دانش علي/ جامو
يُقال إن النجاح لا يُقاس بما يحققه الإنسان فحسب، بل بما يتجاوزه من عقبات في طريقه. وهذه الفكرة تنطبق بعمق على قصة حياة غلام نبي تانترَي — التربوي، والمهتم بالرياضة، والعامل في المجال الاجتماعي.
ونشأ تانترَي في بيئة تقوم على البساطة والصدق وروح الخدمة. أكمل تعليمه الابتدائي في "آيات مُلاَّ"، والتعليم الثانوي في "بانديبورا"، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإنسانية من "سوبور". وفيما بعد، تابع دراسته ونال دبلوم الدراسات العليا في الإدارة من جامعة كشمير، وهو ما مهّد الطريق لانطلاق مسيرته المهنية.
وفي سن السادسة والعشرين، بدأ تانترَي عمله كمقاول حكومي، وهي مهنة استمر فيها حتى عام 2003م. ولكنه، كما يذكر دائمًا، كان يشعر في داخله بنداء دائم يجذبه نحو التعليم وتنمية الشباب.
واستجابةً لذلك النداء الداخلي، أسّس كلية التربية (B.Ed.) في بانديبورا — وكانت تلك خطوة فارقة في حياته وفي حياة العديد من الطلاب الشباب في المنطقة.
ولم تكن الكلية تقتصر على منح الشهادات فحسب، بل كانت تمنح التوجيه والرؤية لمئات الطلاب من شمال كشمير ومناطق أخرى، وساعدتهم على اكتساب المهارات والثقة بالنفس ليصبحوا معتمدين على ذواتهم.
وُلد نبي في أسرة بسيطة، وانطلق من قرية أَجَر النائية في منطقة بانديبورا ليصبح شخصية مرموقة في المشهدين التعليمي والاجتماعي في جامو وكشمير.
وإيمانًا منه بالتنمية الشاملة، كرّس تانترَي جهده أيضًا للرياضة. ففي عام 2014م، كان جزءًا من فريق الفنون القتالية الهندي الذي مثّل البلاد في فعالية دولية أُقيمت في إيران.
وقد دفعه شغفه بالرياضة إلى تولّي مناصب قيادية، منها نائب الرئيس الأول لاتحاد الكيك بوكسينغ في الهند، ونائب رئيس اتحاد الرجبي في جامو وكشمير.
ونظّم تانترَي العديد من الفعاليات الرياضية على المستوى الوطني في بانديبورا، بل وحرص على تأمين الإقامة للاعبين القادمين من خارج المنطقة. وتحت رعايته وتوجيهه، بدأت اللاعبة تجّمل إسلام، التي أصبحت اليوم اسمًا عالميًا في رياضة الكيك بوكسينغ، مسيرتها الرياضية.
وفي عام 2015م، خطا تانترَي خطوة كبيرة إلى الأمام بتأسيس "مدرسة دون إنترناشونال" في تشوادهِي بجامو. وقد بدأ هذا المشروع كحلم لتوفير تعليم عصري متجذر في القيم الهندية الأصيلة، وتحولت المدرسة اليوم إلى واحدة من أبرز المؤسسات التعليمية في المنطقة.
وبصفته رئيس مجلس الإدارة، يحرص تانترَي على أن توفّر المدرسة ما يتجاوز التعليم الأكاديمي التقليدي. فمن الفصول الدراسية الشاملة، والتركيز على الصحة النفسية، إلى بيئة خالية من التلوث ومساحات تعليمية مبتكرة — تعكس "مدرسة دون إنترناشونال" رؤيته في إعداد مواطنين يتمتعون بالتعاطف والكفاءة.
وقال تانترَي "لم نكن نسعى لبناء مدرسة فقط، بل أردنا إنشاء مكان يلتقي فيه التميّز بالقيم".
وعلى مرّ السنوات، حظي عمل تانترَي بتقدير واسع، حيث تم تكريمه بعدد من الجوائز المرموقة، من بينها: جائزة راشتريا غوراف، وجائزة القيادة والتعليم الدولية، وجائزة Cyber Media Global Achievers التي قدّمها له سفير الهند في دولة الإمارات العربية المتحدة.
كما نال أيضًا إشادة خاصة من قِبل كبير وزراء جامو وكشمير الأسبق عمر عبد الله، تقديرًا لإسهاماته المتميزة في قطاع التعليم في الإقليم.
وفي عام 2023م، مُنح تانترَي شهادة الدكتوراه الفخرية في الأدب من جامعة أمريكا الجنوبية — وهو تكريم نادر يُمنح اعترافًا بإسهاماته في مجالي التعليم والخدمة الاجتماعية.
وخلال جائحة كوفيد-19، تقدّم تانترَي لدعم إدارة منطقة بانديبورا، حيث قدّم مساعدات أساسية للفئات الفقيرة والمحتاجة. كما كان له دور بارز في أعمال الإغاثة خلال الفيضانات المدمرة التي شهدتها كشمير.
وعلى الرغم من كل الجوائز والتكريمات التي نالها، لا يزال تانترَي مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بجذوره. فهو يواصل دعم الأسر المحتاجة في قريته الأم "أَجَر"، ويعمل على إرشاد وتوجيه الشباب من المناطق النائية، ويواصل الابتكار في قطاع التعليم من خلال "مدرسة دون إنترناشونال" في جامو.
وإن حياته ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي انعكاس حقيقي لكيف يمكن للإيمان، والهدف، والعمل — حين تجتمع — أن تُحدث تغييرًا هادفًا في المجتمع.
وبينما تسعى جامو وكشمير جاهدةً لبناء مستقبل أفضل من خلال التعليم والفرص، تُجسّد رحلة غلام نبي تانتراي مثالاً ساطعًا على كيف يُمكن أن يصبح فرد واحد قوةً للتغيير والتحول الإيجابي.
وفي كل طالبٍ يجرؤ على الحلم، وفي كل مُعلّمٍ يثبت، وفي كل طفلٍ يلتحق بمدرسة دون إنترناشونال بأمل، يتردد صدى روح غلام نبي تانتراي.