رحلة راني خانم الملهمة في عالم الكاثاك

23-07-2025  آخر تحديث   | 23-07-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
رحلة راني خانم الملهمة في عالم الكاثاك
رحلة راني خانم الملهمة في عالم الكاثاك

 


أونيكا ماهيشواري/نيودلهي

وُلدت راني خانم في أسرة محافظة كانت تعتبر الرقص والغناء أمرين غير مقبولين. ومع ذلك، استطاعت أن ترتقي لتصبح واحدة من أبرز رموز فن الكاثاك في العالم.

وتُعدّ رحلتها من المقاومة الهادئة إلى الشهرة العالمية قصة ملهمة تجسّد الشجاعة والإبداع والثقة بالنفس.

ولا تُعرف راني ببراعتها في أداء الكاثاك فحسب، بل لاستخدامها هذا الفن الكلاسيكي كصوت لمن لا صوت لهم.

ومن خلال عروضها الفنية، دافعت راني خانم عن تمكين المرأة وسلّطت الضوء على قضايا اجتماعية بالغة الأهمية.

وقد قدّمت عروضًا فنية مع فرقتها في عدد من الدول، منها المملكة المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، والجزائر. وهي أيضًا مؤسِّسة مركز "آمد للفنون الأدائية"، الذي أنشأته في عام 1996م.

اليوم، يُعترف بمركز "آمد للفنون الأدائية" كأحد أبرز المؤسسات الفنية في الهند. وتحت قيادة راني خانم، قدّم المركز العديد من العروض التي تناولت قضايا مثل حقوق المرأة، والمساواة بين الجنسين، والتوعية بفيروس نقص المناعة (الإيدز)، ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة.

ويحظى المركز باعتراف وزارة الثقافة، وأكاديمية سانغيت ناتك، وهو مُدرج لدى المجلس الهندي للعلاقات الثقافية. كما يتعاون مع "كاثاك كيندرا"، المعهد الوطني لفن الكاثاك في الهند، لتعزيز تعليم الفنون بأسلوب شامل ومتاح للجميع.

وبدأت قصة راني في غوبال غانج في ولاية بيهار، حيث وقعت في غرام الكاثاك وهي طفلة. ومارستها سرًا لسنوات، مُخفيةً آلاتها الموسيقية، مثل أساور القدم (الغهونغرو)، والهارمونيوم، والطبلة، لإخفاء شغفها عن عائلتها.

وعندما طُرح موضوع الزواج في منزلها، اختارت راني السعي وراء حلمها بدلًا من الانصياع للتقاليد. ورغم أن عائلتها لم تُوقفها علنًا، فإن وطأة التوقعات المجتمعية والصراعات الداخلية كانت تُخيم عليها.

وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائي في مظفّربور، انتقلت إلى دلهي في الصف الثالث. وقد ظهرت موهبتها الفطرية وارتباطها العميق بالموسيقى والحركة في وقت مبكر.

وبدأت تدريبها الرسمي على فن الكاثاك على يد الأستاذ وطن خان في عام 1978م، ثم واصلت دراستها مع ريفا فيديارثي، ولاحقًا مع البندت بيرجو مهاراج. ولا تزال تقديرها لتقليد "الغورو شيشيا" (العلاقة بين المعلم والتلميذ) ركيزة أساسية في فلسفتها الفنية.

وعلى مرّ السنين، بنت راني خانم هوية فنية فريدة. وبصفتها مصممة رقص ومؤدية، فقد فتحت آفاقًا جديدة في عالم الرقص الكلاسيكي الهندي.

وأثّر عمل راني خانم من خلال مركز "آمد" في حياة أكثر من مليوني شخص عبر العروض الفنية وورش العمل والمهرجانات وبرامج التدريب.

ويقدّم "آمد" تدريبًا احترافيًا في مجالي الرقص والموسيقى للفنانين الشباب من مختلف القدرات، وكثير منهم ينحدرون من خلفيات اقتصادية متواضعة ويحصلون على منح دراسية لمساعدتهم في تحقيق أحلامهم. كما يوفر المركز فرص عمل للفنانين من ذوي الإعاقة، والنساء، والمجتمعات المهمّشة.

ومن أبرز أعمال راني وأكثرها تأثيرًا: عروض مستوحاة من التصوّف، وأداءات لفنانين من ذوي الإعاقة الحركية وهم على الكراسي المتحركة، وتصميمات رقص تعبّر عن حقوق المرأة المسلمة وتدافع عنها.

وقُدّمت هذه الأعمال في عدد من أبرز المسارح والمهرجانات العالمية. وكان أكبر عرض دولي لفرقة راني خانم في كوالالمبور، بحضور ملك ماليزيا وملكته ورئيس الوزراء.

وفي لندن، شاركت فرقتها في مهرجان "سلام" الدولي للفنون الإسلامية إلى جانب نخبة من أشهر الموسيقيين الصوفيين والمؤدين من مختلف أنحاء العالم.

ومن بين المهرجانات البارزة الأخرى التي شاركت فيها: "نمستيه فرنسا"، ومهرجان الأغنية والرقص التقليدي الآسيوي في كوريا الجنوبية، ومهرجان الرقص الاستوائي في هولندا، ومهرجان "إيريسينغ بوردرز" في نيويورك.

وقد مثّلت فرقة راني خانم الهند في فعاليات ثقافية بمختلف أنحاء كندا وأستراليا واليابان وسنغافورة والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشمال إفريقيا.

وتعاونت راني مع موسيقيين صوفيين من تركيا والقاهرة والبوسنة والمغرب، وتعكس رؤيتها الروحية للتصوف بُعدًا شخصيًا عميقًا.

وتنتمي عائلة راني إلى الطريقة الصوفية الجشتية، وقد أثّرت تجاربها في حضور المجالس الصوفية، وعروض القوّالي، وملتقيات السَّماع التي تبلغ فيها الموسيقى ذروتها الروحية، تأثيرًا عميقًا في رؤيتها الفنية.

وعلى مرّ السنين، حظي عمل راني بتقدير واسع من مختلف شرائح المجتمع، بدءًا من الناس العاديين وصولًا إلى كبار قادة البلاد. وقد نالت تصميماتها الراقصة إشادة من رئيس الجمهورية، ونائب الرئيس، ورئيس الوزراء، وكبار الوزراء، وحكام الولايات، وغيرهم من الشخصيات البارزة.

وقد قامت راني بتصميم أكثر من 200 عمل راقص تنوّعت بين الكلاسيكي والمعاصر، وتناولت قضايا اجتماعية وإنسانية. ويُجمع النقاد الفنيون، الهنود والدوليون، على أنها من أكثر فناني الكاثك ابتكارًا وتعبيرًا في جيلها.

وقد أُدرج اسمها ضمن فئة "المتميّزين" من قبل المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، كما تُصنَّف ضمن فئة "الفنانين الأعلى" في تلفزيون دوردارشان الرسمي في دلهي.

اقرأ أيضًا: شاب من تشامباران يصنع الفرص للآخرين في الخليج

وحازت راني خانم على العديد من الجوائز المرموقة تقديرًا لإسهاماتها الريادية في فن الكاثك، من أبرزها: جائزة "إنجازات المرأة" عام 2022م، وجائزة "الوحدة الوطنية" عام 2017م، وجائزة "لورِيال فِمينا للنساء" عام 2014م، وجائزة "التميّز الوطني للمرأة" عام 2012م، وجائزة "أفضل راقصة كاثاك" من مؤسسة الهند عام 1991م.

وبالنسبة لراني، الكاثاك ليس مجرد فن أداء، بل رحلة روحية عميقة. وعملها تجسيدٌ للتفاني الداخلي، مُعبّرًا عن الرقص الخالد بين الروح والخالق. ومن خلال رقصها، بنت جسورًا بين التقاليد الكلاسيكية وأهميتها المعاصرة، بين العمق الروحي والابتكار الفني، وبين الهويات الدينية والثقافية المتنوعة في الهند.

قصص مقترحة