بانو مشتاق: من المحلية إلى منصة البوكر العالمية

24-05-2025  آخر تحديث   | 24-05-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
بانو مشتاق: من المحلية إلى منصة البوكر العالمية
بانو مشتاق: من المحلية إلى منصة البوكر العالمية

 


مجيب الرحمن*

 بانو مشتاق، الكاتبة الكانادية البارزة البالغة من العمر 77 عامًا، سطّرت اسمها في تاريخ الأدب الهندي والعالمي بعدما أصبحت أول امرأة تكتب بلغة الكانادا وتحصد جائزة دولية مرموقة. ولم يكن فوزها مفاجئًا لمن يعرفون مسيرتها الأدبية التي امتدت لعقود، والتي ركّزت خلالها على تقديم صوت حقيقي لحياة النساء المسلمات في جنوب الهند.

وُلدت بانو في مدينة "حسن" بولاية كرناتاكا عام 1948م، ونشأت في بيئة تقليدية لم تكن تمنح النساء حرية الاختيار. والتحقت بمدرسة تبشيرية، وتخصصت لاحقًا في اللغة الكانادية، حيث تعمقت في قراءة الأدب المحلي والعالمي. وهذا الانفتاح جعلها تدرك أهمية تقديم سرد صادق لمعاناة النساء، خاصة المسلمات، في مجتمع محافظ.

الالتزام الاجتماعي وتجربة المقاومة

في ثمانينات القرن الماضي انضمت بانو مشتاق إلى الحركات اليسارية والتقدمية في ولاية كرناتاكا العاملة في مجال تمكين النساء، فدافعت بقوة عن حق النساء المسلمات في دخول المساجد، حيث كانت المرأة المسلمة الهندية وما زالت لا يحبذ دخولهن في المساجد إلا في بعض المناطق مثل ولاية كيرالا، وحقهن في التعليم والتعبير، وما زالت الكاتبة تعمل بنشاط وقوة في مجال تمكين المرأة، ما جعلها ليست فقط كاتبة بل مناضلة لحقوق المرأة.

"مصباح القلب": صور المرأة المسلمة في الأدب الكانادي الحديث

تمثل مجموعة "مصباح القلب" (Heart Lamp)، ذروة أعمال الكاتبة بانو مشتاق، وتضم اثنتي عشرة قصة قصيرة كتبتها على مدار ثلاثين عامًا (1990 – 2023)، حيث تصور الكاتبة من خلالها عوالم النساء المسلمات في جنوب الهند. وفي هذه القصص، لا تصور مشتاق المرأة على أنها ضحية، بل تقدمها كشخصية مقاومة، ومتأملة، ممارسةً حريتها مع أنها على تعيش على هامش المجتمع. وتعالج القصص قضايا مثل العنف الأسري، والتمييز الجنسي، والضغوط الدينية، والزواج القسري، وصراع الذات مع السلطة. ولكن السرد لا يغرق في الحزن، بل يأتي بلغة حادة وشعرية، ينسج تجربة وجودية مشحونة بالسخرية والحنين والمرارة في آنٍ واحد.

ويتميّز أسلوب بانو مشتاق بمزج ذكي بين اللغة العامية واللغة الأدبية، وبين الشعري واليومي، وبين السرد الذاتي والتاريخي. وهي كاتبة تكتب من الداخل، لا من الخارج؛ من قلب المجتمعات التي تمثّلها لا من موقع الرقيب أو المراقب عن بعدٍ.

أثر الجائزة وتحول في الوعي الأدبي العالمي

لفتت جائزة بوكر الدولية لبانو مشتاق انتباه العالم إلى الأدب الكانادي، الذي ظل لعقود مهمشًا في المشهد الهندي ذاته، ناهيك عن المشهد العالمي. وبدأت المكتبات في بنغالورو وبقية كرناتاكا تشهد زيادة غير مسبوقة في مبيعات "مصباح القلب"، كما بدأت دور نشر عالمية تُبدي اهتمامًا بترجمة أعمال أخرى لبانو مشتاق إلى لغات أجنبية.

واعتبر كثير من المثقفين والنقّاد، ومن بينهم شاشي ثارور وسيدارامايا، أن هذا الفوز ليس تكريمًا لفرد فحسب، وإنما هو إعادة الاعتبار لأدب الأقاليم، وللكاتبات المسلمات، وهو مساءلة لمركزية الأدب المكتوب بالإنجليزية في الهند. وقالت رئيسة جامعة علي كراه الإسلامية الأستاذة نعيمة خاتون في رسالة تهنئة  إلى بانو: "بالنيابة عن أسرة جامعة علي كراه الإسلامية، أتقدم بأحر التهاني إلى بانو مشتاق بمناسبة فوزها بجائزة البوكر الدولية لعام 2025م. وإن هذا الإنجاز التاريخي لا يُعد لحظة انتصار شخصي فحسب، بل هو احتفال بالأدب الهندي وقوة التعبير التي يتمتع بها فن القصة القصيرة. وإن السرد المؤثر في "مصباح القلب" يجسد ثراء اللغات الهندية وعالمية التجربة الإنسانية. ولقد جلبت أعمالها، المفعمة بالتعاطف والبصيرة، اعترافًا عالميًا بالأصوات الإقليمية. ونحن فخورون جدًا بها ومُلهمون بنجاحها".

