، وعملية الولايات المتحدة التي أسفرت عن القضاء على أسامة بن لادن داخل الأراضي الباكستانية.
ومن خلال التوغل عميقًا في البر الرئيس واستهدافها لهذه المعاقل الإرهابية المحمية منذ زمن بعيد، حطمت الهند وهْم الإفلات من العقاب. وكان للقيادة، سواء السياسية أو الاستراتيجية، دور محوري في هذه العملية؛ حيث وضع مستشار الأمن القومي أجيت دوفال الخطة، وأعطى رئيس الوزراء مودي موافقته على تنفيذها، واصفًا المؤسسات المستهدفة بأنها "جامعات الإرهاب العالمية".
في حين كانت باكستان تتوقع مواجهة عسكرية تقليدية على طول الحدود، استخدمت الهند أسلوب التضليل العملياتي وفاجأتها بشكل غير متوقع.
وفي ليلة السادس من مايو، نفّذت الهند ضربات دقيقة أسفرت عن القضاء على أكثر من 100 مسلح. ولم تُوجّه هذه الهجمات نحو البنية التحتية المدنية أو العسكرية العامة، لتجنب التصعيد غير الضروري، بل اقتصرت على منشآت إرهابية معترف بها دوليًا، وردت أسماء العديد منها في تقارير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ولطالما ارتبطت بهاولبور، وموريدكي، وسيالكوت بجماعات مثل "لشكر طيبة"، و"جيش محمد"، و"حزب المجاهدين" — وجميعها مدرجة على قوائم الحظر بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي. فعلى سبيل المثال، يُعد مجمع موريدكي المقر الرئيس لـ"لشكر طيبة"، ويرتبط بأسامة بن لادن والهجمات الإرهابية التي شهدتها مومباي عام 2008م. ويمتد هذا المجمع على مساحة 82 فدانًا، ويضم مدرسة دينية، ومرافق سكنية، ومناطق تجارية، وساحات تدريب، وحتى مزرعة أسماك — ويُزعم أن جميع هذه المنشآت أعيد استخدامها لأغراض التطرف والتدريب العسكري.
وأكدت العديد من التحقيقات ولوائح الاتهام أن جذور الهجمات الإرهابية على الأراضي الهندية تعود إلى هذه المواقع، مما يثبت دورها في دعم الإرهاب العابر للحدود.
لذا، كان رد الهند مسألة دفاع عن النفس وسابقة عالمية في الوقت ذاته. وقد بيّن أن الدولة ذات السيادة لا تملك فقط الحق، بل لديها الالتزام بتفكيك البنى التحتية الإرهابية عندما تمتنع الدولة المضيفة عن اتخاذ أي إجراء.
وردًا على ذلك، صعّدت باكستان الصراع من خلال شن هجمات بطائرات مسيّرة استهدفت البنية التحتية المدنية، حيث طالت الهجمات المدارس والمؤسسات الدينية والأماكن العامة من سريناغار إلى بوج. وقد دفع هذا التصعيد الهند إلى تكثيف عملياتها على ثلاث مراحل: تفكيك معاقل الإرهاب؛ واستهداف مراكز حضرية مثل لاهور؛ وتحييد القواعد الجوية الاستراتيجية. وقد كان للأثر النفسي والعسكري على باكستان وقع كبير.
ومع ذلك، رغم تصاعد التوترات، مارست الهند قدرًا كبيرًا من ضبط النفس، ولم يتطور الوضع إلى صراع طويل الأمد. وفي نهاية المطاف، أُعيد تثبيت وقف إطلاق النار، بعد أن حققت الهند أهدافها الاستراتيجية الرئيسة.ولا تزال الهند تحتفظ بأوراق ضغط دبلوماسية مهمة — مثل معاهدة مياه السند والاتفاقيات الدولية للطيران — لمواصلة الضغط على إسلام آباد.
اقرأ أيضًا: رئيس الوزراء مودي: "محادثات مع باكستان ستركز فقط على الإرهاب وكشمير التي تحتلها"
وتعكس هذه الحملة عقيدة أمن قومي ناضجة ومتوازنة، تقوم على إعطاء الأولوية لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد التهديدات المشروعة، مع الحفاظ في الوقت ذاته على المصداقية الدبلوماسية والاستقرار الاقتصادي. والرسالة واضحة لا لبس فيها؛ سيتم التصدي للإرهاب بعزيمة لا تتزعزع، ولكن رد الهند سيكون مشروعًا ودقيقًا وواضحًا من الناحية الاستراتيجية.