محمد علي خالد: رمزٌ للوحدة والتفاني والتغيير في الحركة الكشفية

27-11-2025  آخر تحديث   | 27-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
محمد علي خالد
محمد علي خالد

 


 ثانية أنجم/بنغالورو

في عالمٍ يتوق إلى الوحدة وسط الانقسامات، يظلّ صناع التغيير مشاعل نور يشعلون الأمل ويحفّزون العمل. فالكشّافة الشباب، وقادة المجتمعات، والمنظمات الدولية جميعها تتطلع إلى هؤلاء الرؤيويين - أولئك الذين يبنون جسورًا بين الثقافات، ويُمكّنون الشباب، ويحوّلون التحديات إلى فرص للنمو. وإنهم يبحثون عن نماذج يحتذى بها، ينعكس إيثارهم وتفانيهم عبر الحدود، ليصنعوا مستقبلًا أكثر إشراقًا. 

ويجسّد محمد علي خالد، الحائز على وسام الذئب البرونزي، هذا الروح بكل معانيها. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود، شكّل مسيرة الحركة الكشفية وأسهم في توحيد الملايين من خلال دوره القيادي في بهارات سكاوتس آند غايدز، وبناء شراكات عالمية، وقيادة فعاليات كبرى مثل المخيم الكشفي الوطني عام 2017م بمشاركة 26 ألف مشترك، والمخيم الثقافي الدولي عام 2022م بمشاركة 60 ألفًا. 

ومن صياغة خطة الرؤية الاستراتيجية 2013 لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى التوصل إلى توافق بشأن نظام الرسوم العالمية للحركة الكشفية العالمية، قدّم خالد تضحيات كبيرة —غالبًا ما كان يموّل رحلاته بنفسه— وكان معلّمًا وراعيًا لجيل كامل من القادة الشباب. ولقد أصبح منارةً تُرشد كل من يؤمن بأن شعلة فرد واحد يمكن أن تُضيء درب أجيال كاملة.

وفي شوارع بنغالورو المزدحمة، حيث تنبض الهند بروح أمةٍ تتحرك بلا توقف، اكتشف محمد علي خالد لأول مرة شرارة الحركة الكشفية. وكان ذلك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، حين وقف متطوّعًا شابًا وسط زحمة تنظيم المخيم الكشفي الوطني العاشر. وكانت الخيام تنتشر في الأفق مثل رقعة منسوجة، بينما تجمّع آلاف الشباب المتطلعين من مختلف أنحاء الهند تحت راية المغامرة والتعلّم والأخوّة. ولم يكن خالد يعلم أن ذلك الحدث سيشعل داخله نارًا سترافقه طوال حياته - شعلة ستظل متّقدة لأكثر من أربعة عقود، فتغيّر ليس حياته وحده، بل حياة الملايين في الحركة الكشفية حول العالم.

وُلد خالد في عالمٍ كثيرًا ما تتداخل فيه التقاليد مع الحداثة، لكنه جسّد الوعد الكشفي بكل معانيه: أن يبذل قصارى جهده، وأن يساعد الآخرين، وأن يعيش متمسّكًا بواجبه نحو الله والوطن. 

وبدأت رحلته ببساطة، لكنها سرعان ما دفعته إلى مواقع القيادة بفضل إخلاصه وتفانيه. وبحلول عام 1999م، أصبح عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة بهارات سكاوتس آند غايدز في الهند، وهي منظمة يفوق عدد أعضائها اليوم 6.3 ملايين عضو، ما يجعلها الثانية عالميًا بعد إندونيسيا في المنظمة العالمية للحركة الكشفية. ولم يكن صعود خالد مدفوعًا بالطموح الشخصي، بل بإيمانه العميق بقوة الحركة الكشفية في تشكيل عقول الشباب. وكثيرًا ما يردّد: "الكشّاف مرة… كشاف دائمًا"، وهو شعارٌ أرشده إلى تضحياته الشخصية، بما في ذلك تمويل رحلاته الخاصة لمدة 24 عامًا من الخدمة الوطنية.

وعلى المستوى الوطني، كان تأثير خالد عميقًا وفوريًا. وبصفته رئيسًا للجنة الموارد المالية من عام 2003م إلى عام 2009م، ضمن الاستقرار المالي لـمنظمة بهارات سكاوتس آند غايدز، مما سمح للبرامج بالازدهار دون إثقال كاهل المتطوعين. إلا أن دوره كمفوض دولي للكشافة من عام 2011م إلى عام 2017م هو ما أظهر براعته الحقيقية في إحداث التغيير. وخلال هذه الفترة، بنى روابط متينة مع المنظمات الكشفية الوطنية في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ وخارجها. وشهدت شراكات بهارات سكاوتس آند غايدز نموًا هائلاً، ونالت إشادة واسعة باعتبارها "أفضل فترة تواصل" في تاريخها. وحوّلت دبلوماسية خالد المنافسين إلى حلفاء، معززةً بذلك أوجه التعاون التي عززت نطاق الكشافة في منطقة متنوعة، وغالبًا ما كانت منقسمة.

وكان أحد أبرز إنجازاته في عام 2017م، حين قاد تنظيم المخيم الكشفي الوطني السابع عشر. فقد شارك فيه أكثر من 26 ألف مشارك، بينهم كشّافة دوليون، ليصبح أكبر تجمّع كشفي من نوعه في الهند آنذاك. ولم يقتصر دور خالد على إدارة الجوانب اللوجستية، بل أضفى على الحدث ثراءً ثقافيًا، جامعًا بين التقاليد الهندية -مثل الرقصات الفولكلورية واليوغا- وقيم الحركة الكشفية العالمية. وخرج المشاركون ليس فقط بوسام أو شارة، بل بصداقات تدوم مدى الحياة، وبروح جديدة من المواطنة العالمية. وأما الإنجاز الأكثر إثارة للإعجاب، فكان المخيم الثقافي الدولي لعام 2022م في كارناتاكا، الذي صمّمه خالد رغم ظلال جائحة كوفيد-19. واستقطب الحدث أكثر من 60 ألف فتى وفتاة، ليصبح منارة أمل تؤكد مرونة الحركة الكشفية وقدرتها على الصمود. ويقول خالد: "في عالم مزّقته العزلة، بنينا الجسور من خلال القصص المشتركة والضحكات".

وامتدّت رؤية خالد إلى ما هو أبعد من حدود الهند، ليصبح شخصية محورية في الحركة الكشفية إقليميًا وعالميًا. وبدأت علاقته بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ عام 1995م، واستمرت لما يقرب من ثلاثة عقود من الخدمة الدؤوبة. وبصفته نائب رئيس فريق عمل التخطيط الاستراتيجي الإقليمي من 1995 إلى 1998م، ثم رئيس الفريق حتى عام 2001م، قاد خالد إعداد خطة "رؤية 2013" وهي وثيقة استراتيجية ربطت خطط منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالأهداف العالمية، مع التركيز على تمكين الشباب والنمو المستدام. ولم تكن هذه الوثيقة مجرد ورق؛ بل كانت محرّكًا حقيقيًا للتغيير، إذ ساعدت المنظمات الكشفية الوطنية في البلدان محدودة الموارد على توسيع برامجها.

وسطع نجم قيادته بأبهى صوره في المهام الحسّاسة عالية المخاطر. ففي عام 2005م، بوصفه رئيس لجنة القرارات في المؤتمر الكشفي العالمي المنعقد في الحمّامات بتونس، استطاع خالد إدارة نقاشات معقّدة بلباقة وحكمة، ما ضمن تمرير القرارات بسلاسة وقبولها على نطاق واسع. 

وفي العام نفسه، ترأّس اللجنة التنفيذية المستضيفة للندوة الكشفية العالمية الثانية حول الشراكات التي عُقدت في بنغالورو. ومن خلال تعبئة موارد الحكومة المحلية، حوّل خالد الحدث إلى نجاح باهر، ليُولد منه "ميثاق مراكش – نسخة بنغالورو" وقد أصبح هذا الميثاق وثيقةً محورية وركنًا أساسيًا في استراتيجية الاتصال والعلاقات الخارجية للحركة الكشفية العالمية، معزّزًا شراكاتٍ تتجاوز الحدود والأيديولوجيات.

اقرأ أيضًا: رؤية تزَيُّن عمر غيّرت حياة ذوي الإعاقة ومنحت النساء المسلمات قوة وتمكينًا

وقصة خالد هي ثورة هادئة - قصة قائد يحوّل التحديات إلى فرص. ففي عالم يميل إلى الانقسام، يذكّرنا أن الحركة الكشفية ليست مجرد أنشطة، بل قوة خير تصنع قادة يتمتعون بالتعاطف والمسؤولية. ومع استعداده لنيل جائزة الذئب البرونزي، تواصل شعلته إلهام الآخرين، مؤكدة أن تفاني شخص واحد قادر على إنارة الطريق لأجيال قادمة.