ميمونة نرجس تبث الحياة في قطع التاريخ المكسورة

20-09-2025  آخر تحديث   | 20-09-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
ميمونة نرجس
ميمونة نرجس

 


 فرحان إسرائيلي/جايبور

يُعدّ حفظ الفنون مجالًا لا يقتصر على صون التاريخ فحسب، بل يربط الأجيال بإرثها الثقافي. وفي هذا المجال برز اسم ميمونة نرجس كأول امرأة مسلمة متخصّصة في حفظ الفنون، حيث صنعت لنفسها هوية فريدة.

قصة ميمونة ليست مجرد نجاح مهني، بل حكاية شغف وكفاح وعزيمة أعادت الحياة لقطعٍ متهالكة من التاريخ. فمنذ طفولتها كانت تحمل شغفًا بالفن، ليتحوّل لاحقًا إلى مسار حياتها الوحيد. وبعد إنهاء دراستها المدرسية، التحقت بكلية الفنون الجميلة في جامعة علي كراه الإسلامية، حيث تبلورت شخصيتها الفنية. غير أنّ الالتحاق ببرنامج الماجستير في الفنون الجميلة لم يكن أمرًا يسيرًا، ما دفعها إلى اختيار دبلوم لمدة عام واحد في علم المتاحف، وهو القرار الذي شكّل نقطة التحوّل الحاسمة في حياتها.

وقادها هذا المسار إلى المتحف الوطني في دلهي، حيث حصلت على فرصة للتدرّب لمدة ثلاثة أشهر. وتقول ميمونة إن تلك التجربة كانت بمثابة دخولها إلى عالم جديد، فقد أُتيح لها أن تلمس التاريخ بيديها لا أن تدرسه فقط في الكتب.

وفي عام 2002م، بدأت العمل كأمينة في حصن جايغره التاريخي في جايبور، ومن هناك انطلقت رحلتها الفعلية في مجال حفظ الفنون.

ولكن هذا الطريق لم يكن سهلاً. فعندما قررت الانتقال إلى دلهي لدراسة علم المتاحف وحفظ الفنون، سخر منها البعض قائلين: "الجميع يحلم بالدراسة في جامعة علي كراه الإسلامية، وأنتِ تتركينها لتذهبي إلى دلهي؟". وكانت التخصصات مثل علم المتاحف وحفظ الفنون غريبة على المجتمع آنذاك، إلا أن والديها آمَنا بأحلامها ووثقا بقدرتها، بل إن والدتها رافقتها إلى دلهي حين ذهبت لتقديم امتحان القبول.

وكان الطريق أمامها مليئًا بالتحديات. فارتداؤها الحجاب جعل بعض العملاء يشكّون في قدراتها. بل إن أحدهم، بعد أن وافق على المشروع والميزانية، توقف عن التواصل معها لأنها محجبة. وفي كثير من الأحيان لم تتقاضَ أجرها في مشاريع العمل الحر. وحين نصحها أهلها بتقديم شكوى، ردّت قائلة: "هذا درس لي، وليس خسارة." لكن السحر الحقيقي لموهبة ميمونة نرغي تجلّى في مشاريعها العملية.

وقامت بجمع التماثيل المكسورة من القرن السادس إلى القرن الثالث عشر في حصن أكبر بأجمر بطريقة جعلت الفواصل غير مرئية. كما قامت بجمع قطع صغيرة من مخطوطة سنسكريتية عمرها 400 عام، مكتوبة بالذهب والحبر في متحف كوتا، وأعطتها الحياة.

وكان أصعب إنجاز لها ترميم اللوحات الملوّنة على أسقف11  غرفة في قصر غره بمدينة جهلور، حيث تمكنت من إنقاذ أسقف ثلاث غرف كاملة من دون أن تزيل أي جزء أو تتسبب في أي ضرر.

كما حظيت أعمالها باهتمام واسع في مطاري جايبور وبومباي. ففي مطار بومباي، قامت بترميم لوحة قماشية ضخمة تبلغ مساحتها5000  قدم مربع حول تاريخ الماراثا، فأزالت منها الفقاعات لتظل حتى اليوم محافظة على جمالها وكأنها جديدة.

وخلال فترة تدريبها في راشتراباتي بهاون، قامت ميمونة بإنقاذ لوحات تاريخية مرسومة على الأبواب الخشبية. وفي المتحف الوطني عملت على ترميم كتب تاريخية ثمينة مثل بابر نامه وأكبر نامه وشاهجهان نامه وجهانغير نامه.  كما أعادت الحياة إلى ملابس الملوك والمهاراجات، ولوحة "بيشواي"  التالفة في متحف ألبرت هول.

وإلى جانب التاريخ، تُظهر ميمونة وعيًا بيئيًا عميقًا.  فهي تقول إن عمر الإسمنت لا يتجاوز 30 عامًا، بينما يستمر الجص الهندي التقليدي المصنوع من السورخي والجير لآلاف السنين، إذ يتميز بكونه صديقًا للبيئة، ورخيصًا، ومتينا. وفي دهرادون شيّدت مبنى مستوحى من تصميم قصر عمرها400  عام، كما أنجزت البيتَ الريفي في غورغاون، مستخدمة في كلا المشروعين المواد التقليدية.

وفيما يخص التكريمات والجوائز، فقد حصلت ميمونة على3  جوائز وطنية و28 جائزة على مستوى الولايات. كما نالت تكريمًا من مؤسسات مثل كوروشيترا في هاريانا، وجامعة جامو، واتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية.

ويتمثل حلمها في إنشاء منتجع تراثي مبني من الطين وبالطراز التقليدي في ولاية مادهيا براديش، بالإضافة إلى إعادة تزيين معبد أثري عمره500  عام في ماثورا.

وتتمنى ميمونة أن تعود الهند إلى احتضان جذورها الثقافية وموادها التقليدية في البناء والفنون. كما قررت أن تدوّن رحلتها في كتاب، ليعرف الجيل القادم ما يمكن تحقيقه بالشغف والعمل الجاد والمثابرة.

ووُلدت ميمونة في باهجوي، وهي بلدة صغيرة في منطقة مراد آباد بولاية أوترابراديش، حيث عاشت طفولة بسيطة لكن بأحلام كبيرة. وكان والدها يعمل في شرطة الولاية، وظلّت عائلتها دومًا تشجعها وتدفعها إلى الأمام. واليوم استقرّت في جايبور.

اقرأ أيضًا: عارف خان.. عالم هندي يحوّل التحديات إلى ابتكارات تنقذ الأرواح

وتحمل قصتها رسالة واضحة: أن المرأة، مهما كان خلفيتها، إذا امتلكت الشغف والشجاعة والموهبة، فإنها قادرة على صناعة التاريخ ومنح المجتمع اتجاهًا جديدًا. وإن ميمونة نرغي ليست مجرد اسم، بل أصبحت رمزًا للثقافة والإخلاص والتمكين.