إعداد: محبوب عالم
يُعد الصحفي الهندي سعود حافظ أحد النماذج المميزة للتعدد الثقافي والتميز المهني في عالم الإعلام الحديث. وُلد في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية لأبوين هنديين استقرا في المملكة قبل أكثر من أربعة عقود، فنشأ في بيئة سعودية، هندي الجذور، عربي اللسان، متعدد المواهب والطموحات. ورغم دراسته الأكاديمية في مجال هندسة البرمجيات، وحصوله على شهادة البكالوريوس في تقنية المعلومات والحوسبة، إضافة إلى الدبلوم في الإعلام الرقمي، فإن ميوله قادته إلى احتراف العمل الإعلامي والصحفي، ليُبدع فيه بجدارة.وصقل موهبته الإعلامية عبر عدد من الدورات الاحترافية المتخصصة في الإعلام من مختلف الدول العربية، ويعمل اليوم مستشارًا إعلاميًا لعدد من الجهات الحكومية والخاصة، جامعًا بين الحس التقني والدقة الصحفية.
ويتقن سعود أربع لغات بطلاقة كتابة وتحدثا، هي: العربية، والإنجليزية، والأردية، والهندية، إلى جانب إلمامه بالفرنسية، مما منحه قدرة استثنائية على العمل في بيئات متعددة الثقافات. وقد انعكست هذه المهارات على حضوره في محافل دولية، كان أبرزها مشاركته ضمن الوفد الإعلامي لولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته إلى الهند عام 2023م، لتغطية قمة مجموعة العشرين. وإلى جانب كل ذلك، يخطّط سعود حافظ لخوض تجربة جديدة في عالم التأليف، حيث عبّر عن رغبته في إصدار كتب تجمع بين الإعلام والتقنية، لتوثيق تجاربه ومشاركة خبراته مع الأجيال القادمة.
كيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟ وما الذي دفعك إلى التخصص فيها؟
لم تكن علاقتي باللغة العربية وليدة صدفة، بل هي رحلة بدأتها منذ نعومة أظافري، حيث غصت في بحورها وأنا لم أتجاوز مرحلة الطفولة. قد يبدو الأمر مستغربًا بعض الشيء، لكن الوالد، -حفظه الله- كان يؤمن إيمانًا راسخًا بأن اللغة العربية ليست مجرد حروف وكلمات، بل هي لغة القرآن الكريم ومفتاح الحضارة والتاريخ الإسلامي. وكان يردّد على مسامعي دائمًا: "يا سعود، إن أردت فهم الناس حق الفهم والوصول إلى شغاف قلوبهم، فعليك إتقان لغتهم".
والحقيقة أن البداية لم تكن ميسرة، كأي طفل يخطو خطواته الأولى في تعلم لغة جديدة. ولكن سبحان من وهب، كان هناك ما يجذبني إليها بقوة. ربما كان الفضول، أو ربما الموسيقى التي تكمن في أحرفها، أو لعلها القصص التي كان الوالد يقرأها لي من كنوز التراث العربي. أتذكر جيدًا كيف كنت أستمتع بتركيب الجمل والكلمات، كأنها لعبة مكعبات، وكلما وفقت في صياغة كلمة صحيحة، شعرت بإنجاز عظيم.
وأما ما دفعني إلى التخصص في هذه اللغة العظيمة، فيعود إلى أسباب عدة. أولًا، اكتشفت أن اللغة العربية بحر عميق، وكلما تعمقت فيه، اكتشفت كنوزًا لا تقدر بثمن. وإنها ليست مجرد قواعد نحوية وصرفية، بل هي فكر وثقافة وأسلوب حياة متكامل. ثانيًا، وبحكم طبيعة عملي في مجال الإعلام، تُعد اللغة هي أداتي الأساسية. فكيف للإعلامي أن يوصل رسالته بوضوح وقوة إذا لم يكن متمكنًا من لغته؟ والإعلامي الناجح هو بالضرورة لغوي متمكن، قادر على صياغة الكلمات واختيار الألفاظ التي تلامس الوجدان وتُحدث الأثر المنشود. ثالثًا، وهذا الأهم في نظري، عندما أدركت كيف أن اللغة العربية قادرة على الوصول إلى أبعد مدى، ليس فقط مع العرب، بل حتى مع أولئك الذين يُقدرون اللغة الجميلة والفكر الأصيل. كانت رغبة قوية تنبع من داخلي بأن أكون جسرًا يربط بين الثقافات، وهذا الجسر لا يمكن أن يُبنى إلا على أساس لغوي متين ومتمكن.
