بين الصعوبات والإنجازات: قصة سائره بانـو مع أطفال الأحياء الفقيرة

29-09-2025  آخر تحديث   | 29-09-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
بين الصعوبات والإنجازات: قصة سائره بانـو مع أطفال الأحياء الفقيرة
بين الصعوبات والإنجازات: قصة سائره بانـو مع أطفال الأحياء الفقيرة

 


ريتا فرحات موكاند

أسّست سائره بانـو خان، قبل خمسةَ عشرَ عامًا، مدرسةً تعرف اليوم باسم المدرسة الثانوية الوطنية الجديدة، منطلقةً من رؤيةٍ مفادُها أنّ التعليم وحده هو القادر على تغيير مصائر الفئات المحرومة. واليوم تُعدّ هذه المدرسة شاهدًا حيًّا على قوة التعليم في تحويل مسارات الحياة وتبديلها. وتُقيم بانـو في مدينة بيجابور، التاريخية التي أسّسها الكلْيانيّون التشالوكيّون في القرنَيْن العاشر والحادي عشر الميلاديَّيْن بولاية كارناتاكا.

ولم تعرف بانـو يومًا معنى الطول أو الملل؛ فقد كرّست أعوامًا من حياتها للعمل في القسم الإداري لإحدى المؤسّسات التعليمية الخاصة، حتى تقاعدت حديثًا، غير أنّها، أثناء فترة عملها، أسّست مدرسةً أضحَت عاملًا حاسمًا في تغيير حياة أطفال الأحياء الفقيرة المحيطة بمنزلها، وامتد أثرها ليشمل أولياء أمورهم أيضًا.

وتوضح بانـو قائلًا: "إن المنطقة التي أعيش فيها متاخمة للأحياء الفقيرة، وبوصفي مربيةً أدركت أنّ غالبية الأطفال هناك كانوا متسربين من المدارس؛ إذ انخرطوا في أعمال شاقّة كإصلاح السيارات في الورش أو قيادة عربات النقل الصغيرة، أو بيع الزهور والذرة المشوية".

وقد دفعتها رؤيةُ الأطفال وهم يحيون حياةً عابثة، وكثيرًا ما تُفضي إلى أن يقعوا فريسةً لاستغلال المجرمين في أعمال غير مشروعة، إلى أن تفكِّر بجدية في اتخاذ خطوة عملية لصالحهم، فأفصحت عن فكرتها لزوجها، فوجدت منه الدعم والمساندة لتجسيد فكرتها بإنشاء مدرسة.

واستأذنت المدرسة الخاصة التي كانت تعمل بها، لتفادي أي تعارض في المصالح، فوجدت قبولًا وموافقة كاملة منها.

وبدأت بانـو المدرسة في منزلها، في غرفة صغيرة مع معلم واحد وأربعة طلاب في المرحلة الابتدائية. ولم يمض وقت طويل حتى تزايد الإقبال على التسجيل. وعندما توسعت المدرسة، تنازلا عن منزلهما العائلي الكبير لتوفير مساحة أكبر، فأصبحت المدرسة تضم اليوم نحو 200 طالب وتمتد حتى الصف الثاني عشر.

وتقول بحزن: "المشكلة الوحيدة التي أواجهها هي التمويل. لو كانت لدي موارد مالية جيدة، لبنيت لهم مدرسة جميلة. لقد اشتريت قطعة أرض وسجلتها باسم المدرسة الثانوية الوطنية الجديدة، التي تأسست منذ 15 عامًا في عام 2010م، تحت إشراف جمعية التعليم الوطني. وما تبقى الآن هو بناء المدرسة الجديدة على تلك الأرض".

