يوسف أبو لوز
كان زمن رزيقة الطارش المسرحي زمن الفنانين العصاميين الذين يبدأون من الصفر، ثم لا يلبث هذا الصفر قليلاً من الوقت حتى تكثر الأرقام إلى يساره، وتصبح تاريخاً وذاكرة ثقافية أساسها الثقافة الشعبية، والتراث الشعبي بشكل خاص.
رزيقة الطارش (أم سيف) وأم المسرحيين الإماراتيين بدأت أولاً من بيئتها المحلية التي تعبّر عنها اللهجة الإماراتية أصدق تعبير، ولعلّ أقوى صور هوية هذه الفنانة الإبداعية العتيقة هي صور اللغة المحلية أو اللسان الإماراتي المحلي بكل ما فيه من جماليات إيقاعية شعبية، وبكل ما فيه أيضًا من أصالة ثقافية وتراثية مرتبطة بالمكان وروحه ومفرداته اليومية.
ظهر اسم رزيقة الطارش أوّل ما ظهر وهي في التاسعة من عمرها عبر الإذاعة في نهاية ستينات القرن العشرين حين كان الراديو أيقونة كل بيت عربي، وهي تجربة جريئة لطفلة يبدو أنها منذ ذلك الوقت منذورة للفن بالفطرة، والأهم من ذلك، أنها وجدت في محيطها العائلي ما يشجع على نمو وصقل هذه الفطرة الفنية، وتحويلها إلى شخصية فنية إبداعية رائدة في المحيط الخليجي العربي بشكل خاص.
على مدى سنوات طفولتها، وشبابها، ونضجها الفني والإعلامي بقيت "أم سيف" أمينة للسانها الشعبي الإماراتي في المسرح والدراما والتلفزيون والسينما، ومرة ثانية، لم تكن تنقصها الجرأة ولا الثقافة وهي تتنقل من شكل فني إلى آخر في بيئة خليجية وعربية كانت في السبعينات والثمانينات تدخل مسارات متجددة في المسرح والدراما والإعلام الفني والثقافي.
أصبحت رزيقة الطارش جزءًا من تكوين ذاكرة المجتمع الإماراتي والخليجي والعربي، وبخاصة من خلال أعمال فنية اجتماعية ذات طابع كوميدي وإنساني من مثل "أشحفان"، "طول عمر واشبع طماشة"، "حاير طاير"، وغيرها من أعمال ذات روح وهوية مكانية إماراتية.
لم تقف "أم سيف" عند حدود التمثيل، بل كتبت بنفسها مسلسلات وأعمالاً فنية مرتبطة، مرة ثانية، بروح المكان الإماراتي الخليجي وروحه الشعبية: "ناعمة ونعيمة"، "عتيج وعتيجة"، و"عذاب الضمير".
اقرأ أيضًا: فرح شيخ: صوت نسائي يقود حركة دخول النساء إلى المساجد
هذه السيرة الفنية لسيدة إبداعية بالفطرة هي المعنى النبيل والأخلاقي لكلمة "العصامية" التي طبعت حَيَوات الفنانين الرّواد في ستينات وسبعينات القرن الماضي، قرن الحيوية العربية أيضًا في مجالات المسرح والسينما والإعلام، لكن هذه المرة، الإعلام التلفزيوني والدراما التلفزيونية على حساب تلك الأيقونة القديمة: الراديو أو الإذاعة.
أجيال مسرحية إماراتية ودرامية عديدة مرّت على الذاكرة الأمومية النبيلة رزيقة الطارش وما من فنان إماراتي وخليجي يعرف قيمة التاريخ الثقافي لفن المسرح إلاّ ويسلم على "أم سيف" بعدما تعلم منها معنى حب الفن الذي يقود بالضرورة إلى حب البلاد وأهل البلاد وهم يولدون ويعيشون على لسان واحد، وروح اجتماعية إنسانية واحدة.