شارع كوليج وشارع المتنبي: نبض الثقافة في الهند والعراق

24-07-2025  آخر تحديث   | 24-07-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | صهيب عالم 
شارع كوليج وشارع المتنبي: نبض الثقافة في الهند والعراق
شارع كوليج وشارع المتنبي: نبض الثقافة في الهند والعراق

 


صهيب عالم*

يعد شارع كوليج أي شارع كليّة المعروف بـ "بُويْ بَارَا" أي مدينة الكتب باللغة البنغالية من أشهر أسواق بيع الكتب المستعملة وأكبرها في كولكاتا بولاية غرب البنغال. ويمتد هذا الشارع الحيوي على طول 900 متر، من "شارع بِيْدَهَانْ سَارَاني" إلى "بُوو بَازَارْ" متقاطعًا مع طريق "إم جي" وشارع "سُوريا سين". وهو معروف لدى محبي العلم والمعرفة في الهند كما يُعرف شارع المتنبي في العاصمة العراقية بغداد بمكتباته العريقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.

مثلما يعد شارع كوليج أيقونة ثقافية في الهند، فإن شارع المتنبي يعد أيقونة ثقافية في العراق.ويعجّ الشارع بالشعراء والأدباء والكتّاب والفنانين والطلاب والوافدين العرب والأجانب للاستمتاع بالجو العلمي والمعرفي.ويمرون بالأكشاك والدكاكين التي تباع فيها الكتب القديمة والحديثة المنتشرة على طول جانبي الشارع.وينقل هذا الشارع تاريخًا ثقافيًّا حيًّا، إذ يمتلئ بالمئات من المكتبات التي تعرض الآلاف من العناوين والإصدارات، ويعرض المخطوطات النادرة النفيسة أحيانًا، حيث يفترش أصحابها الآلاف من الكتب الحديثة والنادرة.وتوجد فيه المقاهي الأدبية التي يرتادها الرواد من المثقفين العراقيين والعرب والعالميين. ومن أبرزهم الشاعر المصري الكبير زكي مبارك، وعالم الاجتماع العراقي البارز علي الوردي، ورئيس الوزراء العراقي نوري السعيد، والشاعر والناقد المصري أحمد حسن الزيات، والشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري، والمفكر مصطفى جواد، والمطربة أم كلثوم، والشاعر الهندي طاغور، والمستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، والمستشرق الفرنسي جاك بيرك.

وتاريخ شارع كوليج لا يقل أهمية عن المتنبي؛ فهو شريان ثقافي ينبض بالشغف المعرفي والأدبي. يتردد إليه الزوار من المثقفين الهنود والأجانب، بحثًا عن نفائس الكتب، من الطبعات النادرة إلى الإصدارات الحديثة، بل وحتى مكتبات كانت في يوم ما ملكًا لأدباء عظماء. ويقصده الطلاب لاقتناء الروايات أو كتب الإعداد للوظائف الحكومية والطبية والهندسية وغيرها.

ويعد هذا الشارع موطنا لبعض عمالقة الأدب الهندي، وبه تنتشر دور النشر البنغالية الشهيرة، مثل "روبا وشركاه"، و"أناندا للنشر"، و"داي للنشر" وغيرها.وتُعرض الكتب في أكشاك مؤقتة أو متاجر مصطفة على جانبي الطريق، ما يجعل منه مركزًا ثقافيًا متجدّد النشاط.

وخلال زيارتَيّ للشارع في عامَي 2019م و2024م، استمتعتُ بمشاهدة المباني العريقة التي تعود إلى الحقبة البريطانية، وتضم هذه المباني مؤسسات علمية مرموقة مثل جامعة بريزيدنسي وجامعة كولكاتا. ويجمع هذا الموقع الفريد بين الروح الأكاديمية والحيوية التجارية، مما يجعله وجهةً لا غنى عنها لكل من يتطلع إلى تجسيد جوهر كولكاتا.

وتُحيط بالشارع مؤسسات تعليمية بارزة، مثل المدرسة الهندوسية التي تأسست عام 1817م، وأسهمت في "نهضة البنغال" بقيادة راجا رام موهان روي. كما تقع فيه الكلية السنسكريتية التي تأسست عام 1824م، والتي أبدعت الفنون الليبرالية لإصلاح النظام التعليمي في عهد إيشوار تشاندرا فيدياساجار عام 1851م.

وكانت جامعة كولكاتا التي أنشئت عام 1857م أول جامعة في الهند قامت بتطوير المناهج المتعددة للتخصصات العلمية، ويرجع الفضل إليها لإنشاء أول كلية طبية في آسيا، وأول كلية العلوم الهندية، وأول كلية للمرأة في الهند. وكانت جامعة بريزيدنسي تُعرف باسم الكلية الهندوسية سابقًا التي أنشئت عام 1855م وتشتهر بخريجيها، وقد توافد على أروقتها العديد من القادة الهنود البارزين، ومنهم الحائزان على جائزة نوبل أمارتيا سين، وأبيجيت بيناياك بانيرجي، والحائز على جائزة الأوسكار ساتياجيت راي، وسوبهاش تشاندرا بوس، ورابندراناث طاغور وغيرهم. كما يقع على جانب هذا الشارع أرشيف بنغال الغربية الذي يحتضن الوثائق والمستندات التاريخية والسياسية والتجارية والثقافية التي تتعلق بتاريخ الهند والجزيرة العربية بشكل خاص. 

المقهى الهندي:ذاكرة الثقافة الحية

كما يحتضن شارع المتنبي "مقهى الشابندر"، يحتضن شارع الكلية "المقهى الهندي"، وهو ملتقى لنخبة مثقفي كولكاتا ووجهائها على مرّ العقود، حيث تلتقي رائحة القهوة بنكهة الكتب القديمة، وتشتعل النقاشات الفكرية والأدبية في أجواء من الإبداع والانفتاح. وكان مكانًا للقاء الشعراء والفنانين. ولا تزال القهوة تُباع فيه بسعر زهيد، ويعود تأسيسه إلى عام 1876م.

واحتسى القهوة في هذا المكان المفكرون الهنود البارزون مثل ساتياجيت راي، وأمارتيا سين، ومرينال سين، وريتويك غاتاك، وسونيل جانجوبادياي. كما انطلقت من هذا المكان حركة "الجيل الجائع" الأدبية بقيادة بينوي ماجومدار وشاكتي تشاتوبادياي وسيلسوار غوش ومالاي روي تشودري وسمير روي تشودري وديبي روي، الذين عطلوا الشعر البنغالي التقليدي، وبدأوا حركة طليعية غيرت الأدب البنغالي في الستينيات.

وباختصار، فإن شارع كوليج في كولكاتا وشارع المتنبي في بغداد يمثلان جنتين لعشاق الكتب والمعرفة، ومكانين يُحفظ فيهما التاريخ الفكري والحضاري، ويُبث منهما النور الثقافي للأجيال الناشئة.

*أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي