هوية كشمير تتجدد بشبابها: طاقات تبحث عن فرصة وانتماء

27-11-2025  آخر تحديث   | 27-11-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
هوية كشمير تتجدد بشبابها: طاقات تبحث عن فرصة وانتماء
هوية كشمير تتجدد بشبابها: طاقات تبحث عن فرصة وانتماء

 


عامر سهيل واني*

توجد في التاريخ لحظات يتوقف فيها مصير الشعوب على عقول شبابها. وتقف الهند اليوم على عتبة من هذا النوع من العقول. فمع امتلاكها واحدة من أكبر الشرائح السكانية الشابة عالميًا، سيُكتب قدر الشعب الهندي إلى حدٍّ كبير بقوة عقول شبابها وشجاعة قلوبهم. وفي هذا السياق، يبرز الشباب المسلم في الهند ولا سيما شباب كشمير من فتيان وفتيات بوصفهم فئة تتحمّل مسؤوليات ثقيلة، وفي الوقت نفسه تمتلك وإمكانيات استثنائيةوفرصًا غير عادية.

ولا تقتصر إمكانياتهم على الجوانب الاجتماعية أو الاقتصادية فحسب؛ بل تمتد لتشمل الأبعاد الأخلاقية والفكرية والروحية والحضارية. ويُذكّرنا القرآن الكريم بقوله "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". وهذه الآية ليست إعلانًا بعيدًا عن الواقع، بل هي دعوة مباشرة موجَّهة إلى الشباب ليمتلكوا أدوات التغيير، ويرتفعوا بأنفسهم عبر المعرفة والعمل والبناء الخُلقي.

وفي كلٍّ من التعاليم الإسلامية والسياسات التنموية المعاصرة، يمثّل التعليم الأساس الجوهري لعمليات التمكين. وقد قال النبي ﷺ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وهي حكمة لا يحدّها زمان ولا مكان. فالمعرفة هي التي تُحرّر الإنسان وترفعه، وهي التي تحمي المجتمعات من الخوف والأحكام المسبقة ومن كل محاولات التلاعب والاستغلال الفكري.

وبالنسبة للشباب من كشمير، لا يمثّل التعليم حاجة فردية فحسب، بل يشكّل درعًاجماعيًا. فهو يساعدهم على طرح الأسئلة على الانحيازات الموروثة، والتفاعل النقدي مع السرديات السائدة، والتحوّل من مجرد مستهلكين للواقع إلى منتجين للمعرفة. وعندما يتقدّم الشباب إلى الواجهة بوصفهم علماء وأطباء ومهندسين وكتّابًا ومبتكرين وإداريين، فإنهم يعيدون تشكيل الصورة الذهنية حول مجتمعهم، ويفكّكون الروايات النمطية التي طالما أثقلته.

وتؤكد الأطرُ السياساتية الحديثة  من السياسة التعليمية الوطنية لعام 2020م، إلى الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة—على أهمية التعلّم متعدد التخصصات، والمهارات الرقمية، والشمول، والإبداع. وتنسجم هذه المبادئ بدرجة عميقة مع التراث الفكري الإسلامي الذي ازدهر عبر التاريخ من خلال الفلسفة والعلوم والفقه والفنون والريادة العامة.

وإن طلب العلم ليس مجرد استعدادٍ لوظيفة، بل هو صورة من صور تعظيم الخالق، ورفع شأن المجتمع، والإسهام في ازدهار الأمة أخلاقيًا وفكريًا.  وطاقة الشباب طاقة واسعة ونقية وقادرة على التغيير، ولا يمكن حصرها داخل الصفوف الدراسية. فالرياضة تمنحهم الانضباط، وقوة التحمّل، وروح الأخوّة، والعمل الجماعي، وهي قيم يؤكدها القرآن حين يحثّ على الصبر والوحدة بقوله: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا".

ويمكن أن تصبح الرياضة في كشمير، حيث يثقل التاريخ بظلاله، قوة شفاء تساعد الشباب على بناء القدرة على التحمّل، وصنع الصداقة، وإيجاد معنى يتجاوز الخطوط والانقسامات.

وأما الفنون والثقافة—من الشعر والموسيقى إلى الرسم وصناعة الأفلام والمسرح—فهي تمكّن الشباب من التعبير عن أعمق مشاعرهم: حزنهم، وأملهم، وحنينهم، وأحلامهم. وفي أرض اشتهرت بمتصوفيها وشعرائها، تتحول الفنون إلى مساحة مقاومة وتجديد في آن واحد. فالإبداع يحوّل الألم إلى جمال، واليأس إلى معنى.

