يوسف أبو لوز
قرار ثقافي عالمي يرفع رأس الكُتَّاب العرب، أن اعتمدت وزارة التعليم الفرنسي رواية "دفاتر الورَّاق" للكاتب الأردني جلال برجس في منهاج البكالوريا الدولي في الجمهورية الفرنسية قبل أيام قليلة وسط حفاوة ملحوظة بالقرار من جانب مثقفين وشخصيات أدبية عربية وفرنسية في باريس واهتمام من جانب العديد من الصحف الأوروبية ذات الاختصاص الثقافي، فيما وللأسف، جاء خبر اعتماد الرواية في المناهج خجولاً ومتواريًا في بعض الصحف العربية، لا بل البعض من هذه الصحف لم تسمع أصلاً بهذا الإنجاز الثقافي العربي الأول من نوعه في فرنسا، وفي القارة الأوروبية كلّها، وبالطبع لم يكن هذا كله مقصودًا وإنما يعود إلى حالة مهنية لا أكثر.
حدث ثقافي عربي علينا أن نعتز به ونبرزه إعلاميًا نظرًا لأهميته المعنوية الثقافية الدولية حين نرى أن الوزارة الفرنسية لم تختر رواية أوروبية أو فرانكفونية أو رواية مسيّسة وذات مرجعيات نفعية لإدخالها في مناهج الدولة الفرنسية، بل اختارت رواية عربية لكاتب أردني شاب تدور حول موضوع إنساني صرف يتمثل في أصوات وشخصيات الرواية التي تصور حَيَوات هامشية معزولة لأشخاص يعانون العزل الاجتماعي والحياتي في ضوء أصولهم المجتمعية وحالاتهم النفسية المعقدة.
بطل الرواية (إبراهيم) ورّاق فقير يبيع الكتب على الرصيف أو في كشك يتعرّض للهدم أو المصادرة وفوق هذه الشخصية يبني جلال برجس رواية قائمة على أكثر من أساس نفسي وثقافي واجتماعي: التمييز، العذاب، الفصام، الجريمة، أبناء القرى وأبناء المدن، ثم، "الاغتسال"، من كل ذلك بالحب، الحب الذي يأتي هنا لينتصر للحياة ويهزم فكرة الانتحار.
عربيًا وقبل التكريم الفرنسي، فازت الرواية عام 2021م بجائزة "البوكر" العربية ومقرّها في الإمارات في أبوظبي، وقرئت على نطاق عربي واسع وكانت جديرة بفوز "البوكر" العربية، لكن دخولها إلى المناهج التعليمية وبقرار حكومي من وزارة الثقافة الفرنسية يؤكد على قيمتها الفنية والإنسانية كمعيار ثقافي جعل من الرواية مادة أدبية إبداعية لجيل فرنسي شاب يقرأ منذ صغره وينتمي أصلاً إلى نخب عملاقة في فن الرواية وذاكرتها المتأصلة عند القارئ الفرنسي والأوروبي، من فيكتور هيجو إلى جان جنيه..
الحيادية والموضوعية ونظافة القرار الثقافي الفرنسي واضحة كلّها في حيثيات اعتماد "دفاتر الورّاق" لطلبة الثانوية في فرنسا ولنتوقف قليلاً هنا من حيث اللغة ولغة رواية جلال برجس عربية فصحى بلا أي التباسات ثقافية، كما أنه كتب من بيئته ومجتمعه ووجدانه العربي الإنساني الذي التقى أخلاقيًا وروحيًا مع كل وجدان إنساني في العالم.
اقرأ أيضًا: الجامعة الملية الإسلامية – تأسيسها وإسهاماتها في تعليم المسلمين في الهند (1)
في كل الأحوال، شكرًا للتثمين الثقافي الفرنسي، وفي كل الأحوال أيضًا يأتي العرب رقمًا اعتباريًا ثقافيًا له قيمته الأدبية الرفيعة في الذاكرة الفرنسية وهنا، يعتز المثقف العربي بالكاتب اللبناني أمين معلوف الذي اختير لعضوية الأكاديمية الفرنسية وأصبح أمينها العام الدائم في 28 سبتمبر/ أيلول 023، وفي العام نفسه منحت وزارة الثقافة الفرنسية وسام الفنون والآداب الفرنسية (رتبة فارس) للشاعر العراقي شوقي عبد الأمير.
جلال برجس، فارس روائي عربي، ليس بعيدًا هو الآخر عن رتبة فرنسية ثقافية عالية في مُقبل الأيام.