ديبكيشور تشاكرابورتي / كولكاتا
شكّلت أول تجربة لبحر الإسلام مع التعاطف في طفولته مسار حياته. ففي أحد الأيام، رأى امرأة مسنّة تعاني من صعوبة في حمل أمتعتها الثقيلة، فبادر من دون تردّد إلى حملها حتى منزلها.وذلك العمل البسيط من التعاطف أصبح البذرة لما يسميه "إدمانه على الإيثار"، وهو ما يزال قويًا حتى اليوم.
وعلى مرّ السنين، أصبح بحر الإسلام رجلاً يضع الإنسانية فوق أي مكسب شخصي، منخرطًا في خدمة المجتمع بإخلاص وشجاعة. فبعد أن كان مجرد فتى من قرية باليبور في مقاطعة هوغلي، غدا اليوم شخصية مألوفة ومحترمة في أنحاء ولاية غرب البنغال.
استلهامًا من كلمات الدكتور إيه. بي. جيه. عبد الكلام: "الحلم ليس ما تراه في نومك، بل ما يجعلك مستيقظًا"، سعى بحر الإسلام وراء حلمه الأكبر: إنشاء مدرسة ميشان (Mission School). وقد تم تأمين 45 بيغا من الأراضي، بينها بيغا واحدة تبرع بها بحر الإسلام بنفسه، وبدأت أعمال البناء قبل عامين. ومن المتوقع أن تفتح المدرسة أبوابها قريبًا.
وفي عام 2016م، كان بحر الإسلام يدير عملًا ناجحًا في كولكاتا. ومع ذلك، فقد وجد نفسه، إلى جانب حياته المهنية، منجذبًا أكثر فأكثر إلى خدمة المجتمع. فبدأ بتأسيس "منتدى شعب البنغال"، الذي لم يلبث خلال شهرين أن تطوّر إلى "سربوجان جاغرانا جانا كاليان مانش" المعروف شعبيًا باسم "ساجاغ مانش".
ويعزو بحر الإسلام تأسيس المنظمة إلى رؤية الناشط الاجتماعي ورجل الصناعة والشاعر والكاتب المعروف الشيخ أفتاب الدين سركار، ويقول: "لقد كان مصدر الإلهام. فمنذ البداية يتولى رئاسة منظمتنا، وهو أيضًا من منحها اسمها".
وبالنسبة إلى بحر الإسلام، كان الدافع وراء تأسيس"ساجاغ مانش" واضحًا، إذ يقول: "هناك بالفعل العديد من المنظمات الاجتماعية، فلماذا نضيف واحدة أخرى؟ الجواب بسيط: إن معاناة البشر والظلم يخترقان قلوبنا. شعرنا أنه لا بد على الأقل أن نحاول القيام بشيء ما، مهما كان صغيرًا. فبدأنا بمواردنا الخاصة، ولعلّ هذا هو السبب في أن الناس يثقون بنا ويحبوننا اليوم."
غير أن رحلته لم تكن خالية من التحديات. فقد جلبت احتجاجاته الصريحة ضد الظلم تهديدات من بعض السياسيين المحليين، ما اضطره إلى مغادرة هوغلي إلى كولكاتا. لكن، بدعم والده وإصراره، أسس مشروعًا للطباعة وتجليد الكتب، بينما واصل دراسته في مدرسة رام موهان الثانوية حتى المرحلة الثانوية العليا.
لكن نقطة التحول في مسيرة بحر الإسلام كانت تعمّق صلته بالشيخ آفتاب الدين، الذي منحت توجيهاته وإرشاداته لمهمة بحر الإسلام بوصلة واضحة واتجاهًا راسخًا. وسرعان ما انضم إليه آخرون: شقيقته، وأصدقاء الطفولة، وأشخاص آخرون يشاركونه الرؤية نفسها. ومعًا وسّعوا نطاق عمل "ساجاغ مانش". وتحت قيادة بحر الإسلام، وزّع الفريق وجبات الإفطار وملابس الشتاء في منطقة جنغل محل ببروليا، وقدّم المساعدات خلال فترة الإغلاق بسبب جائحة كورونا، وطرق أبواب 300 أسرة لإيصال المستلزمات الأساسية إليها.
وحتى في أعقاب إعصار "أمفان"، حرصوا على أن تتمكن الأسر من الاحتفال بعيد الفطر بكرامة.
ولقد ألهمت جهودهم الكثيرين؛ فتقدّم رجال أعمال ومحسنون لدعمهم. فقد تبرّع الشيخ إكرام الحق من باليبور بمكتب وقاعة مجتمعية، كما قام بشراء عشرة أسطوانات أوكسجين في عام 2021م.
وساهم صديق الطفولة مير سمرات من أحمد آباد، بينما انضم آخرون إلى المبادرة مثل الشيخ إنتاج الحسين بابي، والشيخ مصباح الحق، والشيخ فضل الله، والشيخ صلاح الدين ملك، والشيخ ببلو علي، والشيخ نور محمد، والبروفيسور معين الرحمن، والتربوي ميرزا أنيس الرحمن.
وتبرّع الشيخ فيروز علي بمبلغ مئة ألف روبية لتقديم قروض بلا فائدة، من أجل مساعدة الأسر المتعثّرة على تحقيق الاعتماد على الذات.
وتحت رعاية باهرول، أصبح "ساجاغ مانش" شريان حياة حقيقي. فقد نظموا توزيع الأوكسجين مجانًا خلال الجائحة، وأقاموا معسكرات للتبرع بالدم، وقدموا الدعم التعليمي، وساعدوا في حلّ النزاعات، إلى جانب تنظيم فحوصات صحية شهرية بإشراف ضابطة الصحة المجتمعية أنوارا بروين. كما تكفّل رجل الصناعة الشيخ ألطاف الدين سركار برعاية مجانية في مجال أمراض النساء، في حين تم توفير حصص دراسية خاصة لدعم الطلاب المحرومين.
ويرى بحر الإسلام أن الخدمة الصادقة تنبع من إدراك الحقائق القاسية للمجتمع، لا من مجرد العواطف. ففي فيضانات العام الماضي التي اجتاحت خاناكول وميدنِيبور وهوغلي، قدّم فريقه مساعدات إغاثية قاربت قيمتها مئتي ألف روبية.
وبرغم التزاماته العامة، يبقى بحر الإسلام رجل عائلة؛ فهو الأكبر بين ثلاثة إخوة وأخت واحدة، ويوازن بعناية بين مسؤولياته تجاه زوجته ووالديه وطفليه، محافظًا في الوقت نفسه على القيم والتقاليد الراسخة في بيته.
ويقول إن الانتقاد والمقاومة أمران لا مفر منهما عندما يسعى المرء لمصلحة عامة. ويضيف: "التوقف بسبب المعارضة جُبن. والرد الوحيد على الانتقاد هو العمل". ومع ذلك، فهو يؤمن أيضًا بالمصالحة، ويختار احتضان حتى منتقديه من أجل رسالة الإنسانية الأسمى.
ومسترشدًا بشعار "ساجاغ مانش"، "ارفع يد الإنسانية"، يحمل بحر الإسلام رسالة بسيطة وعميقة في آن: إن ما بين الميلاد والموت من وقت يجب أن يُكرَّس لخدمة الآخرين، لأنه لا يوجد عمل أسمى من خدمة الإنسان.