ما العوامل التي ساعدتك على إتقان اللغة العربية بطلاقة رغم أنك من أصول هندية؟
بلا شك، كانت البيئة المحيطة بي هي الحاضنة الأولى والأهم في رحلتي لإتقان اللغة العربية، لا سيما البيئة السعودية التي عشت فيها. لم يقتصر الأمر على مجرد التعلم الأكاديمي، بل كان انغماسًا كاملاً في نسيج المجتمع السعودي، الذي تفاعلت معه في مراحل حياتي المختلفة.
وأتذكر جيدًا كيف بدأت علاقتي الحقيقية باللغة العربية في المدرسة. كانت اللغة هي لغة التعليم والتواصل اليومي بين الطلاب والمعلمين. وكنت أحرص على التحدث بها بطلاقة مع زملائي السعوديين، وأستمع إلى طريقة نطقهم وتركيبهم للجمل. فلم يكن تعلمًا قسريًا، بل كان نابعًا من رغبة في الاندماج والتواصل. وهذه الفترة المبكرة أتاحت لي فرصة لا تقدر بثمن لصقل مهاراتي اللغوية، خاصة في الجانب الشفهي.
وعندما انتقلت إلى الجامعة، ازداد هذا الانغماس. وكانت المحاضرات باللغة العربية الفصحى، والمناقشات مع الأساتذة والزملاء تدور حول قضايا فكرية وثقافية عميقة، مما فرض عليّ مستوى أعلى من التفكير والتحليل باللغة العربية. وهذه التجربة الأكاديمية العميقة أثْرت مفرداتي، وصقلت أسلوبي في الكتابة والتعبير، وجعلتني أكثر قدرة على فهم السياقات اللغوية الدقيقة.
ولم يتوقف الأمر عند حدود التعليم، بل امتد إلى بيئة العمل. ففي مجال الإعلام، أصبحت اللغة العربية هي أداتي الأساسية. سواء كنت أكتب مقالًا، أو خبرًا صحفيًا، أو أجري مقابلات مع المسؤولين، كان عليّ أن أكون متمكنًا تمامًا من اللغة العربية الفصحى. والتفاعل اليومي مع الزملاء السعوديين، الذين يمثّلون خلفيات ثقافية ولغوية متنوعة داخل المملكة، ساهم بشكل كبير في إثراء حصيلتي اللغوية وتعزيز قدرتي على التعبير بأساليب مختلفة تناسب الجمهور المستهدف.
وكل هذه التجارب، بدءًا من الأيام الأولى في المدرسة، مرورًا بالمرحلة الجامعية، وصولًا إلى الاحتراف في بيئة العمل، شكّلت مجتمعة بيئة لغوية ثرية ومحفّزة. وهذا الانغماس المستمر والتفاعل اليومي مع السعوديين هو ما مكّنني من إتقان اللغة العربية بطلاقة، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من هويتي وشخصيتي.
ما التحديات التي واجهتك عند اتخاذك قرار احتراف اللغة العربية كمهنة؟
قرار احتراف اللغة العربية كمهنة لم يكن طريقًا مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات، خاصة وأنا قادم من خلفية لغوية مختلفة. وهذه التحديات صقلتني وجعلتني أقدر هذه اللغة العظيمة أكثر.
وكان التحدي الأكبر يتمثل في دقة التعبير وفروقات المعنى الدقيقة بين الكلمات والمصطلحات. وفي لغة غنية كالعربية، قد تحمل الكلمة الواحدة معاني متعددة بحسب السياق، وقد تختلف درجة دلالتها باختلاف ترتيب الحروف أو التشكيل. وهذا الأمر تطلب مني جهدًا مضاعفًا في فهم النصوص العميقة، والتأكد من استخدام الكلمة المناسبة في مكانها الصحيح، خاصة في مجال الإعلام حيث أي خطأ قد يغير المعنى تمامًا أو يؤثر على مصداقية الرسالة. فلم يكن الأمر مجرد معرفة مفردات، بل فهمًا عميقًا لروح اللغة.
