مانداكيني ميشرا /رايبور
في السنوات الأخيرة، برزت في ولاية تشاتيسغاره شخصيات قليلة في ميدان سياسة الأقليات والإصلاح الاجتماعي، ويُعَدّ الدكتور سليم راج أحد أبرز هذه الوجوه. فقد كان عضوًا قديمًا في حزب بهاراتيا جاناتا، ويشغل اليوم منصب رئيس مجلس الأوقاف في تشاتيسغاره بمرتبة وزير في الحكومة.
ولا تمثّل مسيرته قصة نجاح سياسي فحسب، بل تجسّد رحلة رجلٍ عازمٍ على تحويل المؤسسات الدينية من بؤرٍ للخلاف إلى محركاتٍ للتنمية الاجتماعية والوطنية. وكما يقول دائمًا: "يجب ألا تكون المؤسسات الدينية مراكز للجدل، بل شركاء في مسيرة تقدم الوطن".
وبدأت رحلته عام 1992 م حين انضم إلى حزب بهاراتيا جاناتا في فترةٍ كان فيها قادة الأقليات داخل الحزب نادرين. وعلى مدى العقود التالية، صعد بثبات في صفوف الحزب، حيث خدم في مناصب تنظيمية على مستوي المقاطعة والولاية ثم المستوى الوطني. وفي الفترة بين 2016م و2020م، تولّى رئاسة جناح الأقليات على مستوى الولاية، ليبني سمعةً طيبة في التواصل المجتمعي وبناء التوافقات. وقد شكّل هذا المسار الأساس لدوره الحالي كرئيس لمجلس الأوقاف، حيث برز كقائد إصلاحي يجمع بين الكفاءة الإدارية والمصداقية الشعبية.
ومنذ تولّيه المنصب، أعلن الدكتور راج أن رئاسته ستقوم على الشفافية والمساءلة، وكان من أول قراراته إطلاق حملة شاملة لتحرير أملاك الأوقاف من التعديات. وبحسب تقديراته، فإن نحو 85 في المئة من أملاك الأوقاف كانت خاضعة لاحتلال غير قانوني. ولم يكن هدفه مجرد استعادتها، بل إعادة توظيفها لخدمة التعليم والرعاية الاجتماعية.
ومن أبرز خطواته أيضًا تدخّله في تنظيم الأعراف المرتبطة بعقود الزواج، إذ أصدر توجيهًا يحدّد الأجر الأقصى لرجال الدين مقابل عقد النكاح بمبلغ 1,100 روبية فقط، لتخفيف الأعباء عن الأسر الفقيرة. وأسهم القرار في جعل مراسم الزواج أكثر يسرًا للعائلات محدودة الدخل، مؤكّدًا أن الإصلاح الإداري يمكن أن ينعكس مباشرة على حياة الناس اليومية.
كما تصدّى لاستخدام المنابر الدينية لأغراض سياسية، فبقيادته أصدر مجلس الأوقاف إرشادات تُلزم بأن تكون خطب الجمعة مستندة إلى محاور معتمدة مسبقًا. ولم يكن الهدف تقييد الخطاب الديني، بل ضمان أن تبقى المساجد منابر للوئام والتعليم، لا للتحريض والانقسام. وقد أثار القرار موجة من التأييد والانتقاد وتعرّض إثره لتهديدات، لكنه واصل جهوده مؤمنًا بأن المؤسسات الدينية لا تُحترم إلا إذا انسجمت مع المسؤولية الاجتماعية والمصلحة الوطنية.
ومن بين قراراته اللافتة توجيهه برفع العلم الوطني فوق كل مسجد بمناسبة يوم الاستقلال، قائلاً: "المسجد الذي لا يرفع العلم ثلاثي الألوان يُعرّض نفسه لأن يُعامَل ككيانٍ منفصل عن الأمة". ويرى أن الوطنية والإيمان قوتان متكاملتان فيما يسميه "العلمانية الحقيقية". كما دعا إلى أن تُسهم المساجد في التعليم، وأن تُسخّر أملاك الأوقاف لتوسيع مجالات التعليم والرعاية الاجتماعية.
وقد أثارت مبادراته إعجابًا وانتقادًا في آنٍ واحد؛ فأنصاره يرونه مصلحًا شجاعًا، بينما يتهمه خصومه بتجاوز الحدود. غير أن النتائج واضحة: إذ أسهم تركيزه على الخطاب البنّاء والتعليم المجتمعي في خفض التوترات الطائفية وتعزيز روح الشمول. وفي ظل قيادته، بدأ المجلس مسحًا شاملًا لممتلكاته وتنظيم الإيجارات، مما أدى إلى زيادة ملموسة في الإيرادات ومنع سوء الاستخدام.
ورحّب الدكتور راج بالتعديلات الأخيرة على قانون الأوقاف، واصفًا إياها بـ"التاريخية"، ومتوقعًا أن تعزّز الحماية والشفافية في إدارة الأملاك. وقال إن الإطار القانوني الجديد سيجعل عمل المجلس أكثر تنظيمًا ومؤسسية، مؤكدًا أن الإصلاح ليس أرقامًا فحسب، بل رؤية جديدة لدور المؤسسات الدينية في المجتمع الحديث، تربط الموارد الدينية بالتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية.
وبحسب الأرقام التي أعلنها، فقد تم تحرير نحو 85 في المئة من الأملاك ضمن مبادرته الإصلاحية، وتُوجَّه اليوم إلى المدارس والمستشفيات وبرامج العمل، مما يحقق فوائد ملموسة للناس. ويتمثّل هدفه الأسمى في تحويل مجلس الأوقاف إلى مركز موارد يخدم التعليم والرعاية الصحية وفرص التوظيف.
وفي خطاباته، يؤكد دائمًا أن المؤسسات الدينية يجب أن تشارك بفعالية في التنمية الوطنية، وأن تُسهم في بناء الأمة والمجتمع معًا. وقد حفّز هذا النهج مؤسساتٍ دينية أخرى على إعادة التفكير في مسؤولياتها.
ويُنظر اليوم إلى الدكتور سليم راج باعتباره استراتيجيًا سياسيًا ومصلحًا ذا رؤية بعيدة. فقد أسهمت سياساته في تعزيز مكانة المجتمع المسلم وتقوية النسيج الاجتماعي والاقتصادي في تشاتيسغاره. سواء في استعادة الممتلكات الوقفية أو تطوير التعليم أو تعزيز الانسجام المجتمعي، ظلّ يسعى إلى مواءمة الموارد الدينية مع الصالح العام.