من جذور النضال إلى آفاق التنوير… الجامعة الملية الإسلامية تواصل رحلتها في بناء الإنسان والمجتمع

04-11-2025  آخر تحديث   | 03-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
من جذور النضال إلى آفاق التنوير… الجامعة الملية الإسلامية تواصل رحلتها في بناء الإنسان والمجتمع
من جذور النضال إلى آفاق التنوير… الجامعة الملية الإسلامية تواصل رحلتها في بناء الإنسان والمجتمع

 


مهر فاطمة حسين*

تحتفل الجامعة الملية الإسلامية، هذا العام بمرور 105 سنوات على تأسيسها. وبينما تستحضر الجامعة جذورها الوطنية التي تعود إلى حركة النضال من أجل الحرية، فإنها تواصل اليوم مسيرتها بثبات نحو تقديم تعليم حديث وشامل يعكس قيمها التقدمية ويلبي احتياجات العصر ومتطلباته.

واتخذت الجامعة الملية الإسلامية، منذ تأسيسها، موقفًا واضحًا ضد كل أشكال السيطرة الاستعمارية، لتصبح نموذجًا لـالاعتماد على الذات ومثالًا على القيم الوطنية وروح التعاون المجتمعي، متجسدة في فلسفة "سواديشي"، التي تؤمن بالإنتاج الوطني والاستقلال الفكري، مع حفاظها على انفتاحها على العالم واستيعابها لأفضل ما تقدمه التجارب الإنسانية عالميًا.

وتحظى جهود الجامعة الملية الإسلامية في نشر التعليم الحديث وتعزيز البحث العلمي والتدريب الأكاديمي بتقدير كبير؛ إذ تجمع بين التطور الأكاديمي والثراء الثقافي الذي يتجلى في فعالياتها المتنوعة، ولا سيما في احتفالها السنوي بالمعرض التعليمي، الذي تنظمه سنويًا ضمن احتفالاتها بذكرى تأسيسها، ليعكس روحها الحية وتقاليدها الأكاديمية العريقة.

وتستلهم الجامعة رؤيتها التعليمية من فلسفة التعليم الجديد (نئي تعليم) التي دعا إليها المهاتما غاندي، لتواصل عبر العقود مسيرتها في الارتقاء بالعلم وبناء الإنسان والمجتمع. وتقدّم منظومة تعليمية شاملة تبدأ من مرحلة الحضانة ورياض الأطفال والمدارس، وتمتد إلى مستويات التعليم العالي بما في ذلك البكالوريوس والماجستير والدكتوراه وما بعد الدكتوراه، إضافة إلى برامج البحث العلمي والتدريب، مما يجعلها نموذجًا جامعًا بين التنوير الفكري والرسالة الاجتماعية.      

ويوفّر هذا الإطار الشامل فرصًا تعليمية وبحثية واسعة لطلبة وباحثين من مختلف المراحل العمرية وعلى المستويين الوطني والدولي. ويتميّز نهج الجامعة في التعليم والمعرفة بأنه يركّز على النمو المتكامل للإنسان، فلا يقتصر على تأهيل الأفراد للحصول على الوظائف أو بناء المسارات المهنية، بل يمتد ليغرس فيهم قيم العدالة والمساواة ويسهم في تنمية الإنسان وبناء الوطن وإحداث تحوّلات مجتمعية إيجابية.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تبذل الجامعة جهودًا حثيثة في تطبيق نماذج تمكينية شاملة تراعي التنوع والتحديات الاجتماعية المتداخلة، وتسعى إلى معالجتها من خلال سياسات تعليمية مرنة ومنصفة، تضمن إتاحة الفرص المتكافئة للطلبة المستحقين وتمكينهم من الاندماج الكامل في المنظومة التعليمية والمساهمة بفاعلية في مسيرة التنمية الوطنية والمجتمعية.

وتتبنّى الجامعة نهجًا مؤسسيًا قائمًا على العدالة الاجتماعية والتنوع الثقافي، حيث تعتمد سياسات خاصة لدمج الفئات المهمّشة وضمان التمثيل المتوازن للمسلمين والنساء، إلى جانب الأشخاص ذوي الإعاقة والرياضيين الموهوبين، بما يعكس التزامها العميق ببناء بيئة تعليمية عادلة وتمكينية تُتيح للجميع فرصًا متكافئة للمشاركة والتميّز داخل بيئتها الأكاديمية.

وأما من الناحية الأكاديمية، فتقدّم الجامعة طيفًا واسعًا من البرامج والتخصّصات يغطي مجالات متعددة مثل العلوم الاجتماعية والإنسانية، ودراسات شمال شرق الهند، العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي، واللغات المحلية والأجنبية، ودراسات المرأة، والدراسات الإسلامية، والإعلام، والعلوم الطبيعية، وطب الأسنان، والهندسة، والتكنولوجيا، وتكنولوجيا النانو، وعلوم الطيران، والقانون، والسياحة، والدين، والثقافة، والعلاقات الدولية. وهذه البنية المتنوعة تعكس الطابع التكاملي للحياة العلمية في الجامعة، التي تنمو باستمرار وتعيد تعريف نفسها في ضوء التحولات الفكرية والعلمية والمجتمعية المعاصرة.

