بالاب باتاتشاريا*
في العاشر من يوليو، شهد قطاع الرعاية الصحية في شمال شرق الهند محطة بارزة، حيث افتتح الدكتور برویز عبيد المستشفى المحوري السابع التابع لـ"إي آر سي لرعاية العيون" (ERC Eye Care) في أبهايابوري، بمنطقة بونغايغاون في ولاية آسام.
ولا تمثل هذه المناسبة مجرد افتتاح مستشفى آخر، بل تُجسّد رؤية تحويلية لرائد اجتماعي اختار البقاء في وطنه بدلاً من السعي وراء الفرص المغرية في المدن الكبرى.
وتبدأ قصة الدكتور برویز عبيد في مدينة جوراهات بولاية آسام، حيث قرّر بعد إتمام تخصصه في طب العيون من كلية الطب في غواهاتي عام 2007م، أن يكرّس حياته لتغيير حياة الآخرين.
بينما توجّه زملاؤه إلى المدن الكبرى بحثًا عن عروض مغرية، اختار الدكتور عبيد البقاء في ولاية آسام لخدمة أبناء منطقته. وقد استند قراره هذا إلى فهمه العميق للتحديات التي يواجهها قطاع الرعاية الصحية في شمال شرق الهند.
وبدأت رحلته الريادية في يونيو عام 2011م، عندما أسّس مركزERC لعلاج العيون في مطبخ مُحوَّل، بمبلغ لا يتجاوز 400 ألف روبية اقترضها من والدته.
وما بدأ كمهمة فردية، تحوّل اليوم إلى شبكة رعاية عيون "فيجيتال" تمتد عبر شمال شرق الهند، وتضم 267 موظفًا بدوام كامل و190 موظفًا بدوام جزئي.
فيُعالج مشروع الدكتور عبيد فجوةً حرجةً في مجال الرعاية الصحية في شمال شرق الهند، حيث تُشير الإحصائيات إلى صورةٍ مُقلقة.
وتبلغ نسبة انتشار العمى في ولاية آسام 3.03%، مقارنةً بالمعدل الوطني البالغ 1.99%، ويُقدّر أن 92% من حالات العمى فيها يمكن الوقاية منها. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يعاني 18.8% من سكان آسام من ضعف في البصر نتيجة الإصابة بالمياه البيضاء، ما يجعلها من أكثر المناطق تضررًا في البلاد.
وتُعدّ الطرق الرديئة والتضاريس الوعرة، ونقص المعلومات، وتدني الحالة الصحية العامة، وغياب المرافقين من أبرز العوائق التي تحدّ من إمكانية الوصول إلى خدمات رعاية العيون في هذه المنطقة.
ومع وجود 0.6 فقط من أطباء العيون لكل 100,000 نسمة في ولاية آسام، يعكس هذا المعدل اختلالًا كبيرًا في البنية التحتية الصحية ونقصًا حادًا في الكوادر الطبية المتخصصة.
وتكمن عبقرية الدكتور عبيد الريادية في ابتكاره لنموذج عمل مبتكر والذي يتعامل بفعالية مع ثلاث من أكبر التحديات في مجال الرعاية الصحية: القدرة على تحمّل التكاليف، وسهولة الوصول، وتوفّر الخدمات.ويُدار هذا النموذج من خلال:مستشفيات محورية، وهي مراكز رئيسة مجهّزة بإمكانات جراحية وتشخيصية متقدمة، وتعمل كنقاط مركزية لتقديم الرعاية المتخصصة. وتشمل هذه المستشفيات المراكز التالية:سيفاساغار (2015)؛ وناغاون؛ وسيلشار؛ وغواهاتي؛ وتيزبور؛ وبوكو (المستشفى السادس، يناير 2025)؛ وأخيرًا أبهايابوري (المستشفى السابع، يوليو 2025).
وإن تحوّل الدكتور عبيد من طبيب إلى رائد أعمال اجتماعي ناجح يُجسّد فطنة تجارية استثنائية. ويقول: "كنت أقضي كل لياليّ في قراءة كتب ماجستير إدارة الأعمال بحثًا عن خطة عمل مناسبة". واستكمل هذا التعلّم الذاتي لاحقًا بدراسةٍ رسميةٍ في إدارة الأعمال في كلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة ستانفورد (2019-2021).
ونال عمل الدكتور عبيد تقديرًا واسعًا ورفيع المستوى، مما يؤكد تأثيره كصانع تغيير في مجاله. فقد حصل على العديد من الجوائز والتكريمات داخل الهند وخارجها، تقديرًا لجهوده الريادية في قطاع الرعاية الصحية.
وإن رؤية الدكتور عبيد تتجاوز الأرقام، رغم أن الإحصاءات بحد ذاتها مبهرة؛ فقد قدم خدماته لأكثر من 1.1 مليون مريض، ووزّعت 500 ألف نظارة طبية، وأجريت 43,000 عملية جراحية لإزالة المياه البيضاء. وكل رقم من هذه الأرقام يمثل حياة تغيّرت، ورزقًا استُعيد، وأملًا تجدّد.
ويعتمد نهج الدكتور عبيد المستقبلي على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتعلّم الآلي، وإنترنت الأشياء، لتطوير حلول صحية قابلة للتوسّع على نطاق واسع. وتوفّر المنصة الرقمية erclens.comخدمات الاستشارة الطبية عن بُعد، وحجز المواعيد عبر الإنترنت، واختبارات البصر المنزلية، مما يجعل ERC رائدًا في تقديم الرعاية الصحية المدعومة بالتكنولوجيا في الأسواق المحرومة. وتمتد خطط التوسّع في المؤسسة إلى ما بعد حدود الهند، لتشمل جنوب شرق آسيا وإفريقيا، مما يرسّخ مكانة ERC كنموذج عالمي رائد في تقديم الرعاية الصحية بأسعار ميسورة.
ويُعدّ الدكتور برویز عبيد دليلًا حيًا على أن التزام شخص واحد بالخدمة يمكن أن ينير الطريق لملايين الآخرين. ففي عالم غالبًا ما يُقاس فيه النجاح بالثروة الشخصية، اختار الدكتور عبيد معيارًا مختلفًا للنجاح: عدد الأشخاص الذين باتوا قادرين على الرؤية بوضوح، ليحلموا من جديد، ويعملوا بإنتاجية، ويعيشوا بكرامة.
وتُذكّرنا قصة الدكتور عبيد بأن جوهر ريادة الأعمال الحقيقية لا يكمن في صنع "يونيكورنات"، بل في انتشال المجتمعات من رماد التهميش والإهمال، ومساعدتها على النهوض وتحقيق أقصى إمكاناتها.
وفي سجلات الريادة الاجتماعية، سيُسجَّل اسم الدكتور بروفیز عبيد ليس فقط كرجل أعمال ناجح، بل كرجل صاحب رؤية منح البصر لمن حُرموا منه، وغرس الأمل في نفوس اليائسين، مثبتًا أن أعظم الرحلات ليست بالضرورة تلك التي تقطع فيها مسافات بعيدة، بل تلك التي تنفذ عميقًا إلى جوهر ما يهمّ حقًا.
*المدير العام السابق لشرطة ولاية آسام