مجيب الرحمن*
السينما الهندية، أو سينما بوليوود كما يعرفها العالم المنتجة في مدينة مومباي، تتمتع بمكانة خاصة في قلوب الجمهور العربي، حيث غدت أكثر من مجرد أفلام—بل ظاهرة ثقافية تجمع بين العواطف والموسيقى والألوان في حكايات تتجاوز الحدود. ومنذ عقود، وجدت الأفلام والأغاني الهندية طريقها إلى صالات السينما والمنازل في العالم العربي، من القاهرة إلى دبي، مرورًا بالرباط وبغداد، لتصبح جزءًا من الوجدان الشعبي. وهذه العلاقة الفريدة، التي نسجتها قصص الحب والموسيقى الآسرة، تعكس قوة الفن في بناء جسور بين الثقافتين الهندية والعربية، حاملةً معها قيمًا مشتركة وأحلامًا متشابهة.
وبدأ هذا الارتباط في منتصف القرن العشرين، عندما وصلت أفلام كلاسيكية مثل "آواره" و"شري تشار سو بيس" إلى دور السينما العربية في الخمسينيات والستينيات، وكانت تُعرض مترجمة أو مدبلجة بالعربية، وتحكي قصصًا إنسانية عن الحب، والتضحية، والعدالة الاجتماعية: مواضيع لامست الجمهور العربي الذي كان يعيش تحولات اجتماعية وسياسية مشابهة. وما جعل هذه الأفلام قريبة إلى القلب هو تركيزها على قيم مثل الروابط الأسرية والوفاء، التي تتردد أصداؤها في الثقافة العربية. وكانت بوليوود تقدم محتوى يناسب العائلات، مبتعدة عن الجرأة التي قد لا تتماشى مع الأذواق المحلية، مما جعلها خيارًا مفضلاً للجميع، من الأطفال إلى كبار السن.
وتكمن جاذبية بوليوود في العالم العربي في قدرتها على الجمع بين العاطفة والموسيقى والإبهار البصري. والأفلام الهندية معروفة بمشاهدها العاطفية القوية، حيث تتدفق الدراما بصدق يلامس الوجدان. وقصص الحب الممنوع أو الصراع بين التقاليد والحداثة، كما في أفلام مثل "دِل واليه دُولهانيا لي جايئنغي" أو "كبهي خوشي كبهي غم"، تحمل طابعًا عالميًا يتحدث إلى الجميع. وهذه القصص تجد صدى خاصًا في العالم العربي، حيث يواجه الناس تحديات مشابهة في التوفيق بين القيم التقليدية والطموحات الحديثة. وتؤدي الموسيقى دورًا محوريًا أيضًا—الأغاني الهندية، بكلماتها الشاعرية وإيقاعاتها الجذابة، أصبحت محبوبة حتى لمن لا يفهمون الهندية، ووجدت الكثيرين من الأصدقاء العرب يحفظونها عن ظهر قلب دون أن يفهموا معانيها، يطلب مني بعض أصدقائي من العالم العربي من حين لآخر أن أترجم لهم معاني الأغاني الهندية المفضلة لديهم. وبفضل الدبلجة العربية أصبحت الكثير من هذه الأغاني قريبة إلى الوجدان العربي. والأغاني مثل "تجهى ديخا تو يه جانا صنم" أو "شايا شايا"، أو "هم دل دي شوكيه صنم" تحولت إلى أناشيد تعزف في المناسبات الاحتفالية، مما يعكس شغف العرب بالفنون الموسيقية.
والجانب البصري لبوليوود يضيف سحرًا آخر. والأفلام الهندية تحتفي بالألوان والحركة، من الرقصات الجماعية في مناظر طبيعية خلابة إلى الأزياء المتلألئة مثل الساري والليهينجا. وهذه العناصر تلقى إعجاب الجمهور العربي الذي يقدر الفنون الاحتفالية. والمشاهد المصورة في مواقع بارزة مثل الأهرامات في "جب تك هاي جان" أو أفق دبي في"هابي نيو إير" تضفي جاذبية إضافية، حيث تعكس تقاربًا بصريًا بين الثقافتين. وقنوات مثل "زي أفلام" و"إم بي سي بوليوود" ساهمت في تعميم هذه التجربة، مقدمةً الأفلام مدبلجة بلغة عربية سلسة جعلتها متاحة لجمهور واسع.
وتأثير بوليوود يتجاوز الترفيه ليصبح جسرًا ثقافيًا. وشجعت الأفلام الهندية على السياحة المتبادلة، حيث جذبت مشاهد الأفلام المصورة في مصر أو الإمارات اهتمام الجمهور العربي وزادت من رغبته في زيارة الهند، بينما ألهمت بعض الأفلام الهندية المصورة في البلدان العربية الجمهور الهندي لزيارة المدن العربية. وبعض الأزياء الهندية، أصبحت خيارًا شائعًا في المناسبات العربية، في المقابل، تأثرت تصاميم الأزياء في بوليوود بعناصر من الموضة العربية، مثل العباءات. ولقد شهدت الموسيقى تبادلًا مماثلاً، حيث استلهم الملحنون الهنود إيقاعات عربية، كما أُعيد غناء أغاني بوليوود بكلمات عربية وهندية مشتركة لاقت رواجًا كبيرًا بين المتابعين الهنود والعرب مثل أغينة "حبيبي ده (ناري ناري)، و "كهو نا كهو" وغيرهما كثير. وأفلام مثل "3 إيديوتس" و"دانغال" أثارت نقاشات حول قضايا اجتماعية مثل التعليم وتمكين المرأة في دول مثل الأردن والمغرب، مما يظهر تأثير السينما الهندية في إلهام التغيير.
ومع ذلك، لم تخلُ هذه العلاقة الثقافية من بعض التحديات. وبعض الأفلام الهندية القديمة صوّرت العرب بصور نمطية، مما أثار انتقادات من البعض. كما أن الطابع الدرامي المبالغ فيه قد لا يروق لكل الأذواق. ولكن هذه التحديات لم تقلل من شعبية بوليوود، التي استمرت في النمو بفضل منصات البث مثل نتفليكس وشاهد، والتعاون المتزايد بين صناع السينما الهنود والعرب، سواء في الإنتاج المشترك أو التصوير في مواقع عربية.
اقرأ أيضًا: شارع كوليج وشارع المتنبي: نبض الثقافة في الهند والعراق
وبوليوود، في جوهرها، هي لغة عاطفية تجمع الناس. وتحكي أفلامها قصصًا إنسانية تربط بين الهند والعالم العربي، وتحتفي بالحب، والأمل، والوحدة. وأصبحت بوليوود، من خلال موسيقاها الآسرة، وألوانها الزاهية، وقصصها التي تلمس القلب، جزءًا من الثقافة الشعبية العربية، ودليلاً على أن الفن قادر على بناء جسور لا تعرف الحدود.
*رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.