مجيب الرحمن*
الهند واحدة من الدول العشر الأكبر المنتجة للقهوة في العالم، وتُعرف بقهوتها الخاصة، المعتدلة، والعطرة، وهي تزرع عادة في الظل في ظروف هندية صديقة للبيئة. وتتمتع القهوة الهندية بسمعة عالية في الأسواق العالمية، وتُعرف بنكهتها المميزة، والتي تعتبر أقل حموضة وأكثر كثافة من أنواع القهوة المنتجة في مواقع أخرى.
وأما فيما يخص زراعة القهوة في الهند فتعود إلى القرن الثامن عشر، حيث يروى أن الولي الصوفي بابا بودان أحضر سبع بذور بن من اليمن وزرعها على تلال شاندراجيري في تشيكاماجالورو، (كارناتاكا حاليًا). ومنذ ذلك الحين، تطورت القهوة من محصول زراعي صغير إلى سلعة تجارية رئيسة، تُسهم بشكل كبير في تأمين سبل العيش لسكان الأرياف وتسهم في زيادة عائدات التصدير. وتزرع القهوة بشكل أساسي في الولايات الجنوبية تحت طبقتين مظللتين. وتزرع هذه نباتاتها مع التوابل الهندية مثل الهيل والفلفل والفانيليا، التي تُضيف نكهات فريدة إلى حبوب البن. ويشرف المجلس الهندي للقهوة وتم إنشاؤه في عام 1942م على صناعة القهوة، وهو مكلف بإجراء أبحاث القهوة وتوسيع نطاق المحاصيل الهندية من القهوة ونشرها وترويج صادراتها، ويضمن الجودة والقدرة التنافسية في الأسواق العالمية.
أنواع القهوة المزروعة في الهند
تُنتج الهند بشكل رئيسٍ نوعين من القهوة: أرابيكا وروبوستا. يُشكل بُنّ أرابيكا (Coffea Arabica) حوالي ٣٠-٣٥٪ من إجمالي إنتاج القهوة في الهند. وهو معروف بنكهته المعتدلة ورائحته الزكية وقيمته السوقية العالية. ويتطلب بُنّ أرابيكا درجات حرارة أكثر برودة، ويُزرع غالبًا على ارتفاعات أعلى (٩٠٠-١٨٠٠ متر).
ويُشكل بُنّ روبوستا (Coffea Canephora) حوالي ٦٥-٧٠٪ من الإنتاج. ويتميز بصلابة أكبر ومقاومة أكبر للآفات والأمراض، كما أنه يُنتج إنتاجًا أعلى. وتتميز حبوب روبوستا بنكهة أقوى ومحتوى أعلى من الكافيين، مما يجعلها مثالية للقهوة المخلوطة والقهوة سريعة التحضير.
وتشتهر الهند أيضًا بالعديد من الأصناف المميزة، مثل مونسونيد مالابار، ومايسور ناجتس إكسترا بولد، وبابابودانجيري أرابيكا، والتي تحظى بسوق متخصصة عالميًا بفضل خصائصها الفريدة في المعالجة والنكهة.
ولايات زراعة القهوة الرئيسة
تُزرع القهوة على مساحة تُقارب 450 ألف هكتار في جميع أنحاء الهند، وخاصةً في الولايات الجنوبية. وتعد ولاية كارناتاكا المنتجَ الأكبر للقهوة حيث تُساهم بحوالي 70% من إجمالي إنتاج القهوة في الهند. وتشمل المناطق الرئيسة تشيكاماغالورو، وكوداغو، وحسن، فيما تحتل كيرالا المرتبة الثانية، حيث تُمثل حوالي 20% من إجمالي إنتاج القهوة، وتتركز مزارع القهوة في واياناد، وإيدوكي، وبالاكاد. وأما ولاية تاميل نادو فهي تسهم بحوالي 6% من إنتاج القهوة، وخاصةً من تلال نيلجيريس، ويركود، وشيفاروي.
وتشمل مناطق زراعة القهوة الناشئة ولايتي آندهرا براديش وأوديشا في منطقة غاتس الشرقية، وأروناتشال براديش وميزورام وميغالايا في شمال شرق البلاد، حيث يتم الترويج لزراعتها في إطار برامج حكومية.
صادرات القهوة الهندية
تُصدّر الهند أكثر من 70% من إنتاجها من القهوة، مما يجعل القهوة مصدرًا حيويًا لجلب العملات الأجنبية. ووفقًا لمجلس القهوة الهندي، بلغت قيمة صادرات القهوة 1.29 مليار دولار أمريكي (10,700 كرور روبية هندية) خلال الفترة 2023-2024، بحجم تصدير يبلغ حوالي 390,000 طن. والاتحاد الأوروبي هو أكبر مستورد للقهوة الهندية، حيث يستحوذ على ما يقرب من 55% من صادرات القهوة الهندية. وتشمل الوجهات الرئيسة إيطاليا وألمانيا وبلجيكا وروسيا. ومن الأسواق الرئيسة الأخرى الولايات المتحدة واليابان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتهيمن روبوستا على الصادرات (حوالي 65%)، وخاصةً على شكل حبوب القهوة الخضراء والقهوة سريعة التحضير. كما تُصدر الهند القهوة المحمصة والمطحونة، وإن كان على نطاق أصغر. وتكتسب العلامات التجارية الهندية، مثل تاتا كوفي وكوثاس وناراسو، شهرةً واسعةً في الأسواق العالمية.
الاستهلاك المحلي للقهوة
في حين لا يزال الشاي المشروب الشائع في الهند، يشهد استهلاك القهوة ارتفاعًا مطردًا، لا سيما في المناطق الحضرية. فقد نما الاستهلاك المحلي من حوالي 70,000 طن في عام 2000م إلى ما يقرب من 1.4 مليون طن في عام 2024م، وفقًا لمجلس القهوة الهندي. وقد أدى ظهور ثقافة المقاهي -بقيادة علامات تجارية مثل كافيه كوفي داي وستاربكس إنديا وباريستا- إلى توسيع سوق القهوة في المناطق الحضرية بشكل كبير. وتمثل ولايات جنوب الهند، وخاصةً كارناتاكا وكيرالا وتاميل نادو، أكثر من 75% من الاستهلاك المحلي، إلا أن الطلب يشهد ارتفاعًا سريعًا في المدن الشمالية والغربية مثل دلهي ومومباي وبوني.
التأثير في الاقتصاد الهندي:
تسهم القهوة الهندية في دعم الاقتصاد الهندي بطرق عديدة:
العملة الأجنبية: تساهم صناعة القهوة الهندية في درّ العملة الأجنبية بأكثر من 1.2 مليار دولار سنويًا.
التنمية الريفية: تدعم زراعة القهوة اقتصاد المناطق الجبلية والغابات، لا سيما في كارناتاكا وكيرالا وتاميل نادو، حيث تكون المحاصيل البديلة محدودة.
التوظيف: يوظف هذا القطاع أكثر من 2.5 مليون شخص بمن فيهم مزارعو الجبال والفلاحون الصغار.
الاستدامة البيئية: تزرع القهوة الهندية بشكل كبير في الظل، الأمر الذي يحافظ على التوازن البيئي والتربة.
فتمثل صناعة القهوة في الهند مزيجًا من التقاليد والمشروعات الجديدة. من تلال كارناتاكا الضبابية إلى مزارع كيرالا وتاميل نادو، وتستمر القهوة في تأمين سبل العيش الجيدة لسكان الريف الذين قلما يحصلون على فرص عمل تتناسب مع جهودهم المضنية، وتسهم في تعزيز الصادرات الهندية، ودرّ العملات الأجنبية، وتثري المشهد الثقافي والاقتصادي الهند. ومع زيادة الطلب المحلي والعالمي والتنويع في أسواق التصدير والدعم الحكومي لتعزيز إنتاج القهوة وترويجها، فمن المؤكد أن تحقق القهوة الهندية نجاحًا أكبر في الأيام القادمة.
*أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي.