دانش علي/ بارامولا
كان وَجَاهَتْ فاروق بَهتْ، الذي شارك يومًا في رمي الحجارة في شوارع كشمير، قد أصبح اليوم رمزًا قويًا للتحول والتغيير. فمن رمي الحجارة في الأزقة الضيقة لمنطقة شيري، إلى تأسيس منصات لتمكين الشباب في مختلف أنحاء الوادي، لا تُعد رحلة بَهتْ مجرد قصة استثنائية، هي بل ثورية.
وُلد وَجَاهَتْ فاروق بَهتْ في أسرة متواضعة في بلدة شيري، الواقعة في منطقة بارامولا شمال كشمير، وكان جزءًا من جيل من الشباب المحبطين الذين جذبتهم دوامة الصراع والفوضى. وأما اليوم، فهو مؤسس مبادرة "أنقِذوا الشباب، أنقِذوا المستقبل " (SYSF)، وهي مبادرة شعبية غيّرت مسار حياة آلاف الشباب الكشميريين من خلال الحوار، والرياضة، والتعليم، وإنهاء التطرف، وبرامج التوعية.وتتمثل رسالته في بناء مستقبل مستدام وسلمي لكشمير.
طفولة في ظلّ الصراع
نشأ وجاهت وسط الاضطرابات السياسية والإغلاقات المتكررة، ويتذكر كيف أصبح رشق الحجارة كل يوم الجمعة طقسًا مراهقًا — تعبيرًا رمزيًا مأساويًا عن الغضب والعجز وبطولة في غير موضعها. ويقول بصراحة: "كنتُ منجذبًا إلى الشارع. كنا نرى في شخصيات مثل أسامة بن لادن أبطالاً. وكنا نعتقد بأن العنف يمنحنا الظهور. وفي حارتي، كان يُهمس بإعجاب عن أولئك الذين يواجهون القوات — وكنتُ واحدًا منهم".
ولكن خلف ذلك الغضب كانت هناك فراغات عميقة صنعتها قلة الفرص، وانعدام الوعي، والإحساس الخانق باليأس. وأثناء دراسته لنيل درجة البكالوريوس في كلية الحكومية ببارامولا، التحق وجهات لفترة وجيزة بـ"فيلق الطلاب العسكريين الوطني (NCC)"، وهي تجربة بدأت تُحدث تحولًا في نظرته إلى العالم.
بداية مرحلة التغيير
كانت زيارة إلى ناغروتا ضمن معسكر لفيلق الطلاب العسكريين الوطني نقطة تحول في حياة وجاهت. ويقول: "ناقشتُ أشخاصًا من ولايات أخرى، وكانوا يصغون إليّ بصبر. وفي تلك اللحظة، زُرعت أول بذرة للتغيير داخلي. قلت لنفسي: ربما العنف ليس اللغة الوحيدة الممكنة".
وجاءت نقطة تحوّل أخرى في عام 2017م خلال فعالية رياضية أُقيمت في بارامولا، حيث التقى بكبير ضباط الشرطة امتياز حسين مير. ويقول: "لم يتصرف كضابط يفرض سلطته، بل تفاعل كمرشد ومعلّم. وذلك اللقاء ترك أثرًا عميقًا في نفسي".
ومدفوعًا بهذه التجارب، قرر وجاهت أن يحقق حلمًا طالما راوده: أن يبني مستقبلًا سلميًا ومشرقًا لشباب كشمير.
تأسيس "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل": رسالة من أجل المهمّشين
في عام 2018م، أطلق وجاهت مبادرة "Save Youth Save Future"، من دون أي دعم مالي، أو صلات سياسية، أو دعم مؤسسي. ويقول: "قال لي الناس إنني مجنون، وإنني أبحث لنفسي عن المتاعب. ولكنني تلقيت أيضًا تشجيعًا من غرباء وأصدقاء على حد سواء".
واستقطب أول حدث رئيس نظمته المبادرة، بعنوان "كشمير الشابة: الحوار من الداخل"، أكثر من 400 مشارك. وكان ذلك حدثًا نادرًا التقت فيه التطلعات والشكاوى الشعبية مع مؤسسات الحوكمة، بمشاركة متحدثين من كل من الإدارة المدنية وجهاز الشرطة. وقد شكّل هذا الحدث بداية لنوع جديد من الحوار داخل وادي كشمير.
ومع مرور الوقت، تطورت مبادرة "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل" إلى منصة حيوية لتفاعل الشباب ومشاركتهم. تبعتها بطولات رياضية، وجلسات توعية بالصحة النفسية، وتبادلات ثقافية، ومبادرات لبناء السلام. وبالنسبة للكثيرين، تحول وجاهت من متظاهر في الشارع إلى مرشد وقائد وقدوة يحتذى بها.
مع تزايد ظهوره العلني، بدأت المخاطر تطارده. ففي عام 2018م، تلقى وجاهت تهديدًا من مدونة مجهولة تُعرف باسم "Kashmir Fight"، اشتهرت باستهداف أصوات الاعتدال والإصلاح.
ويقول: "كنت خائفًا على حياتي". ولكن ضابط الشرطة امتياز قال له شيئًا لا ينساه: "لا يستطيع أحد أن يقتلك إذا لم يكن ذلك مكتوبًا لك". وكانت تلك الكلمات مصدر قوة له.
نحو العالمية: من بولواما إلى بروكسل
في عام 2020م، جذبت مبادرة "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل" انتباه الاتحاد الأوروبي، الذي دعم مبادرة لبناء السلام تهدف إلى إنهاء التطرف من الشباب الكشميريين. وتمكّن وجاهت وفريقه من تنفيذ 69 ورشة عمل في مناطق متأثرة بالنزاع مثل بولواما، وشوبيان، وأننتناغ، وكوبوارا.
وبالشراكة مع جامعة جواهر لال نهرو، نظّمت المبادرة أيضًا برنامج تبادلٍ ثقافي كبير، أتاح لأكثر من 120 طالبًا كشميريًا فرصة التفاعل مع نظرائهم من مختلف أنحاء الهند.
المرأة، والحكمة، والطريق إلى الأمام
وسّع وجاهت نطاق عمل مبادرة "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل" ليشمل قضايا تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين. ففي عام 2020م، أطلقت المنظمة جناحًا نسائيًا بقيادة الناشطة أنيكا نذير. كما بدأت المبادرة بتكريم النساء المتميزات، وتنظيم نقاشات حول المساواة الجندرية، وتوفير منصات آمنة للحوار حول حقوق المرأة وقضاياها.
وبحلول عام 2021م، تعمّقت المبادرة في جهود الإحياء الثقافي والروحي، حيث نظّمت ندوات حول الكشميـرية، والتصوّف، والتقاليد الضائعة في الوادي التي كانت ترسّخ السلام والتعددية. ودُعي إلى هذه الندوات عدد من رجال الدين، والأئمة، والعلماء الصوفيين للمساهمة في إعادة بناء الشعور بالهوية الثقافية المشتركة.
اليوم، رسّخت مبادرة "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل"حضورها في جميع مناطق كشمير. وبفضل مئات المتطوعين المخلصين، والتعاون مع مراكز فكر وطنية ودولية، ومؤسسات أكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، تواصل المبادرة نموّها وتأثيرها.
فإن قصة وجاهت فاروق بهت ليست مجرد حكاية عن الخلاص، بل هي تذكير قوي بما يمكن أن تحققه الإرادة والصمود والرؤية الإنسانية. من شوارع شيري التي مزقتها الصراعات إلى منصات الحوار العالمي حول بناء السلام، تُثبت حياته أن التحول ليس ممكنًا فحسب، بل هو ضرورة لا غنى عنها.
اقرأ أيضًا: رحلة سكينة أختر من سريناغار إلى أن تصبح أول مدربة كريكيت وطنية في الهند
ويقول وجهات متأملًا: "دائمًا ما أقول: لا تسردوا على شباب كشمير حكايات الموت، بل احكوا لهم حكايات الحياة — حكايات عمّا يمكن أن يصبحوا عليه. فذلك هو الطريق الوحيد لكسب السلام".
ومنذ عام 2018م، تمكّنت مبادرة "أنقذوا الشباب، أنقذوا المستقبل" من الوصول إلى أكثر من مئتي ألف شاب وشابة في أنحاء كشمير، مواصلةً مهمّتها الراسخة في تعزيز السلام من خلال الحوار، والتمكين، والانخراط المجتمعي المستدام.