الشيخ غلام محمد وستانوي: خادم القرآن ورائد الجمع بين التعليم الديني والعصري

16-05-2025  آخر تحديث   | 16-05-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
الشيخ غلام محمد وستانوي: خادم القرآن ورائد الجمع بين التعليم الديني والعصري
الشيخ غلام محمد وستانوي: خادم القرآن ورائد الجمع بين التعليم الديني والعصري

 


مجيب الرحمن*

برحيل العالم الديني الكبير ورائد الجمع بين التعليم الديني والعصري الشيخغلام محمد وستانوي في4 مايو 2025معن عمر ناهز 75 عامًا،فقدت الهند أحد كبار رجالاتها في مجال التعليم، مخلفا وراءهإرثًا عظيمًا في خدمة التعليم الإسلامي والقرآن الكريموالتعليم العصري والمهني للمسلمين والفئات الضعيفة الأخرى. ولقد نذر حياته لنشر العلم الديني، وبناء مؤسسات تعليمية، وتقديم خدمات اجتماعية أثّرت في المجتمع الهندي بشكل مباشر، ليصبح رمزًا للعلم، والإصلاح، والعمل الخيري.

نشأته وتعليمه

وُلِد غلام محمد وستانوي في الأول من يونيو عام 1950م في كوسادي، مقاطعة سورت بولاية غوجارات. وفي عام 1952م أو 1953م، انتقلت عائلته إلى قرية "وستان"، ومنها اشتق اسم عائلته. وبدأ وستانوي تعليمه المبكر في مدرسة قوةالإسلام في كوسادي، حيث حفظ القرآن الكريم.ثم درس في مدرسة شمس العلوم في بارودا، وتابع تعليمه في مدرسة فلاح دارين في تادكيسار (وتُكتب أيضًا تادكسوار)، بولاية غوجارات، بدءًا من عام 1964م. ودرس هناك لمدة ثماني سنوات، وأكمل دراسته في أوائل عام 1972م على يد علماء مثل عبد الله كابودراوي، وشير علي خان أفغاني، وذو الفقار علي.

وفي أواخر عام 1972م، التحق وستانوي بجامعة مظاهر العلوم في سهارنفور، بولاية أوترا براديش. وهناك درس العلوم الإسلامية العليا، بما في ذلك الحديث، على يد علماء كبار. وأكمل تعليمه عام 1973م. وبالإضافة إلى دراساته الإسلامية، حصل وستانوي أيضًا على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، وهي ميزة تفرد بها في أوساط علماء الدين الذين نادرًا ما يظهرون اهتمامًا بالتعليم العصري وضرورته للجميع بمن فيهم علماء الدين.

وفي عام 1970م، أثناء دراسته في فلاح الدارين، أقام علاقة إصلاحية معالعالم الرباني والمصلح الكبير الشيخ زكريا الكاندهلوي. وبعد وفاة الكاندهلوي عام 1982م، تلقى الإرشاد الروحي من الشيخ صديق أحمد باندوي، الذي أذن له لاحقًا في التصوف. كما حصل على إذن في التصوف من محمد يونس الجونبوري.

المسيرة المهنية

بعد إكمال دراسته، بدأ وستانوي التدريس في بودان، وهي قرية في مقاطعة سورت، لمدة عشرة أيام. وفي وقت لاحق من عام 1973م، انضم إلى دار العلوم كانثاريا في بهاروش، حيث درّس اللغة الفارسية والعلوم الإسلامية المتوسطة.

 تأسيس الجامعة الإسلامية إشاعة العلوم

في عام 1979م، أسس الشيخ وستانوي الجامعة الإسلامية إشاعة العلوم ببلدة "أكل كوان" في ولاية مهاراشترا،بعد أن لاحظتخلف المسلمين الشديد في التعليم الديني في المنطقة، أسّسهافي كوخ بسيط بمسجد شوتي مكراني فالي، ضمّت ستة طلاب ومعلمًا واحدًا. وبفضل إخلاصه وتفانيه وجهوده الدؤوبة، تطورت المدرسة إلى جامعة إسلامية مرموقة تضم أكثر من 14,000 طالب. وفي مدقة قليلة تطورت الجامعة، إلى مركز تعليمي وروحي بارز يجذب الطلاب من الهند وخارجها.وتقدم الجامعة برامج دراسية تجمع بين العلوم الإسلامية (الفقه، الحديث، التفسير) والعلوم الحديثة.

النظام التعليمي والأقسام

تتبنى الجامعة فلسفة تربوية تجمع بين "القديم النافع والجديد الصالح"، مما يمكّن الطلاب من الحفاظ على هويتهم الدينية واكتساب مهارات عصرية، وتشمل الأقسام:

الأقسام الدينية:

دار التربية: تركز على التربية الإسلامية الشاملة.

تحفيظ القرآن الكريم: يتخصص في حفظ القرآن وتعليم التجويد والقراءات السبع.

شهادتا العالمية والفضيلة: تشمل دراسات علم الكلام والدراسات العليا.

التخصصات: تشمل دورات في الفتوى والدعوة باللغة الإنجليزية.

قسم إجازة القرآن الكريم: يدرب الطلاب على تلاوة القرآن برواية حفص عن عاصم بدقة. ويحصل الخريجون على إجازة متصلة بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)  عبر سلسلة من 33 راويًا، مما يحافظ على أصالة التلاوة.

أقسام العلوم العصرية (منذ 1993):

كلية الهندسة: تقدم البكالوريوس والدبلوم في الهندسة بشتى فروعها.

كلية الطب: تشمل بكالوريوس الطب والجراحة.

