منصور الدين فريدي وثاقب سليم/نيودلهي
كان يلبس قلنسوةً، وجبهته عريضة، ولحيته تُزيّن وجهه، وفي عينيه بريقٌ لافت. وبينما كانت المقصّة في يده تتحرك بمهارة فوق قطعة قماشٍ سوداء على طاولةِ قصٍّ طويلة، توقّف للحظة وقال: "كنتُ محاضرًا في قسم الهندسة الميكانيكية، لكن وفاة والدي غيّرت كل شيء… مهندسٌ ميكانيكيٌّ تحوّل إلى خيّاطٍ ليُحيي فنَّ العائلة ومهنتها القديمة".
وكان هذا أنور مهدي، الذي لم يُبدِ أي خيبة أمل أو ندم في نبرته أو صوته. فليس فقط في عليكراه، بل في العالم أجمع، يعرفه اليوم بوصفه خبيرًا في تصميم الشيرواني (الزيّ التقليدي الهندي). وقد ورث أنور مهدي عن والده الراحل إرثًا عريقًا يتمثل في دار الأزياء "مهدي حسن تايلرز"، التي لا تزال تتلألأ ببريقها القديم منذ أكثر من ثمانين عامًا، كعلامةٍ تجاريةٍ مميزة وواحدةٍ من مفاخر جامعة عليكراه الإسلامية. والدليل على ذلك أن العديد من رؤساء الهند، ورؤساء الوزراء، والشخصيات السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلى نجوم بوليوود، كانوا معجبين بشروانيه.
وفي منطقة "تصوير محل" في عليكراه، أثناء حديثه مع موقع "آواز دي وايس"، يروي أنور مهدي قائلاً إن والده كان خياطًا بسيطًا، وقد سافر نحو عام 1944 م إلى مومباي بحثًا عن مصدر رزق. وهناك التقى بالخياط الشهير عبد الرئيس، أحد أبرز المتخصصين في خياطة زي الشيرواني، وتعلّم منه هذا الفن بدقائقه وحِرَفيّته العالية.
ويضيف أنور مهدي أن قبل التقسيم لم يكن زي الشيرواني منتشرًا كثيرًا في أنحاء الهند، غير أن جامعة عليكراه الإسلامية كانت تُعرف بتقاليدها التي تشجع على ارتداء هذا الزيّ، وهو ما دفع والده إلى الانتقال إلى عليكراه. وفي عام 1947م، افتتح والده محلًا صغيرًا للخياطة في منطقة تصوير محل باسم "حسن تايلر"، ليبدأ بذلك رحلةً طويلة تحوّلت إلى إرثٍ مهني وعلامةٍ بارزة في المدينة.
ويقول أنور مهدي: "درستُ في جامعة عليكراه الإسلامية، وكان الأستاذ احتشام أحمد نظامي مُشرفي في قسم الهندسة الميكانيكية، حيث أنجزتُ درجة الماجستير في التكنولوجيا. وخلال فترة دراستي الجامعية، كنتُ قد أتقنتُ بالفعل فن تفصيل الشيرواني إلى جانب والدي، وبعد وفاته في عام 1995 م تولّيتُ إدارة العمل بشكلٍ كامل.
ورغم أنني كنتُ آنذاك قد أصبحت محاضرًا في قسم الهندسة الميكانيكية، فإن الرغبة في إحياء الفن العائلي دفعتني إلى ترك فن التدريس والانتقال إلى فن الخياطة. واليوم، وبعد مرور ما يقارب نصف قرن من الخبرة، أصبحتُ أرى في هذه المهنة فنًا وإرثًا إنسانيًا لا يقلّ عن أي علمٍ هندسي في قيمته أو إتقانه.
جذور زي الشيرواني التركية والمغولية
تحدثًا عن أصل الشيرواني وكيف أصبح الزيّ المفضل، يوضح أنور مهدي أن الشيرواني في حقيقته زيٌّ يجمع بين التأثيرَين المغولي والتركي، وقد نشأ خلال العصر المغولي ثم تطوّر في العهد البريطاني. ويقول: "تعود جذور الشيرواني إلى ملابس البلاط في الإمبراطوريتين العثمانية والمغولية، إذ كان المعطف والقبعة التركية في زمن الدولة العثمانية من أكثر الأزياء رواجًا، ومن هناك انتقلت الفكرة إلى الهند، حيث أُدخلت عليها تعديلات؛ فتم إطالة المعطف وإعادة تصميمه بشكلٍ أكثر فخامة، ليظهر في هيئته الجديدة التي نعرفها اليوم باسم "الشيرواني." ويضيف أن منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى ما بعد الاستقلال، كان معظم النُوّاب والرؤساء والملوك وكبار الملاّك في الهند يرتدون الشيرواني، وإذا نظرنا إلى صورهم القديمة فسنجد أن الغالبية العظمى منهم يظهرون في زي الشيرواني"، لأنه كان يُعتبر رمزًا للوقار والهيبة والأناقة الملكية.