ويشكّل العمل المجتمعي والتطوّع الركن الثالث من أركان النمو المتكامل. ويولي الإسلام أهمية كبرى لخدمة الناس؛ فقد جاء في الحديث: "خيرُ الناس أنفعُهم للناس"، (صحيح الجامع).

وعندما ينخرط شباب كشمير في العمل الاجتماعي—سواء في حماية البيئة، أو دعم تعليم الأطفال، أو المشاركة في حوارات السلام، أو نشر الوعي الصحي—فإنهم ينمّون روح التعاطف، ويكتسبون نضجًا مدنيًا أوسع. وبتكامل هذه المسارات، يتشكّل جيل يتمتع بتوازن عاطفي، ووعي اجتماعي، وصلابة روحية.

وقد تتمكن الأفكار المتطرفة، في المناطق التي أثقلها الصراع والتهميش، من إيجاد مساحة للانتشار، لا لأن الأفراد يميلون إليها بطبيعتهم، بل لأن مشاعر الاغتراب والظلم واليأس تفتح فراغات يمكن استغلالها. ويظل موقف الإسلام تجاه التطرف موقفًا واضحًا وحاسمًا يقوم على الرفض التام له.

وقد حذّر النبي ﷺبقوله: "إيّاكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو"، (النسائي). كما يدعو القرآن المسلمين إلى أن يكونوا أمة تتسم بالاعتدال، فقال: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا"، (البقرة: 143). ولذلك، فإن حماية الشباب من الانجراف نحو التطرف تمثّل واجبًا دينيًا وأولوية مهمة في السياسات الحديثة.

وتقوم حماية الشباب من التطرف على ستتة عناصر أساسية: أولها التعليم الذي يعزّز التفكير النقدي والوعي الإعلامي ويساعدهم على التعرّف إلى السرديات المضلِّلة ورفضها.

وثانيها الدمج الاجتماعي الذي يجعل الشباب يشعرون بقيمتهم وانتمائهم. وعندما يشعر الشباب بأنهم مُقدَّرون تتلاشى الجاذبية النفسية للأفكار المتطرفة.

وثالثها الحوار بين الأديان وداخل المجتمع، لأنه يرسّخ التعارف ويفكك الصور النمطية.

وأما العنصر الرابع فيكمن في توفير منصّات للتعبير؛ فعندما تتاح للشباب مساحات مثل المناظرات والفنون والرياضة ومراكز الابتكار، تتراجع النزعات الهدّامة، وتتوجَّه طاقاتهم نحو الإبداع.

وخامسها الكرامة والعدالة. وتبقى الكرامة والعدالة أساسًا لا غنى عنه، فالشاب الذي يحظى بالاحترام لا ينجرّ إلى الأيديولوجيات المنقسمة، ويأمر القرآن بالعدل حتى مع من نختلف معهم بقوله: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".

وآخرها، يحتاج الشباب إلى منظومات مؤسسية—في الحكم والمجتمع المدني—تحوّل طاقاتهم وحماسهم إلى فرص حقيقية للنمو والمشاركة.

ويمكن تحسين أوضاع الشباب من خلال تنمية المهارات والتدريب المهني المرتبط باحتياجات السوق، وتوفير دعم ريادي يشمل سهولة الوصول إلى الائتمان وحاضنات الأعمال، إضافة إلى إنشاء مرافق رياضية وأندية شبابية وخدمات للصحة النفسية. ويصف القرآن الشباب الذين نهضوا بالحق، بأنهم "فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"، وهو ما ينسجم مع حقيقة أن التحولات الكبرى في التاريخ—فكرية كانت أو سياسية أو روحية—قادها شباب امتلكوا الإرادة والرؤية.

اقرأ أيضًا: فكرة التعايش السلمي بين الأديان كما تتجلى في تفسير مولانا أبي الكلام آزاد

ويقف الشباب المسلم في كشمير اليوم عند مفترق طرق؛ فهم يجمعون بين رقة التصوف، وانضباط العلم، وصلابة الحياة في الجبال، وإبداع ثقافة غارقة في الشعر والروحانية. وكل ما يحتاجونه هو الفرصة والتوجيه والثقة والشعور بالانتماء.