لماذا لن تُعيد الهند الشيخة حسينة إلى بنغلاديش؟

19-11-2025  آخر تحديث   | 19-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
لماذا لن تُعيد الهند الشيخة حسينة إلى بنغلاديش؟
لماذا لن تُعيد الهند الشيخة حسينة إلى بنغلاديش؟

 


كينغشوك تشاترجي*

أصدرت محكمة في بنغلاديش حكمًاغيابيًا بالإعدام بحق رئيسة وزراء بنغلاديش المخلوعة الشيخة حسينة بعد إدانتها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، أدّت إلى مقتل نحو 1,400 متظاهر، على خلفية الحملة الأمنية الدامية ضد الانتفاضة الطلابية التي أطاحتها في أغسطس 2024م. ومنذ صدور الحكم، سارعت الجهات الرسمية في بنغلاديش إلى مطالبة الهند بتسليم حسينة، واصفة إيّاها بـ"مُدانة في جرائم حرب".

وفي المقابل، ترفض حسينة—التي تعيش في منفى اختياري في نيودلهي—هذه الأحكام، واصفةً إياها بأنها "متحيزة ودوافعها سياسية "، معتبرة أن المحاكمة تُوظَّف في إطار صراع سياسي واسع داخل البلاد. وقالت في بيان "إن الأحكام الصادرة في حقي أصدرتها محكمة غير قانونية، عينتها وترأستها حكومة غير منتخبة من دون تفويض ديمقراطي".

وأُطيحت الشيخة حسينة من السلطة في أغسطس 2024م، بعد أن كانت أطول من شغل المنصب بانتخاب ديمقراطي لمدة 15 عامًا متواصلة. ورغم انتخابها الشعبي، اكتسبت سمعة "المستبدّة المنتخبة" بسبب سياساتها التي وُصفت بأنها تقوّض ركائز الديمقراطية في البلاد.

وبدأت نهاية حكمها حين أمرت حكومتها بتنفيذ حملة قمع قاسية ضد الطلاب المحتجّين، الذين ثار غضبهم بسبب محاولتها حجز وظائف حكومية لأبناء مقاتلي حرب الاستقلال عام 1971م. وقد رأى كثيرون في هذا الإجراء محاولةً لمنح امتيازات مباشرة لأنصار حزبها رابطة عوامي (عوامي ليغ).

وعلى مدى ما يقرب من نصف عقد، تحوّلت شوارع دكا إلى مرآة تعكس التحوّلات العميقة في المزاج السياسي العام، إذ كان تراكم الغضب الشعبي يشير بوضوح إلى تآكل الثقة في حكم الشيخة حسينة. ومع شروعها في ولايتها الرابعة، بدا أن شرعيتها السياسية تواجه اختبارًا حادًا، إذ ترسّخ في الوعي العام أنّ آخر انتخابين—اللذين قاطعتهما المعارضة الرئيسة "الحزب الوطني البنغلاديشي"، لم يكونا سوى عملية انتخابية شكلية تفتقر إلى المعايير الجوهرية للشفافية والتمثيل الحقيقي.

وانتشرت في أنحاء بنغلاديش روايات عديدة عن التعذيب والممارسات المروّعة التي كانت تنفّذها الشرطة السرّية، فيما اختفى عدد كبير من المعارضين في ظروف غامضة، ما غذّى شعورًا عامًا بالخوف وانعدام الأمان. لكن الشرارة التي فجّرت الموقف جاءت مع تسريب تسجيل صوتي يُنسب إلى الشيخة حسينة وهي تمنح فيه الشرطة إذنًا باستخدام "الأسلحة القاتلة" ضد المتظاهرين الذين كانت تقودهم الحركة الطلابية، وهو القرار الذي انتهى بمقتل نحو 1,400 شخص. وعندها انفجرت موجة الغضب الشعبي وخرجت الاحتجاجات عن السيطرة، ولم تعد الحكومة قادرة على احتوائها. وفي خضمّ الفوضى، تدخّل الجيش وأطاح بحسينة، قبل أن ينقلها على متن طائرة عسكرية إلى الهند.

وطالبت الحكومة الانتقالية في دكا، برئاسة محمد يونس، بتسليم الشيخة حسينة إلى السلطات البنغلاديشية حتى قبل بدء محاكمتها، غير أنّ نيودلهي رفضت آنذاك تلك المطالب، موضحة أن اتفاقيات تسليم المطلوبين تُطبَّق على المدانين قضائيًا وليس على من يواجهون اتهامات ذات طابع سياسي. ومع صدور الحكم القضائي الذي أدان حسينة رسميًا، يبدو أن دكا أصبحت أكثر تشدّدًا في مطالبتها نيودلهي بتسليمها، بعدما تحوّل وضعها القانوني من مجرد متهمة إلى مدانة قضائيًا.

وعلى الرغم من أن الأدلة الظرفية التي قُدِّمت أمام المحكمة بدت للوهلة الأولى مقنعة، مدعومة بشهاداتمسؤولين حكوميين سابقين انقلبوا إلى شهود ضد حسينة، إلا أن القضية لا يمكن الجزم بأنها أُثبتت بشكل قاطع. فهذه الشهادات قد تكون متحيّزة، كما يمكن القول إن التسجيلات التي ظهرت لها وهي تأمر بالقمع ربما أُخذت خارج سياقها.

وإضافةً إلى ذلك، جرى الإخلال بحق حسينة في الدفاع عندما لم يُسمح لها باختيار محامٍ تمثّله، وتولّى الدفاع عنها محامٍ مُعيَّن من المحكمة هو أمير حسين، الذي لميتقدّم بأي شاهد دفاع، في الوقت الذي استند فيه الادعاء إلى 45 شاهدًا. ويمثّل هذا الخلل الجوهري انتهاكًا صريحًا لحق المتهمة في المحاكمة العادلة.

وتبيّن أن نيودلهي كانت صائبة في تقديرها المبكر حين رأت أن الشيخة حسينة لن تُمنح فرصة لمحاكمة عادلة وشفافة تحت إدارة انتقالية غير منتخبةيقودها محمد يونس. وبناءً على ذلك، تجد الهند أنّ لها أساسًا قانونيًا راسخًا لرفض مطالب دكا بتسليم حسينة، مستندة إلى المادة 6(2) التي تستثني الجرائم السياسية من اتفاقيات التسليم، وإلى المادة 8(3) التي تجيز رفض التسليم عند توافر شبهات بغياب حسن النية أو سوء استخدام للإجراءات.

ومع ذلك، قد يكون من الأفضل أن لا تُقدِم نيودلهي على أي مواقف متسرّعة في هذه القضية. فالحكم والعقوبة اللذان أعلنتهما دكا يبدوان أقرب إلى رسائل سياسية منهما إلى إنجاز قضائي متكامل، إذ إنّ مسار المحاكمة، كان يوحي بأن القرار محسوم مسبقًا قبل انتهاء الإجراءات القانونية.

ويبدو أن القضية ضد حسينة صيغت مسبقًا للوصول إلى حكم مُعدّ سلفًا. وتدرك دكا تمام الإدراك أن نيودلهي لن تُقدم على تسليم حسينة، لكن يبدو أن الهدف هو استثمار هذا الرفض لتغذية سردية مفادها بأنها كانت أداة بيد الهند. ومن خلال ممارسة الضغط على نيودلهي، يسعى خصوم حسينة إلى القضاء سياسيًا عليها وعلى حزبها رابطة عوامي بشكل كامل. ويُراد لهذا الضغط أن يعزّز الاتهامات التي تصوّر حسينة بأنها تنازلت عن سيادة بنغلاديش، وعقدت صفقات سياسية أضرت بمكانة البلاد.

ومن الأفضل لنيودلهي أن تواصل رفض مطالب الحكومة الانتقالية في دكا باعتبارها سلطة غير منتخبة وذات توجهات متحيزة، وأن تتعامل بتحفّظ مع أي حكومة مُنتخبة لاحقًا إلى أن يفقد هذا الملف زخمه وتأثيره السياسي بالكامل.

وإلى جانب الاعتبارات الدبلوماسية المباشرة لامتناع نيودلهي عن تسليم الشيخة حسينة، هناك أيضًا اعتبار سياسي أوسع نطاقًا لا يمكن تجاهله. فقد كانت حسينة، على مدى سنوات، أفضل شريك للهند داخل بنغلاديش، ولا سيما في دعمها الحاسم لجهود تجفيف منابع التمرّد في شمال شرق الهند. وبالنسبة لنيودلهي، كانت حسينة حليفة موثوقة في كل الظروف. 

 ويُعدّ الوقوف مع حسينة اختبارًا لوفاء الهند تجاه أحد أهم حلفائها في بنغلاديش، والتخلّي عنها قد يضر بثقة الحلفاء مستقبلًا. ولو كانت حسينة قد حصلت على محاكمة عادلة وواضحة، لكان الموقف مختلفًا تمامًا، ولكانت أمام الهند خيارات أوسع وأقل تعقيدًا.

اقرأ أيضًا: ضبابٌ لا صوت له… هكذا يتسلّل التطرّف

ويقدّمها حكم الإعدام ضحية لغضب الشارع الذي يبحث عن الانتقام أكثر من بحثه عن العدالة. وفي هذا الوضع المتوتر، على نيودلهي أن تثبت على موقفها ولا تتراجع أمام الضغوط.

*أستاذ تاريخ في جامعة كلكتا