ويقول الكاتب فيفيك شانباغ: "هذه لحظة فخر واعتزاز، ليس فقط لجميع الناطقين باللغة الكانادا، بل لجميع الهنود. لطالما استلهمت بانو مشتاق من نشاطها في قصصها. لطالما دافعت عن العدالة وعارضت العنف، ليس فقط ضد النساء، بل ضد الجميع. مع أن هذه المجموعة تصور النساء المسلمات في جنوب الهند، إلا أنه يجب ألا نحصرها في كونها امرأة أو مسلمة، فقصصها تتناول معنى الإنسانية".

الإرث الثقافي والتحول المفاهيمي

 بانو مشتاق ليست مؤلفة قصص فقط بل هي مفكرة نسوية، وصوت احتجاج جماعي، ومحرزة مكانة جديدة للمرأة الكانادية المسلمة في عالم الأدب. وأعمالها تمثل تحولاً من أدب الشكوى إلى أدب المقاومة والتحدي، ومن الضحية إلى استعادة الذات الأنثوية. وتقوم الكاتبة  في مجموعة "مصباح القلب" بإعادة تعريف "الهامش" الذي يملك الكرامة، ويظهر المقاومة والتحدي للضغوطات الأسرية والقيم الاجتماعية القمعية ويحمل أحلامًا لغد مشرق أفضل.

وبعد هذا الفوز التاريخي، لم تصبح بانو مشتاق فقط رمزًا أدبيًا للكاتبات الهنديات، خاصة لأولئك اللاتي يكتبن باللغات المحلية، بل أصبحت كتاباتها تضيء المناطق المظلمة في الوعي المجتمعي الهندي، كما تمهد الطريق للأديبات والأدباء الهنود الذين يكتبون بلغات محلية للوصول إلى العالمية عن طريق الترجمة، تمامًا مثل الكاتبة غيتانجيلي شري التي فازت بجائزة البوكر العالمية في عام 2022م عن روايتها "ضريح الرمل" مكتوبة بلغة "هندي" وحقّقت الرواية شهرةً عالميةً واسعةً بعد فوزها بجائزة البوكر.

وقالت الكاتبة بانو عند حصولها على الجائزة "أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين"، واصفة فوزها بأنها لحظة "لا تصدّق".

ومن جانبه، قال رئيس لجنة التحكيم ماكس بورتر إنّ الكتاب "شيء جديد حقا للقراء الناطقين باللغة الإنكليزية، وهي قصص جميلة مفعمة بالحياة".

وفي حوار لها مع قناة "بي بي سي" قالت الكاتبة إنني كاتبة مسلمة فلا بد أن تتماهى كتاباتي مع ذاتي، فكل القيود المفروضة عليّ شخصيًا كامرأة مسلمة تنعكس في كتاباتي، ولذلك كان عليَّ أن أتحرى الدقة والصدق في كل ما أكتب لتعكس تجاربي الحقيقية بكل صدق وأمانة، وبدون الصدق لن تتمتع الكتابات بالمصداقية، مضيفةً أن مساحة حرية التعبير تتلقص يومًا بعد يوم في كل أنحاء العالم.

وأما مترجِمة المجموعة القصصية "ديبا بهاستي" فهي كاتبة ومترجِمة أدبية حائزة على جوائز، تكتب باللغتين الكانادية والإنجليزية. ونُشرت أعمالها النقدية الثقافية ومقالاتها الصحفية في أكثر من أربعين صحيفة ومجلة وطنية ودولية، منها ذا باريس ريفيو، وهيمال ساوث آسيان، وموموس، والغارديان، ومولد، وهايبر أليرجيك، وذا كارافان، وذا هندو، وليتراري هب.

اقرأ أيضًا: الشيخ غلام محمد وستانوي: خادم القرآن ورائد الجمع بين التعليم الديني والعصري

واعتمدت الترجمة الإنجليزية على إبقاء الكثير من المصطلحات الأصلية (بالكانادية، والأردية، والعربية)، ما حافظ على النكهة المحلية للنص، وأتاح في الوقت ذاته للقارئ العالمي النفاذ إلى عالم شديد الخصوصية دون تشويه.

*أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي