دانش علي
في الوديان الهادئة والقمم المغطاة بالثلوج في كشمير، يظل صوت واحد يواصل الحفاظ على تقاليد الموسيقى الشعبية الكشميرية، وهو صوت سرور بلبُل، المنشد الشهير للمدائح النبوية، والشاعر، وحامل مشعل الثقافة.
ويقول سرور: "أعتبره نعمة أن أُنشِد في مدح النبي"، مضيفًا: "الأمر ليس مجرد غناء، بل هو عبادة".
ويعد سرور بلبُل، البالغ من العمر الآن 53 عامًا، منشدا يلامس القلوب بإنشاده العذب في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أصبح رمزًا معاصرًا يمزج بين الروحانية العميقة والرسالة الفنية لإحياء التراث الفني الغني في كشمير.
وراء هذا الصوت الشهير، يكمن إرث من الموسيقى والثقافة والتفاني بدأ مع والده، غلام نبي شاه، المعروف شعبيًا بلقب "بُلبُل". وكما كان والده معروفًا في أرجاء كشمير، أصبح سرور اليوم واحدًا من أبرز الأسماء في الساحة الفنية الروحية بالمنطقة.
وُلد سرور بلبُل عام 1969م في منطقة دانجيواشا، رفيع آباد، ونشأ في بيئة موسيقية غنية، إذ كان محاطًا بأجواء الفن منذ نعومة أظافره. فكان والده، غلام نبي شاه المعروف بلقب "بلبُل"، من أبرز المغنين الشعبيين، وقد صدح صوته العذب على المسارح في مختلف أنحاء الهند، ممثلًا الروح الثقافية لجامو وكشمير.
ونال شاه لقب "بلبُل" عام 1966م بعد أداءٍ ساحر في سرينغار أثار إعجاب كبير الوزراء آنذاك، بخشي غلام محمد، الذي لقّبه بهذا الاسم تكريمًا لصوته الشجي الذي شُبِّه بصوت طائر البلبل.
وبدأ سرور رحلته الموسيقية في سن السابعة على يد والده، وتدرّج في تعلّم أصول الموسيقى. ومع مرور الوقت، لم يرث الاسم فحسب، بل ورث أيضًا إرثًا فنيًا عريقًا ومسؤولية ثقافية كبيرة.
وعلى الرغم من أنه تلقّى تدريبه الأولي في الموسيقى الشعبية والكلاسيكية، فإن سرور اختار أن يشق طريقه الخاص في الإنشاد الديني، ليصبح لاحقًا أحد أبرز المنشدين في وادي كشمير، ويحظى بشهرة واسعة وتقدير كبير بين جمهوره.
ولقد أصبح إنشاده في المدائح النبوية عنصرًا أساسيًا في التجمعات الدينية، وليالي رمضان، والمناسبات المجتمعية، حيث لا يكتمل الحدث دون صوته الذي يلامس الأرواح.
ويُجسِّد صوته المعبر الرابط بين الروحاني والوجداني، وينقل مشاعر الأجيال التي لا تموت، ويشجّع الشباب على إعادة اكتشاف الإيمان من خلال الفن.
ولضمان استمرار هذا الإرث، يقود سرور اليوم "أكاديمية بلبُل للفنون الأدائية"، التي أسسها في بلدته رفيع آباد. وتضم الأكاديمية أكثر من 30 طالبًا، العديد منهم من خلفيات ريفية متواضعة، وتُعد واحدة من المؤسسات النادرة التي تُدرّس الموسيقى الكلاسيكية، والصوفية، والروحية الكشميرية.
ويقول سرور: "كل نغمة تحمل تاريخنا... وفي أكاديمية بلبُل، لا نُعلِّم الألحان فقط، بل نُحافظ على هويتنا".
وتنشط "أكاديمية بلبُل للفنون الأدائية" أيضًا في إحياء الآلات الموسيقية التقليدية، وإعادة اكتشاف المؤلفات الموسيقية القديمة، وتوثيق التراث الشفهي لمنطقة كشمير. وتحت إشراف سرور بلبُل، تحولت الأكاديمية إلى ملاذ ثقافي حقيقي لحفظ التراث الموسيقي لكشمير.
ولا يقتصر حضور سرور على الموسيقى فحسب، بل إنه شاعر معروف، وعضو فعال في "مركز رفيع آباد الأدبي". وغالبًا ما تستكشف أشعاره موضوعات الحب والروحانية والأخوة وتتميّز بعمقها الإنساني والوجداني.
وفي عام 1992، تم بث إحدى أشهر قصائده العاطفية، بعنوان "داما آك يتي يمبري مني غبرو"، وهي مرثاة مؤثرة تُجسّد مشاعر الابن تجاه والدته، على قناة "دور دارشان"، ولا تزال هذه القصيدة حاضرة في ذاكرة كثير من المشاهدين حتى اليوم.
وقد نال سرور بلبُل تقديرًا يتجاوز حدود كشمير. ففي عام 2006م مُنح جائزة في ولاية غوجارات من قبل ناريندرا مودي، الذي كان آنذاك كبير وزراء الولاية، وذلك تقديرًا لإسهاماته المتميزة في الموسيقى الروحية والثقافية.
كما حظي سرور بلبُل بشرف الأداء أمام الرئيس الهندي الأسبق الراحل، الدكتور إيه. بي. جيه. عبد الكلام، خلال زيارته إلى كشمير — وهي تجربة وصفها سرور بأنها "لا تُنسى".
وفي زمن تهيمن فيه المحتويات الرقمية السريعة والتأثيرات العالمية على الثقافات المحلية، يظل سرور بلبُل حارسًا أمينًا لروح كشمير الفنية والروحية. إنه يرفض تسليع موهبته أو تحويلها إلى مشروع ربحي، ويواصل عيش حياة متواضعة، مرتبطا بمجتمعه ومخلصًا لجذوره الثقافية.
اقرأ أيضًا: من الحجارة إلى التغيير: قصة وَجَاهَت فاروق بهت الذي يُغيّر مسار شباب كشمير
ويقول سرور: "هدفي هو الخدمة؛ خدمة مجتمعي، وخدمة ثقافتي، وخدمة خالقي".
وكما عبّر أحد تلاميذه: "الأستاذ سرور بلبُل لا يُعلّمنا الموسيقى فحسب، بل يُعلّمنا كيف نعيش حياة ذات معنى".
ففي كل نعتٍ يُنشدُه، وفي كلّ طالبٍ يدرّبه، وفي كلّ شعر يكتبه، يحرص سرور بلبُل على أن تظل أنغام كشمير الروحية وحكمتها الثقافية حيّة نابضة، لا يغشاها النسيان.