أبرار أحمد حسن محمد
في صباح يوم الثلاثاء الموافق 23 سبتمبر 2025م، الذي يصادف اليوم الوطني الـ95 للمملكة العربية السعودية، أعلن الديوان الملكي نبأ وفاة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء، عن عمر ناهز 83 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والديني. وقد خيّم الحزن على الأوساط الدينية والشعبية في المملكة، إذ جاء خبر الوفاة في يوم يحتفل فيه السعوديون بذكرى تأسيس وطنهم، مما أضفى على المناسبة بعدًا من التأمل والدعاء لفقدان أحد أبرز رموز الدين والعلم في البلاد.
ووفقًا لما أعلنته الجهات المختصة، فقد تقرر إقامة صلاة الجنازة بعد صلاة العصر في جامع الإمام تركي بن عبد الله في الرياض، بينما وجّه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بإقامة صلاة الغائب على الفقيد في المسجد الحرام والمسجد النبوي، إضافةً إلى كافة مساجد المملكة، في مشهد يعكس المكانة الرفيعة التي حظي بها الشيخ في قلب الأمة.
فالشيخ عبد العزيز آل الشيخ وُلد في مكة المكرمة عام 1362هـ، ونشأ في أسرة علمية عريقة تنتمي إلى آل الشيخ، أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب، وقد تلقى تعليمه الشرعي منذ الصغر، حتى أصبح من كبار العلماء في المملكة. فبدأت مسيرته التعليمية في المعهد العلمي بالرياض ثم التحق بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتخرج فيها عام 1383هـ، وكان من المتفوقين. ثم حصل على درجة الماجستير من كلية أصول الدين، وأكمل دراسته العليا حتى نال درجة الدكتوراه في العقيدة.
كما تتلمذ الشيخ على أيدي كبار العلماء من أمثال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، ولازم الشيخ عبد العزيز بن باز لفترة طويلة، واستفاد من علمه ومنهجه. وأما يخص عمله فبدأ الشيخ في التدريس منذ شبابه، ودرَّس في كلية الشريعة، وفي معهد القضاء العالي، وكان له حضور علمي بارز في الدروس اليومية والمحاضرات العامة داخل المملكة وخارجها.
وقد عُرف الشيخ بغزارة علمه ودقته في الفتاوى، مع حرصه الدائم على التيسير ورفع الحرج عن الناس. وكان له حضور إعلامي من خلال البرامج الدينية والإفتائية التي تابعها ملايين الناس، وكان فيها مثالاً لعالم متواضع حريص على النصح والإصلاح.
والشيخ عبد العزيز آل الشيخ يختلف في مواكبته لتطورات العصر، حيث كان له حضور بارز في الفتاوى الإلكترونية من خلال بوابة الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، واستقبل آلاف الأسئلة من المسلمين حول العالم عبر الإنترنت، وحرص على الإجابة عنها بلغة علمية مبسطة، تراعي ظروف السائلين واختلاف بلدانهم. كما شارك في برامج تلفزيونية وإذاعية أسبوعية للفتوى، منها برنامج "نور على الدرب"، الذي يعد من أقدم برامج الإفتاء في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى مشاركته المستمرة في منصات التواصل الاجتماعي الرسمية للهيئات الشرعية، مما جعله قريبًا من الناس، ومرجعًا يوميًا للملايين في أمور دينهم. وله عدة مؤلفات في الفتاوى من أبرزها: كتاب من فتاوى العقيدة، ومن فتاوى الطهارة والصلاة، ومن فتاوى الزكاة، ومن فتاوى الصيام، ومن فتاوى الحج وغيرها.
وعُين مفتيًا عامًا للمملكة في عام 1999م خلفًا للشيخ عبد العزيز بن باز، وتولى عددًا من المناصب العليا ومن أبرزها؛ رئاسة هيئة كبار العلماء، وهيئة البحوث العلمية والإفتاء، والمجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي. وبالإضافة إلى ذلك، كان خطيبًا ليوم عرفة في مسجد نمرة لمدة تجاوزت ثلاثة عقود. وقد عُرف الشيخ بمواقفه الوسطية وصوته المتزن في الفتاوى.
وبوفاته، فقدت المملكة علمًا من أعلامها، ووجهًا دينيًا تميز بالحكمة والاعتدال، سائلين الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.