وتُعرف اللغة العربية بجمالياتها وقواعدها الصارمة في النحو والصرف والبلاغة. وهذا الجانب كان يمثّل تحديًا كبيرًا. فإتقان النحو والصرف ليس مجرد حفظ قواعد، بل هو فهم لكيفية بناء الجمل وتراكيبها بشكل صحيح، وهو ما يؤثر مباشرة على وضوح المعنى وجمالية الأسلوب. وأما القواعد البلاغية، فقد كانت رحلة في عالم آخر من التشبيه والاستعارة والكناية، والتي تمنح اللغة قوتها وتأثيرها. والوصول إلى مستوى الاحتراف فيها يتطلب تدريبًا مستمرًا وعينًا فاحصة للجمال اللغوي.
وفي السعودية، كما هو الحال في أي بلد عربي، توجد لهجات محلية متعددة. ورغم أنني كنت أتعرض لها في حياتي اليومية، فإن عملي كإعلامي فرض عليّ ضرورة التحدث والكتابة باللغة العربية الفصحى الموحدة، والتي يفهمها الجميع. وكان التحدي هنا هو الفصل بين اللهجة العامية الدارجة في المحادثات اليومية وبين اللغة الفصحى المطلوبة في المحتوى الإعلامي الرسمي. وتطلب ذلك جهدًا واعيًا للحفاظ على نقاء اللغة الفصحى وتجنب تأثير اللهجات عليها، مع القدرة على فهم هذه اللهجات عند التواصل مع الجمهور.
وإضافة إلى ذلك، في مجال الإعلام، غالبًا ما تكون السرعة والدقة عنصرين حاسمين، وهذا يمثّل تحديًا كبيرًا عند احتراف اللغة. يجب عليّ أن أكون قادرًا على صياغة الأخبار والمقالات أو تقديم التقارير بشكل سريع، وفي نفس الوقت، أن أضمن خلوها من الأخطاء اللغوية والنحوية، وأن يكون التعبير فيها دقيقًا وواضحًا. والعمل تحت الضغط، مع الحفاظ على مستوى عالٍ من جودة اللغة، كان اختبارًا حقيقيًا لقدراتي.
وكل تحدٍ من هذه التحديات كان بمثابة فرصة للنمو والتعلم، وقد عزز من تقديري لهذه اللغة العظيمة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مسيرتي المهنية والشخصية.
ما الذي جذبك إلى مجال الصحافة العربية تحديدًا بدلاً من أي مجال آخر متعلق باللغة العربية؟
في الواقع، لم يكن الانجذاب إلى مجال الصحافة العربية مجرد صدفة، بل كان نتيجة تقاطع شغفي باللغة العربية مع اهتماماتي الأخرى ورؤيتي لدور الإعلام.
والصحافة العربية، بالنسبة إلي، كانت المنبر الأمثل الذي يجمع بين حبي للغة العربية الفصحى ورغبتي العميقة في التواصل الجماهيري. وفي هذا المجال، أجد أن اللغة ليست مجرد أداة للتعبير، بل هي قوة مؤثرة قادرة على تشكيل الرأي العام، ونقل المعرفة، وإحداث التغيير. ولم أكن أرغب في أن أكون مجرد مدرس لغة، أو باحثًا أكاديميًا، بل كنت أطمح إلى أن أستخدم قدرتي اللغوية في إيصال رسائل هادفة وذات معنى إلى شريحة واسعة من الناس. فالصحافة قدّمت لي هذه الفرصة الفريدة.
وما جذبني أيضًا هو الطبيعة الديناميكية والمتغيرة للصحافة. بعكس المجالات الأخرى التي قد تكون أكثر رتابة أو ذات تأثير بطيء، فإن الصحافة العربية تضعك في قلب الأحداث، وتتطلب منك سرعة البديهة والقدرة على التحليل وصياغة المحتوى بشكل يومي. وهذا التحدي المستمر، والفرصة ليكون لك تأثير مباشر وفوري على المجتمع، كان مغريًا جدًا. أن ترى كلماتك وأفكارك تصل إلى آلاف، بل ملايين القراء والمشاهدين، هو شعور لا يضاهيه شيء.