وأضافت: "في البداية حصلت على إذن لفتح المدرسة باللغة الإقليمية الكانادا، وكان معظم الأطفال من الطبقات والقبائل المجدولة والمسلمين في منطقة الأحياء الفقيرة. ومع مرور الوقت لاحظت أن آبائهم يفضلون أن يدرس أطفالهم في مدرسة باللغة الإنجليزية، ويرغبون في التعليم الإنجليزي التقليدي المعروف بـ"كُنونت". ولذلك تقدمت مرة أخرى بطلب للإدارة لتحويل لغة التدريس إلى الإنجليزية. وبدأنا بالمرحلة الابتدائية من الروضة إلى الصف الخامس، ثم توسعنا حتى الصف الثامن، ثم الصف العاشر، فأصبحت المدرسة تغطي الآن جميع المراحل من الروضة إلى الصف العاشر، وهي تلتحق حاليًا بمجلس التعليم الثانوي في ولاية كارناتاكا".

وتقول بانـو إن الطلاب في البداية كانوا صاخبين ومتمردين، متململين ويعانون من ضعف التركيز، ويستخدمون ألفاظًا نابية دون أن يدركوا معناها أو خطورتها، وإن تعليم الأطفال التحدث بأدب دون استخدام ألفاظ نابية استغرق أشهرًا  حتى غرس ذلك في وعيهم، فأصبحوا يدركون استخدام الكلمات غير اللائقة. وكان الأطفال الأكبر سنًا ينبهون الصغار عند استخدامها، وكان هذا أعظم إنجاز لهم.

وأوضحت أنها تحرص على عقد لقاءات منتظمة مع آبائهم لتوعيتهم بضرورة تعليم أبنائهم، مشددة على أنه رغم ما آل إليه وضعهم، فإنه من الواجب ألّا يسلك الأبناء الطريق ذاته. وأكدت أنها تطمح أن يصل طلابهم إلى مناصب رفيعة في حياتهم.

وأعربت عن سرورها لرؤية الأطفال وقد تحلّوا بالانضباط، موضحة أن الطلاب الأكبر سنًا يوجهون الجدد لترك الألفاظ السيئة، وهو ما يبعث في نفسها الفرح والاطمئنان، مشيرة إلى أنها توظف حصص الدراسات الاجتماعية واللغة الإنجليزية لغرس القيم والسلوكيات السليمة.

وروت قصة قائلًا: "التحقت بالمدرسة فتاة تُدعى مصباح ندف، بعد جائحة كوفيد-19. وكانت تعاني من حالة صحية شديدة السوء، إذ بدت في غاية النحافة وتعجز عن الاحتفاظ بأي طعام بسبب القيء المستمر. وزادت معاناة الأسرة بعدما تخلى الأب عنهم، فتولت الأم وحدها رعايتها. وأوضحت الأم أنها قصدت الأطباء وحاولت معالجتها، لكن من دون جدوى".

واستمر قائلًا: "وتم تشخيص حالتها بوجود كيس في جسدها مهدد بالانفجار في أي لحظة، وكان لا بد من إجراء عملية جراحية عاجلة. وأبدى الجرّاح تعاطفًا فخفض تكلفتها إلى خمسين ألف روبية، فتوليت دفع أربعين ألفًا، فيما ساهمت المديرة بعشرة آلاف. وفي صباح العملية رافقناها إلى المستشفى ونحن نشعر بارتياح لإنجازنا، وجلست خارج غرفة العمليات أدعو لها طوال إجرائها. ولحسن الحظ نجحت العملية، وبدأت حالتها تتحسن حتى استعادت صحتها. وهي الآن تتمتع بصحة جيدة، وكلما رأيتها أشعر ببهجة غامرة، فهي تتابع دراستها الجامعية".

وأضافت: "لم تحصل مدرستنا بعد على مكانة مرموقة ولم تتمتع بشهرة واسعة لأنها لا تملك مبنى كبيرًا.  ونحن نعمل في منطقة سكنية، والمبنى يشبه غرف المنزل. ولا توجد أموال كافية لبناء مدرسة جديدة، لذلك أستخدم منزلي العائلي القديم كمقر للمدرسة. لقد انتقلنا إلى منزل جديد وتنازلنا عن منزلنا العائلي القديم المكون من سبع غرف ليُخصص للمدرسة".