وتحافظ الجامعة  على التزامها الصارم بمعايير النزاهة الأكاديمية والتميّز العلمي، وتسعى إلى توسيع أفقها المعرفي من خلال برامج التواصل المجتمعي والمبادرات الخارجية والشراكات الاجتماعية البنّاءة التي تعزز مبدأ التعلم بالممارسة وتربط الدراسة بالواقع العملي. ومن أبرز هذه المبادرات أكاديمية التدريب السكنية، التي توفّر تدريبًا مجانيًا لامتحانات الخدمة المدنية، إلى جانب خدمات السكن والإقامة. وتركّز بشكل خاص على دعم المتقدمات من النساء بهدف إتاحة فرص متكافئة للنجاح في اختبارات الخدمة المدنية. وقد حققت الأكاديمية، على مرّ السنوات، نتائج متميّزة.

ويحظى الطلبة والباحثون بدعمٍ مستمر من خلال المنح الدراسية وبرامج الإعفاء من الرسوم التي توفرها الجامعة بانتظام. وتشمل هذه المنح فئتين رئيستين، هما منح التفوق الأكاديمي والمنح القائمة على الحاجة المادية.  ومن أبرز هذه البرامج منحة الدكتور أيه. بي. جيه. عبدالكلام، والزمالة السنوية للدكتوراه باسم مشير الحسن، ومنح التفوق الأكاديمي والمساعدة المخصصة لطلبة الماجستير، إضافةً إلى الزمالة الوطنية ومنح التعليم العالي لطلبة الفئات القبلية.

وانطلاقًا من التزامها بـالقيم التقدمية وسعيها على تخليد رموز الفكر والعلم والنضال، قامت الجامعة بتسمية مؤسساتها الفرعية ومبانيها ومنشآتها المختلفة بأسماء عدد من الشخصيات الوطنية والعالمية البارزة التي تركت أثرًا عميقًا في ميادين التعليم والثقافة والعمل الاجتماعي. ومن بين هذه الشخصيات المكرّمة: الدكتور ذاكر حسين، وسروجيني نايدو، وبي أمّا (عبادي بانو بيغم)، والدكتور كيه. آر. نارايانان، والنواب منصور علي خان باتودي، وأنور جمال قدوائي، ومنشي بريم تشاند، ونعوم تشومسكي، وإدوارد سعيد، وغيرهم من الرواد الذين أسهموا في إثراء الفكر الإنساني.

وتعكس هذه المبادرات الرؤية الديمقراطية والمساواتية التي تتميز بها الجامعة، إذ تمثل صلة وصل فعّالة بين ماضيها الوطني العريق وحاضرها الأكاديمي المتطور. وقد أسهمت اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم الموقعة مع مؤسسات أكاديمية وبحثية وطنية ودولية في توسيع آفاق الجامعة وتعزيز حضورها العالمي، من خلال التعاون متعدد التخصصات والتبادل الدولي للمعرفة والأفكار. كما تولي الجامعة اهتمامًا كبيرًا بـبرامج تطوير أعضاء هيئة التدريس والمبادرات الموجهة للطلبة، إدراكًا منها لأهمية إحداث تغييرات مؤسسية مدروسة تقوم على التطوير والتحديث المستمر. وتواصل انخراطها النشط في تطبيق النماذج التعليمية الحديثة ومواكبة الاتجاهات العالمية في التعليم والبحث والابتكار.

وتحتفل الجامعة  في عام 2025م بمرور 105 أعوام على تأسيسها، مجددةً التزامها برؤيتها التنويرية الهادفة إلى ترسيخ التعليم الشامل والمستدام وتعزيز حضورها في الساحتين الوطنية والدولية. وتواصل جهودها نحو تحقيق حرم جامعي أخضر خالٍ من البلاستيك، تأكيدًا لوعيها البيئي ومسؤوليتها المجتمعية.

اقرأ أيضًا: عندما أنقذ سردار باتيل ضريح نظام الدين أولياء

وتتلاقى في مسيرتها الجذور الوطنية الراسخة مع الرؤية التقدمية في تطوير التعليم الحديث، مما أكسبها مكانة متميزة وفريدة في تاريخ المؤسسات الأكاديمية في الهند، بوصفها جامعة تجمع بين الأصالة والتجديد في رسالتها التعليمية.

*أستاذة في مركز ساروجيني نايدو لدراسات المرأة، بالجامعة الملية الإسلامية – نيودلهي