وبحسب أنور مهدي، فإن في عليكراه تحديدًا، أصبح الشيرواني جزءًا من الهيبة الأكاديمية والثقافة الراقية بفضل البيئة التعليمية هناك وتأثير الطبقة المسلمة الأرستقراطية. ويقول: "لذلك كثيرًا ما يُقال إن شيرواني عليكراه أصبح رمزًا للثقافة النخبوية الهندية، سواء لدى الأطباء أو الساسة أو العلماء." ويضيف: إن الشيرواني ليس مجرد زيٍّ يُرتدى، بل هو رمزٌ للثقافة والتاريخ والهوية في آنٍ واحد.
من رئاسة الجمهورية إلى بوليوود
يقول أنور مهدي إن كبار القادة الوطنيين مثل البندِت جواهر لال نهرو كانوا من أوائل من اعتمدوا الشيرواني كزيّ رسمي لهم، ولاحقًا ارتداه العديد من رؤساء الهند، من بينهم الدكتور راجندرا براساد، والدكتور ذاكر حسين، والدكتور إيه. بي. جيه. عبد الكلام، لافتًا أن من دواعي فخره أن دار الأزياء "مهدي حسن تايلرز" نالت شرف تصميم الشيروانيات الخاصة بعددٍ من رؤساء الجمهورية وشخصياتٍ وطنية بارزة.
وردًا على أحد الأسئلة، قال أنور مهدي مبتسمًا: "إنه لشرفٌ كبيرٌ لنا، بل هو جزء من هويتنا، أن تكون تصاميمنا خيارهم الأول." وأوضح أن من بين زبائنهم المرموقين الرئيس السابق في. في. غِري، وآر. فِنكات رمن، والدكتور إيه. بي. جيه. عبد الكلام، والرئيس الراحل برنب موخارجي، والرئيس السابق رام ناث كوفِيند، ورئيس الوزراء السابق الدكتور منموهن سينغ، إلى جانب عددٍ من رؤساء حكومات الولايات مثل مُفتي سعيد، وإن. دي. تيواري، وفاروق عبد الله، وكذلك الحاكم عارف محمد خان، والسيد سبط رضي، وعددٍ من أعضاء البرلمان الذين فضّلوا الشيرواني من تصميم مهدي حسن تايلرز. ويضيف أن قضاة المحكمة العليا أنفسهم من بين الذين يعتزون بارتداء شيروانيات عليكراه لما تتميز به من رُقيّ وأناقةٍ تقليديةٍ فريدة.
وذكر مهدي "حين كان الدكتور ذاكر حسين يشغل منصب شيخ الجامعة الملية الإسلامية، كان زوج عمتي يعمل في قسم الدراسات الإسلامية، وهو الذي قدّمه إلى والدي الراحل. ومنذ ذلك اللقاء بدأت علاقة مهنية وإنسانية مميزة بينهما."
ويتابع أنور مهدي قائلاً: "لاحقًا، أصبح الدكتور ذاكر حسين حاكمًا لولاية بيهار، ثم نائب رئيس الجمهورية، وأخيرًا رئيس جمهورية الهند، وخلال تلك الـ18 سنة تم —بحسب السجلات — تفصيل 178 شيروانيًا له. وهذا الرقم بحد ذاته شهادةٌ على جودة عملنا ومعاييرنا الحِرَفية العالية."
وعن علاقة الشيرواني بعالَم بوليوود، يروي أنور مهدي أن الشاعر الكبير مجرُوح السلطانبوري كان من عشّاق ارتداء الشيرواني، وكذلك جاويد أختر وراج ببر الذين دأبوا على ارتداء الشيروانيات من تصميمه.
اقرأ أيضًا: في ذكرى ميلاد السير سيد أحمد خان
وأضاف مبتسمًا: "مؤخرًا كان شيرواني سيف علي خان أيضًا من تصميمنا. فقد تلقيتُ ذات يوم اتصالًا من والدته، طلبتْ فيه أن أذهب إلى مدينة لكناؤ حيث كان سيف علي خان هناك، لأخذ مقاسه بنفسـي. وبعدها تواصل معي سيف علي خان شخصيًا، فسافرت إلى لكناؤ لأخذ المقاسات، ثم أعددتُ الشيرواني له".
ويقول أنور مهدي في حديثه مع "آواز دي وايس": "إذا تحدثنا عن الشيرواني في جامعة عليكراه الإسلامية، فسنجد أن حماس الشباب تجاه هذا الزيّ التقليدي لا يزال كما كان في الماضي. بل يزداد الإقبال عليه بشكلٍ خاص مع اقتراب "يوم السير سيد أحمد خان" لأن هذا اليوم بالنسبة إلى طلاب الجامعة لا يقلّ بهجةً عن العيد." ويضيف: "الشيرواني ليس مجرد لباس، بل هو رمزٌ للحماسة والاحترام والتقاليد الراسخة التي لا تزول مع مرور الزمن".