كلية الصيدلة: تقدم بكالوريوس ودكتوراه وماجستير الصيدلة.

كلية التربية: تقدم بكالوريوس ودكتوراه التربية.

مدارس اللغة الأردية والإنجليزية: من الروضة إلى الصف الثاني عشر.

معهد التدريب الصناعي: (ITI)  يقدم تدريبًا مهنيًا على الصناعات المتداولة.

دورات تدريبية: تشمل التحضير لامتحان  NEET والتدريب على علوم الحاسوب، والبصريات، وصناعة الجلود، وأتمتة المكاتب، والخياطة.

التوسع في التعليم والخدمات الاجتماعية

لم تقتصر جهود الشيخ وستانوي على تأسيس جامعة إشاعة العلوم، بل شملت

إنشاء مؤسسات تعليمية؛ أسس عشرات المدارس الدينية، أكثر من 2000 كُتّاب لتعليم القرآن، و2650 حلقة قرآنية يستفيد منها 150,000 طالب.

بناء مساجد: أشرف على بناء 7000 مسجد (بما في ذلك 7500 مسجد حسب بعض المصادر).

الرعاية الاجتماعية:

حفر 12,000 بئر ماء (بما في ذلك 7500 بئر حسب مصادر أخرى).

كفالة 3000 يتيم سنويًا.

بناء 34 مستشفى، بما في ذلك مستشفى نور (770 سريرًا) الذي يقدم علاجًا مجانيًا يوميًا لمئات المرضى.

إنشاء 103 مراكز تعليمية واجتماعية يستفيد منها 43,000 طالب.

تأسيس 2500 مدرسة دينية ابتدائية.

كان الشيخ وستانوي من العلماء القلائل الذين آمنوا بضرورة تمكين الضعفاء من خلال التعليم والتأهيل. ووصفه المقربون بـ"أمة في رجل" لتأثيره العميق، وتواضعه، وجهوده الإصلاحية. ولقد حظي بتقدير عالميخصوصا في البلاد العربية، كما كان عضوًا في المجلس التأسيسي للهيئة العامة للكتاب والسنة بجدة، مؤكدًا في حواراته أن هدفه هو تخريج كوادر إسلامية تقود المجتمع نحو التقدم. وعين رئيسًا لجامعة دار العلوم بديوبند في عام 2011م لعدة شهور.

إرثه الخالد

ساهمت الجامعة الإسلامية إشاعة العلوم بأكل كوان في تغيير النظرة السلبية تجاه المدارس الإسلامية التقليدية، إلى حدٍّ ما، وذلك بفضل دمجها بين التعليم الديني والتعليم العصري. ويتفوق خريجو الجامعة في مجالات متنوعة مثل الطب، والهندسة، والتدريس، والقانون، والتدريب الصناعي وغيرها. وتُعَدّ معاهدها نموذجًا لنشر الخير والتعاون بين مختلف فئات المجتمع، بما في ذلك الهندوس من مختلف الديانات، حيث يستفيد أكثر من 1500 طالب هندوسي من كليات الطب والهندسة والتدريب الصناعي التابعة لها.

وبرز المولانا غلام محمد وستانوي، كأحد الرواد الاستثنائيين في نشر التعليم الديني والعصري وتأهيل الكوادر البشرية، من خلال تأسيس شبكة من المؤسسات التعليمية في ولاية مهاراشترا، وإن هذه المؤسسات، التي تمتد على مساحات شاسعة، أعجبت زوارها بتنظيمها الشفاف وبيئتها الأكاديمية المتميزة، محققةً تقدمًا ثوريًا في تمكين الشباب المسلم بالمهارات المطلوبة لمواكبة العصر.

ولم تقتصر إسهاماته على التعليم، بل شملت العمل الخيري المشرق، حيث قدم المساعدات للمتضررين من الأزمات الوطنية والدولية دون تمييز، ودعم المدارس الدينية بمنح مالية سنوية. كما أطلق سلسلة مسابقات قرآنية رائدة، عززت فهم القرآن وقراءته بالتجويد، ليصبح تقليدًا متبعًا في أنحاء الهند. حتى في خضم الاضطرابات التي واجهته خلال إدارته لدار العلوم ديوبندلعدة شهور، أظهر حكمةً وصبرًا، محافظًا على دعمه للمؤسسة كعضو في مجلس الشورى دون استغلال موارده للرد على خصومه.

وكان المولانا وستانوي نموذجًا للتواضع والبساطة، يتحدث بأسلوب مؤثر ووقور، ناقلاً هموم الأمة إلى مستمعيه في المجالس الكبيرة والصغيرة. وشخصيته متعددة الأوجه، التي جمعت بين الرؤية الإصلاحية، والعمل الخيري، والتفاني في التقدم التعليمي والديني، جعلته قائدًا فريدًا وملهمًا، ترك إرثًا خالدًا في مجال نشر التعليم والنهوض بمستوى الضعفاء في المجتمع.

اقرأ أيضًا: مستشار الأمن القومي أجيت دوفال: مهندس الآلية الحاسمة لمكافحة الإرهاب في الهند

وبرحيل الشيخ وستانوي، فقدت الهند عالمًا ومصلحًا عظيمًا، ولكن إرثه سيظل خالدًا في مؤسساته، وطلابه، ومساهماته الاجتماعية. ولقد جمع بين العلم والعمل، والدعوة والإصلاح، مخلفًا نموذجًا ملهمًا. ونسأل الله أن يتقبل أعماله، ويجزيه خير الجزاء، ويلهم أتباعه مواصلة مسيرته.

*أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي

قصص مقترحة