ملك أصغر هاشمي/نيودلهي
تُقابَل كلمات مثل الاكتئاب والقلق واضطراب الشخصية في كثير من الأحيان بالسخرية أو الخجل. ففي الهند، ما زال الناس يترددون في الحديث علنًا عن قضايا الصحة النفسية. لكن سحر هاشمي، وهي منسقة أزياء تبلغ من العمر 29 عامًا، لم تكتفِ بالتغلب على مرضها النفسي، بل أصبحت مصدر إلهام وأملٍ للآخرين الذين يعانون في صمت في دلهي.
كانت سحر هاشمي في وقتٍ سابق تعاني من الاكتئاب السريري واضطراب الشخصية، وخلال فترة العلاج شعرت بوحدةٍ عميقة وعجزٍ وعزلةٍ قاسية. غير أن هذه المعاناة ألهمتها لتكرّس جهودها للعمل في مجال التوعية بالصحة النفسية. ,تقول سحر: “اتخذت قرارًا بألا يمرّ أي شخصٍ آخر بتلك الوحدة القاسية. أدركتُ أنني لو وجدتُ أحدًا يتحدث عن مشكلاتي النفسية بصراحة، لربما تعافيتُ بشكل أسرع".
وفي أبريل 2025م، أطلقت سحر هاشمي حملة بعنوان "كسر العار: ميل بعد ميل"، حيث قامت برحلةٍ على دراجةٍ نارية لمسافة 2,779 كيلومترًا من دلهي إلى كشمير. ولم تكن هذه الرحلة مجرد عبورٍ لحدودٍ جغرافية، بل كانت رحلةً وجدانيةً لمواجهة وصمة العار وصمت المجتمع تجاه قضايا الصحة النفسية.
وفي 20 أبريل، انطلقت سحر من دلهي إلى كشمير على دراجة "رويال إنفيلد" برفقة الناشط الاجتماعي ديف ديساي، وانضم إليها لاحقًا كلٌّ من المغنية والناشطة نازنين شيخ من ولاية مهاراشترا، والمخرج سامنيو شوكلا من مادهيا براديش، والطبيب معراج الدين بهت من كشمير. وقام سامنيو ومعراج الدين بتوثيق الرحلة بعدساتهما، وأسفر الفيلم الوثائقي الناتج عنها عن نقل قصة سحر ورسالتها إلى جمهورٍ واسع.
وخلال رحلتها التي استمرت عشرين يومًا، نظّمت سحر أكثر من 30 ورشة تفاعلية في 21 مدينة، من بينها أنانتناغ، بارامولا، وتشانديغار، ودلهي، وجالندهار، وجامو، وكانغرا، وكوبوارا، ولودهيانا، وموكيريان، وروهتاك، وسريناغار، وسوبور، وباتان، لنشر الوعي حول الصحة النفسية وكسر حاجز الصمت الاجتماعي.
وتفاعلت سحر خلال رحلتها مع أكثر من 3500 شاب وطالب وقروي وخبير في الصحة النفسية. ولم تكتفِ بمشاركة تجربتها الشخصية، بل شجّعت المشاركين على الحديث بصراحة عن تجاربهم ومعاناتهم.
وصُممت الورش التفاعلية لتكون منصةً حوارية مفتوحة، تروي فيها سحر قصتها أولًا، ثم تُفسح المجال أمام الآخرين لمشاركة قصصهم. وقد ساعد ذلك المشاركين على فصل الشعور بالعار عن المرض النفسي، وإدراك أن طلب المساعدة ليس ضعفًا، بل خطوة نحو الشفاء.
ولم تخلُ الرحلة من التحديات؛ ففي 20 أبريل أُغلق الطريق السريع بسبب انهيارٍ أرضي في مقاطعة رامبان، وفي 22 أبريل وقع هجومٌ إرهابي في باهالجام، ثم في 2 مايو أُغلق الطريق مجددًا بسبب انهيارٍ آخر. ومع ذلك، لم تثنِ هذه العقبات سحر وفريقها عن مواصلة الطريق؛ إذ أتمّوا رحلتهم عبر راجوري وشوبيان وممرّ بير بنجال.
وحظيت هذه الحملة أيضًا بتفاعل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي. وأشاد آلاف الأشخاص بمبادرة سحر ووصفوا رحلتها بالحركة. وكتب أحد المستخدمين: "إنها لشجاعة أن تشارك معاناتك الشخصية علنًا". بينما قال مستخدم آخر: "هناك فرق واضح بين سحر قبل الرحلة وبعدها. لقد نشرت نورًا جديدًا". وأشاد آلاف الأشخاص بمبادرة سحر ووصفوا رحلتها بالحركة. كما تم الاعتراف بحملة سحر في الكتاب الدولي للأرقام القياسية.
وكشف تحليل أجراه البروفيسور سورجيت داباس، وهو عالم متقاعد من مجلس البحوث العلمية والصناعية، أنه من بين 3500 شخص حضروا ورش العمل، كان حوالي 42.30% منهم من ذوي أحد الأقارب الذين يعانون من مرض نفسي.
وبدأ نشاط سحر وديف ديساي في مجال التوعية النفسية منذ فترة جائحة كوفيد-19، حيث قاما خلال الجائحة بتشكيل فريقٍ مكوّن من 90 طبيبًا نفسيًا ومستشارًا ومعالجًا، قدموا جلسات استشارة مجانية عبر الإنترنت للمحتاجين. وقد توسّع هذا الفريق اليوم ليضم نحو 140 متخصصًا في مجال الصحة النفسية، وتمكّن حتى الآن من مساعدة أكثر من 300 شخص.
واليوم، لم تعد سحر مجرد منسقة أزياء ومتحدثة تحفيزية، بل أصبحت رائدة في مجال التوعية بالصحة النفسية. وهي تدعو إلى إدراج مقررات عن الصحة النفسية في المدارس والجامعات، وتدريب الشباب ليصبحوا مقدّمي "الإسعافات الأولية للصحة النفسية". وتؤمن سحر بأن الصمت تجاه قضايا الصحة النفسية خطر صامت، إذ تقول إن هذا الصمت يمكن أن يأكل المجتمع من الداخل ببطء إذا لم نكسر حاجزه ونتحدث بجرأة ووعي.
اقرأ أيضًا: من دلهي القديمة إلى الهند الحديثة… شيراز خان يطلق حركة لتمكين من لا صوت لهم
وتحمل رحلة سحر رسالة أعمق مفادها أنه حين تكون الإرادة قوية، يمكن أن تتحول المعاناة الشخصية إلى قوة للتغيير الاجتماعي. فحملة "كسر العار: ميل بعد ميل" لم تكن مجرد مبادرة توعوية، بل رمزًا لملايين الأصوات التي كانت صامتة ومكبوتة حتى الآن.
ولقد أثبتت سحر وديف وفريقهما أن موجة من التغيير يمكن أن تنطلق في القرى والمدن الهندية حول قضايا الصحة النفسية، وكل ما يتطلبه الأمر هو صوت واحد شجاع يقول: "أنت لست وحدك".