والصحافة لم تعد تقتصر على الورق أو الراديو والتلفاز التقليدي، بل امتدت إلى المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. وهذا التطور فتح لي آفاقًا جديدة لاستخدام مهاراتي التقنية في تقديم المحتوى اللغوي بطرق مبتكرة وجذابة، وتحسين تجربة الجمهور مع المحتوى العربي. وكنت أرى أن هذه نقطة قوة فريدة يمكنني أن أقدمها للمجال.
وأخيرًا، كانت هناك رسالة وهدف أعمق. بصفتي "هندي الهوية سعودي الهوى"، كنت أرى في الصحافة العربية وسيلة لمد الجسور بين الثقافات، وتقديم صورة واقعية ومعمقة عن المنطقة للعالم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، والمساهمة في بناء وعي مجتمعي. والصحافة تمنحك القدرة على أن تكون صوتًا للمهمشين، وعينًا ترصد الحقائق، ولسانًا يعبّر عن آمال وطموحات الناس. وهذا الدور المحوري هو ما جعل الصحافة العربية وجهتي المفضلة.
كيف كانت بدايتك في الصحافة السعودية؟ وما أبرز المحطات في مسيرتك المهنية؟
بدأت رحلتي في الصحافة السعودية من خلال العمل في أحد أهم محطة تلفزيونية، حيث صقلت أساسيات الصياغة الصحفية، كانت أولى محطاتي المهنية الرسمية في قناة تلفزيونية سعودية مرموقة كمحرر أخبار ثم رئيسًا للقسم، وهي فترة مكثفة علّمتني التعامل مع ضغط العمل ودقة التحقق من المصادر وتغطية الفعاليات المحلية. ومع تطور المشهد الإعلامي، تخصصت في الصحافة الرقمية. ثم كانت القفزة النوعية نحو الإعلام التقليدي حيث عملت ولا زلت أعمل ككبير صحفيين ومراسلين، كل هذه المحطات كانت دروسًا قيمة، عزّزت خبرتي وجعلتني أؤمن بأهمية التعلم المستمر والتكيف في عالم الصحافة المتسارع.
ما أصعب المواقف التي واجهتك أثناء عملك كصحفي في الصحافة العربية؟
أصعب المواقف في مسيرتي كصحفي في السعودية تمثلت في تغطية الأزمات الحساسة مع مراعاة مشاعر الجمهور، والتحقق من دقة المعلومات في ظل صعوبة الوصول إلى المصادر، بالإضافة إلى مواجهة ردود الفعل العنيفة والانتقادات الجارحة مع الحفاظ على الموضوعية والحيادية خاصة عبر حسابي على منصة "إكس" قليل من المتابعين والمشاهدين لمحتواي يتحدثون بسلبية هم أولئك الذين لا يفهمون الصحافة بالشكل الصحيح وأيضًا هناك الكثير ممن يشيدون بدوري الذي أقوم به بأكمل وجه. وهذه التحديات صقلت خبرتي وأكدت على أهمية المسؤولية الأخلاقية والمهنية في العمل الصحفي.
كيف ترى مستقبل الصحافة العربية للهنود الذين يدْرسون اللغة العربية في الجامعات الهندية؟
يمتلك خرّيجو اللغة العربية الهنود ميزة تنافسية فريدة؛ فهم لا يتقنون اللغة العربية فحسب، بل يحملون معهم فهمًا عميقًا للثقافة الهندية، وهذا ما يجعلهم جسرًا حيويًا بين الثقافتين. وفي عالم يزداد ترابطًا، هناك حاجة ماسة إلى صحفيين قادرين على نقل الأخبار وتحليل القضايا من منظور متعدد الثقافات، وفهم الفروقات الدقيقة بين المجتمعات. وهذا الدور يمكن أن يكون لهم فيه تفوق كبير، سواء في وسائل الإعلام العربية التي ترغب في فهم الشأن الهندي، أو في وسائل الإعلام الهندية التي تسعى لتغطية العالم العربي.