وأوضحت "وأدركت أننا نحتاج إلى مختبر ومكتبة جيدة وساحة لعب. واشتريت نصف فدان من الأرض بمدخراتي. ورغم أنني لم أدخر شيئاً لأطفالي، فكرت في أطفال المدرسة. وآمل أن يتبرع المتعاطفون لمساعدتنا في بناء مدرسة جيدة على هذا الموقع الجديد".

وشاركت قصة نجاح أخرى، حيث قالت: "خلال جائحة كوفيد، تخلى أولاد الصف التاسع والعاشر عن الدراسة وبدأوا العمل لمساعدة أسرهم بعد أن فقد آباؤهم وظائفهم. وتحمّل هؤلاء الفتيان عبء المسؤولية المالية، فبدأوا بمزاولة أعمال صغيرة في المنطقة. لاحظت مديرة المدرسة ترددهم وتغيبهم عن الدروس، فأخذتهم إلى أهلهم وقالت: "إذا كانت لديكم مشاكل مالية، فلا تدفعوا الرسوم، لكن دعوا أبنائكم يعودون إلى المدرسة، فالتعليم سيغير حياتهم".

فعاد الأولاد إلى المدرسة وتفوقوا في دراستهم، حيث حصل اثنان منهم على تقدير ممتاز. ولولا المبادرة الإضافية التي اتخذتها المديرة لكانوا قد تركوا التعليم ولم يحققوا شيئًا كبيرًا في حياتهم.

وتفرض المدرسة رسومًا منخفضة تتراوح بين 100 إلى 300 روبية، وأحيانًا تُعفى الطلاب من الدفع، لكن بسبب تقاعد المديرة أصبح تمويل رواتب المعلمين صعبًا. وتواجه المدرسة تحديًا كبيرًا بأن بعض الأهالي يتركون عليها كامل مسؤولية تعليم أبنائهم دون متابعة من جانبهم.

وتضم المدرسة ثمانية معلمين فقط بسبب محدودية الموارد، والمديرة اشترت ثمانية حواسيب لتعزيز مهارات الطلاب الرقمية. وتركز الدروس على تدريس اللغة الإنجليزية والدراسات الاجتماعية مع تشجيع التفكير النقدي والوعي الوطني لتطوير مستقبل الهند.

وأوضحت أنها تعمل على تنشئة الطلاب ليكونوا حساسين اجتماعيًا باحترام جميع الأديان، وتشجعهم على قراءة الكتب المقدسة المختلفة، وتعلّمهم فلسفة فاسودهايفا كوتومباكام، التي تركز على المصلحة الجماعية والتسامح. وتشجعهم على المشاركة في احتفالات ثقافية متنوعة لبناء صداقات، وتحثهم على إحداث تغيير إيجابي في المستقبل.

 وقالت: "في رمضان، نوزع الزكاة على الأهالي على شكل ملابس جديدة ومواد غذائية تكفي العائلات لشهر كامل. وبما أن حوالي 40% من طلابنا أيتام أو مهجورون، أطمح إلى افتتاح دار إقامة لرعايتهم وتلبية احتياجاتهم الضرورية".

اقرأ أيضًا: كهكشان من دلهي تحول عظام الإبل إلى مجوهرات ثمينة

ولها ثلاثة أطفال، ولدان وبنت. تواجه صعوبات كبيرة في حياتها لأن ابنها الأكبر يعاني من إعاقة ذهنية.  وقد تصبح ابنتها ضابطة في الخدمة المدنية بعد نجاحها في امتحان الخدمة العامة، وابنها الآخر يدرس ماجستير إدارة الأعمال.

وقالت مبتسمة: "حلمي أن يصبح أربعة من طلاب مدرستي ضباطًا في الخدمة المدنية، وأعتقد أن ابنتي ستكون واحدة منهم قريبًا".