يوسف أبو لوز
مَن هي إيزيس كوبيا؟ إنها الكاتبة التي شغلت الناس في أوّل النصف الأول من القرن العشرين: ميّ زيادة، أو ماري زيادة، المولودة في الناصرة شماليّ فلسطين في 11 فبراير 1886م، وأمضت معظم حياتها في مصر إلى حين رحيلها في عام 1941م.
إيزيس كوبيا اسم مستعار كتبت تحته ميّ زيادة قصائد أو خواطر شعرية نثرية تحت عنوان "أزهار الحلم"، نقلتها إلى العربية المترجمة نجاح الجبيلي. وصدرت هذه الترجمة عن دار غاف في دبي، قبل أيام، وبذلك، أخذت الطبعة الأولى من هذه الترجمة تاريخ إصدار 2026م، وهو سبق نشري إماراتي لكتاب أديبة عربية كانت تشكل ظاهرة فكرية وثقافية نسائية قبل نحو قرن هو زمن الكبار العرب في الأدب والفكر والترجمة والفنون.
نستفيد هنا كثيرًا وبشكل أساسي من المقدّمة الموجزة لهذا الكتاب الذي يقع في 150 صفحة من القطع الوسط، أن مجموعة "أزهار الحلم" صدرت في عام 1910م باللغة الفرنسية، وهي أوّل مجموعة شعرية لميّ زيادة، وجاء في المقدّمة أن "أزهار الحلم" (ليس ديوانًا شعريًا فحسب، بل، هو إعلان أدبي يعكس سعي شابة موهوبة لإثبات هويتها في عالم أدبي كان يهيمن عليه الرجال من خلال قصائدها الرقيقة والقوية في آنٍ.
من الواضح هيمنة الروح الرومانسية على هذه النصوص النثرية الباذخة اللغة والرقيقة المعاني والأفكار، وهنا، أسمّي هذه المجموعة نصوصًا وليست قصائد بالمعنى المتعارف عليه لشكل وطبيعة القصيدة العربية الكلاسيكية، وفي الوقت نفسه، من الصعب توصيف هذه النصوص على أنها قصيدة نثر، وذلك لكثافة روحها الرومانسية الغنائية، وهي روح ثقافية كانت سائدة بقوة في زمن ميّ زيادة.
في كل الأحوال نحن أمام أدب، ربما، يُقرأ بالعربية للمرة الأولى في تاريخ ميّ زيادة. وبصرف النظر عن كون هذه النصوص قصائد أو خواطر أو اعتبارها نثرًا فنيًا، فنحن أمام روح إنسانية بالغة الشفافية، وبخاصة حين تكتب عن لبنان، المكان والنّاس والرّوح.
لبنانية ميّ زيادة ظاهرة تمامًا في هذه النصوص.. "والدها لبناني وأمّها فلسطينية ووعيها الحياتي والثقافي في مصر". لبنانيتها أيضًا تكشف بهدوء عن حقيقة اسمها المستعار، فما من قارئ حرفي أو (حفري) إلّا ويعرف من خلال هذه النصوص أن كاتبتها إمّا لبنانية الأصل، أو لبنانية الهَوَى، أو مصرية التكوين.
اقرأ أيضًا: حرية المرأة في العهد النبوي وتراجعها في المجتمع المسلم المعاصر في الهند
إليك هذه الفقرة عن قرية عين طورة قضاء المتن في جبل لبنان: "عين طورة. اسمك ذكرى عزيزة حقًا، أنت أزمنة الماضي، بملامح خالدة، أنت الحدائق القديمة، والعطور المحبّبة، أنت سحر الضحكات، وجمال الساعات".