ومع التحول الرقمي الهائل في الصحافة، تزداد الفرص المتاحة في الصحافة الرقمية، صناعة المحتوى، والإعلام الجديد. وهذا المجال يتطلب مهارات متعددة، ليس فقط في اللغة، بل في استخدام التقنيات الحديثة، تحليل البيانات، وإنتاج المحتوى المرئي والمسموع. والطلاب الهنود الذين يجمعون بين إتقان اللغة العربية والمهارات التقنية، سيكونون في موقع قوة كبير لتقديم محتوى جذاب ومبتكر يتناسب مع متطلبات العصر الرقمي، سواء في منصات التواصل الاجتماعي، البودكاست، أو المواقع الإخبارية التفاعلية.
هل تعتقد بأن وجود صحفيين هنود في الصحافة العربية يمكن أن يسهم في تحسين العلاقات الثقافية والشعبية والدبلوماسية... بين الهند والعالم العربي؟
نعم، بكل تأكيد، أرى أن وجود صحفيين هنود في الصحافة العربية يمكن أن يسهم بشكل كبير ومباشر في تحسين العلاقات الثقافية والشعبية والدبلوماسية بين الهند والعالم العربي لأن هؤلاء الصحفيين يمتلكون موقعًا فريدًا يمكّنهم من أداء أدوار محورية في هذا الصدد.
وحسب فهمي لهذا الجانب أجد أن الصحفي الهندي الذي يتقن اللغة العربية دائمًا يحمل فهمًا عميقًا لثقافتين غنيتين. وهذا الفهم المزدوج يمكّنه من سد الفجوات الثقافية التي قد تنشأ بسبب سوء الفهم أو الصور النمطية. ويمكنهم تقديم روايات أكثر دقة وحيادية عن كلا المنطقتين، وتسليط الضوء على القواسم المشتركة والقيم الإنسانية التي تربط الشعوب. وعلى الصعيد الشعبي، يمكنهم إنتاج محتوى إعلامي (مقالات، تحليلات، برامج وثائقية) يعكس التنوع الثقافي، والتقاليد، وأساليب الحياة في كلتا المنطقتين، مما يعزّز التعاطف المتبادل ويزيل الحواجز النفسية بين الناس. وفهمهم للسياقات الثقافية الدقيقة في كلا الجانبين يمنح تقاريرهم بعدًا إنسانيًا وعمقًا يفتقر إليه أحيانًا الصحفيون من خارج هذه الدوائر الثقافية.
ما المهارات التي يجب أن يطوّرها الطلاب الهنود ليصبحوا صحفيين ناجحين في الإعلام العربي؟
لكي ينجح الطلاب الهنود في مسيرتهم الصحفية ضمن الإعلام العربي، يجب عليهم تطوير مجموعة شاملة من المهارات حيث يتطلب الأمر إتقانًا شاملاً للغة العربية، بما في ذلك الطلاقة في التحدث والكتابة بالفصحى، وفهم دقيق لفروقات المعاني والبلاغة، مع الإلمام باللهجات الرئيسة للتفاعل الفعّال. وكذلك، ينبغي لهم امتلاك أساسيات الصحافة الاحترافية كالبحث والتحقق من المعلومات، وجمع الأخبار والمقابلات، وإتقان أنواع الكتابة الصحفية المختلفة مع الالتزام الصارم بأخلاقيات المهنة. كما تعد المهارات الرقمية والتقنية حاسمة في العصر الحالي، وتشمل الإلمام بمنصات الإعلام الرقمي وإنتاج المحتوى المرئي والمسموع، إضافة إلى فهم أساسيات تحسين محركات البحث والتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي. ولا يقل أهمية الفهم الثقافي والسياسي العميق للعالم العربي، لتقديم تحليل معمق للأحداث والقضايا. وأخيرًا، يجب أن يتمتعوا بـالقدرة على التكيف والعمل تحت الضغط، لإدارة الوقت بكفاءة في بيئة عمل سريعة ومتغيرة. ومن خلال تطوير هذه المهارات المتكاملة، يمكن أن يصبح هؤلاء الصحفيون مؤثرين وأن يساهموا في بناء جسور التواصل بين الهند والعالم العربي وأن يصبحوا ناجحين.
كيف يمكن أن يجد الهنود المهتمون بمجال الصحافة العربية فرص عمل في المؤسسات الإعلامية في الدول العربية؟
الفرص موجودة لكنها تتطلب استعدادًا مكثفًا، ومثابرة في البحث، وتقديم قيمة مضافة تتمثل في مزيج فريد من الكفاءة اللغوية، والمهارات الصحفية الحديثة، والفهم الثقافي العميق للمنطقة.
هل هناك منصات إعلامية عربية تقدّم تدريبات للطلاب الأجانب الراغبين في دخول مجال الصحافة؟
نعم، بالتأكيد هناك العديد من المنصات والمؤسسات الإعلامية العربية التي تقدّم برامج تدريبية للطلاب والأفراد الراغبين في دخول مجال الصحافة، بما في ذلك الأجانب. وهذه البرامج تهدف إلى صقل المهارات الإعلامية واللغوية، وتأهيل المتدربين لسوق العمل.
فعلى سبيل المثال في السعودية لدينا المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) التي أطلقت أكاديميتها مؤخرًا والتي تقدّم برامج تدريبية تهدف إلى تطوير صناعة الإعلام. وعلى سبيل المثال، برنامج "صحفيو المستقبل" الذي يستغرق ستة أشهر ويهدف إلى تخريج صحفيين متميزين. وغالبًا ما تركّز برامجهم على تدريب المقيمين داخل المملكة العربية السعودية في نسختها الأولى، لكنهم قد يوسعون نطاق القبول مستقبلاً.
وأيضًا هناك معهد الجزيرة للإعلام في دولة قطر وغيرها من الكثير من المعاهد والمنصات في مختلف الدول العربية.
ما المجالات الصحفية التي يمكن أن تفتح أبوابًا جديدة أمام الصحفيين الهنود في الإعلام العربي؟
في ظل التطور المتسارع للإعلام العربي، تبرز عدة مجالات صحفية متخصصة كفرص واعدة أمام الصحفيين الهنود، مستفيدين من خلفيتهم الفريدة وقدرتهم على الربط بين الثقافتين. أولاً، تعد الصحافة الاقتصادية والتجارية مجالًا حيويًا نظرًا للنمو الهائل في العلاقات الاقتصادية بين الهند والدول العربية، مما يتطلب صحفيين قادرين على تحليل الاستثمارات والأسواق. ثانيًا، تفتح صحافة التقنية والابتكار أبوابًا واسعة، خاصة مع استثمارات المنطقة المكثفة في هذا القطاع؛ فالخبرة الهندية في التقنية تمنح الصحفيين ميزة فريدة في تغطية أحدث التطورات. ثالثًا، يزداد الطلب على صحافة البيانات والتحقيقات الاستقصائية، حيث يمكن أن يسهم الصحفي الهندي ذو الخلفية التحليلية في استخلاص قصص عميقة من البيانات. رابعًا، تقدم الصحافة الثقافية والاجتماعية، لا سيما تلك التي تركز على الجاليات الهندية الكبيرة، فرصة لتعزيز التفاهم الثقافي عبر تغطية قضايا الجاليات والتبادل الثقافي. خامسًا، مع التركيز على السياحة، يمكن أن تجذب صحافة السياحة والسفر السيّاحَ الهنود والعالميين. وأخيرًا، يوفّر الإعلام المرئي والمسموع (التقديم وإنتاج المحتوى) فرصًا للصحفيين ذوي مهارات التقديم لإنتاج برامج تتناول قضايا مشتركة. وهذه المجالات توفّر آفاقًا واسعة للصحفيين الهنود لتوظيف مهاراتهم اللغوية والثقافية والتقنية في سوق إعلامي عربي يتطلع دائمًا إلى التخصص والابتكار.
كيف يمكن تعزيز التعاون بين الإعلام الهندي والعربي في تبادل الأخبار والمعلومات؟
تُعد المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات قوية لتعزيز التعاون. يمكن للمؤسسات الإعلامية إنشاء حسابات مشتركة أو مبادرات حملات توعية عبر الإنترنت تركز على القواسم المشتركة، وتنشر أخبارًا ومعلومات من الطرف الآخر. وهذا يساعد في الوصول إلى جيل الشباب وتشكيل تصورات إيجابية عن العلاقات الهندية-العربية.
وتعزيز هذا التعاون الإعلامي ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لتعميق التفاهم المتبادل، ودعم العلاقات الدبلوماسية والشعبية، وتصحيح أي مفاهيم خاطئة قد تنشأ نتيجة لغياب المعلومات الدقيقة أو الكافية.
برأيك، هل هناك فجوة بين العربية الفصحى التي تُدرَّس في الجامعات الهندية، والعربية المستخدَمة في الصحافة؟ وكيف يمكن سدّها؟
نعم، توجد فجوة بين العربية الفصحى التي تُدرّس في الجامعات الهندية والعربية المستخدمة فعليًا في الصحافة المعاصرة؛ فالأولى غالبًا ما تركز على القواعد والأدب الكلاسيكي، بينما تميل الثانية إلى التبسيط، والمباشرة، والمصطلحات الحديثة، وقد تتأثر أحيانًا بلهجات أو تراكيب أجنبية. ولسد هذه الفجوة، يجب تحديث المناهج الأكاديمية لتشمل "فصحى الإعلام" والمصطلحات المعاصرة، مع التركيز على أساليب الكتابة الصحفية الموجزة. كما ينبغي تشجيع الطلاب على التعرض المكثف للإعلام العربي الحديث من خلال متابعة القنوات والصحف والبودكاست، وتوفير فرص للتدريب العملي في المؤسسات الإعلامية العربية، وتنظيم ورش عمل متخصصة مع صحفيين محترفين، وتطوير بنوك مصطلحات إعلامية، وحث الطلاب على الممارسة المستمرة للكتابة الصحفية، كلها خطوات أساسية لتقليص هذه الفجوة وتأهيل الصحفيين الهنود بفاعلية لسوق الإعلام العربي.
ما مدى اهتمام وسائل الإعلام العربية بالشؤون الهندية اليوم؟
يشهد الإعلام العربي والسعودي اليوم اهتمامًا متزايدًا وملحوظًا بالشؤون الهندية، مدفوعًا بتعمق العلاقات الثنائية على أصعدة متعددة. ويبرز هذا الاهتمام في تغطية العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية، حيث تُعد الهند شريكًا رئيسًا في الاستثمارات والتبادل التجاري، مما يدفع إلى تغطية الصفقات والتحليلات الاقتصادية. كما ينعكس الاهتمام في التعاون الاستراتيجي والدفاعي المتزايد، الذي يشمل المناورات العسكرية وتبادل الخبرات الأمنية. وبالإضافة إلى ذلك، تُخصص وسائل الإعلام مساحة كبيرة للجاليات الهندية الكبيرة المقيمة في المنطقة، مع التركيز على قضاياها ومساهماتها. ولا يغيب عن التغطية التبادل الثقافي والسياحي بين الجانبين، فضلاً عن متابعة التحول الرقمي والتقني في الهند كقوة عالمية في هذا المجال. وهذا الاهتمام يعكس النظرة إلى الهند كشريك استراتيجي مهم وقوة عالمية صاعدة تستدعي تغطية إعلامية أعمق وأشمل.
كيف ترى دورَ الصحافة العربية في تغطية القضايا الهندية مقارنةً بالسابق؟
شهد دور الصحافة العربية في تغطية القضايا الهندية تحولًا نوعيًا وإيجابيًا كبيرًا مقارنةً بالسابق. فبينما كانت التغطية في الماضي غالبًا ما تقتصر على الأخبار العاجلة أو الكبرى، أو تركز على قضايا الجالية الهندية بشكل أساسي، وأصبحت اليوم أكثر عمقًا، وتنوعًا، واستراتيجية. ولم يعد الأمر مجرد نقل للخبر، بل يمتد إلى التحليل الاقتصادي والسياسي المعمق، وتغطية قطاعات التقنية والابتكار، وتسليط الضوء على التبادلات الثقافية والسياحية. وهذا التطور يعكس النظرة المتنامية للهند كقوة عالمية صاعدة وشريك استراتيجي مهم للمنطقة، وليس مجرد وجهة للعمالة. وهذا الاهتمام المتزايد بالخلفيات الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والاجتماعية في الهند يساهم في بناء فهم أوسع وأكثر شمولاً للعلاقات الثنائية، ويتجاوز التغطية السطحية التي كانت سائدة في العقود الماضية.
برأيك، هل ينبغي لأقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية أن تُدرج الصحافة العربية في مناهجها الدراسية، إلى جانب التركيز على الأدب والترجمة، لتوفير فرص مهنية أوسع للطلاب؟
برأيي، نعم، من الضروري جدًا أن تُدرج الصحافة العربية ضمن مناهج أقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية إلى جانب الأدب والترجمة، وذلك لما في ذلك من أهمية بالغة في توسيع آفاق الطلاب المهنية والمعرفية. فرغم أن التركيز على الأدب والنحو والترجمة يمنح الطالب أساسًا لغويًا قويًا، إلا أنه لا يكفي وحده لمواكبة متطلبات سوق العمل الحديث، خصوصًا في ظل تزايد الحاجة إلى متخصصين قادرين على التعامل مع اللغة العربية في مجالات الإعلام المعاصر. وإدراج الصحافة في المنهج يُكسب الطلاب مهارات عملية، مثل كتابة الأخبار والتقارير والمقالات والتحقيقات، ويعزز قدرتهم على استخدام اللغة العربية في سياقات حية وواقعية، مما يجعلهم أكثر استعدادًا للعمل كمحررين أو مراسلين أو مترجمين إعلاميين في وسائل الإعلام العربية، سواء داخل الهند أو في الدول العربية التي تحتاج إلى كوادر تجمع بين العربية والإنجليزية. كما أن دراسة الصحافة تُسهم في توسيع أفق الطالب الثقافي والمعرفي، إذ تفتح له نافذة على القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة في العالم العربي، مما يُثري وعيه ويمكنه من التفاعل مع النصوص والوقائع بشكل أعمق وأكثر سياقية. ومن جهة أخرى، يتماشى هذا التوجه مع الاتجاهات العالمية الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية، حيث لم تعد الجامعات تكتفي بالدراسة الأدبية والنظرية، بل تسعى إلى دمج مهارات العصر مثل الإعلام الرقمي والصحافة والترجمة السمعية البصرية ضمن البرامج الأكاديمية. ومن هنا، فإن إدخال مقرر خاص مثل "اللغة العربية والإعلام"، إلى جانب توفير تدريبات عملية بالتعاون مع مؤسسات إعلامية عربية، وتنظيم ورش عمل وندوات مع صحافيين محترفين، سيكون خطوة استراتيجية نحو تطوير تعليم العربية في الهند وجعله أكثر مواكبة للواقع ومتطلبات المستقبل.
ما نصيحتك للشباب الهنود الذين يطمحون إلى دخول عالم الصحافة العربية؟
نصيحتي للشباب الهنود الذين يطمحون إلى دخول عالم الصحافة العربية تتركز على أربعة محاور أساسية. أولاً، إتقان اللغة العربية يجب أن يتجاوز حدود الدراسة الأكاديمية ليصبح إتقانًا وظيفيًا يشمل الفصحى المعاصرة، وفهم اللهجات، والقدرة على التعبير بسلاسة ودقة. ثانيًا، لا بد من تطوير مهارات الصحافة الشاملة والحديثة؛ من البحث والتحقق، إلى الكتابة بمختلف أشكالها، وإنتاج المحتوى الرقمي والمرئي والمسموع، مع فهم عميق لأخلاقيات المهنة. ثالثًا، الانغماس الثقافي في العالم العربي أمر بالغ الأهمية؛ فالصحفي ليس مجرد ناقل للخبر بل جسر ثقافي، وهذا يتطلب فهمًا عميقًا للقضايا الاجتماعية والسياسية والتاريخية. وأخيرًا، يجب عليهم بناء شبكة علاقات قوية من خلال التدريب العملي وحضور الفعاليات الإعلامية، وأن يكونوا على دراية دائمة بالفرص في المؤسسات الإعلامية العربية. فإن الجمع بين هذه الجوانب سيفتح لهم أبوابًا واسعة في هذا المجال المثير والحيوي.