عطاء الله عبد الحكيم*
كان هناك تعاون محدود بين الهنود والعرب خلال فترة الاستعمار الأوروبي، وقدم الهنود الدعم للعرب في نضالهم ضد الاستعمار البريطاني، وعلى سبيل المثال، يمكن ذكر دور بعض المسلمين الهنود في دعم الثورات العربية ضد الحكم العثماني أو البريطاني في بداية القرن العشرين الميلادي. وكان هناك تبادل للأفكار والآراء بين المفكرين الهنود والعرب حول قضايا الاستعمار والكفاح والثورة مما أثر على تطور الوعي الوطني في كلا المنطقتين. وعلى الرغم من وجود بعض حالات التعاون، فإنها لم تكن واسعة النطاق أو منظمة إذ كانت هناك قيود صارمة على نطاق التعاون بسبب عوامل مثل المسافات الجغرافية، والاختلافات الثقافية، والتركيز على القضايا المحلية.
فإن مسلمي الهند ساندوا المملكة العربية وجمعياتها الخيرية خاصة في أرض الحرمين الشريفين ماديًا، فقد تشير الدراسات التاريخية إلى تواجد قائمة التبرعات التي أرسلت من مدينة دلهي إلى المملكة العربية، في 26 يونيو عام 1925م، وتبرعاتهم لترميم نهر زبيدة، ومساعدة أخرى لصالح دار الأيتام ومدرسة دار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، ما عدا تبرعاتهم المباشرة للحكومة الناشئة السعودية. وقد وصلت تبرعات الهنود إلى مناطق العالم العربي الأخرى التي كانت تئن تحت وطأة الاحتلال والاستعمار، فقد دعمهم العلامة نواب صديق حسن خان ذهبًا بكمية كبيرة، وذكر فتح الله أنطاكي في كتابه "الهند كما رأيتها" أن العرب كانوا يقصدون الهند للحصول على الدعم المادي في تلك الفترة...
وقد عثرنا على رسالة كريمة من قبل جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود (مؤرخة: 25 ذي الحجة سنة 1345هـ/ 25 يونيو 1927مـ) موجهة إلى محمد عبد الغفور وتقرّ استلام التبرعات الهندية، وقد جاء في هذه الرسالة ما تشير إلى علاقات مباشرة بين الهند والمملكة السعودية وقتذاك: "أما بعد فنعلمكم بوصول ما تبرعتم به أنتم وبعض أصدقائكم وأقربائكم على يد الشيخ يوسف حسن خان وقيمته ألف وخمس وعشرون ربية جادت به أنفسكم لأجل إنفاقها على حفر بئر في عرفات أو منى، وحيث أن مشاغلنا كثيرة ولا قدرة لنا على القيام بأعمال الصدقات الجمة، فقد عهدنا إلى حضرة الفاضلين الشيخ عبد الله وعبيد الله الدهلوي اللذين هما موضع ثقتنا في أن يتفقوا مع الشيخ يوسف حسن خان على طريقة للبر تنفق الأموال عليها فقر قرارهم على إصلاح بئر مظمورة في عرفات بذلك المال وقصدنا إفادتكم بذلك وأقبلوا فائق التحية".
ومن خلال هذه الرسالة تتجلى لنا الروابط بين الهند والمملكة، واعتناء الهنود بقضايا المسلمين عبر الحدود الجغرافية، كما تعتبر هذه الرسالة وثيقة تاريخية مهمة للتعاون فيما بين القطبين.
رحلات الهنود إلى أرض الحجاز وصلاتها بالحركة النضالية ضد الاستعمار البريطاني
باتت أرض الحجاز خاصة مكة المكرمة والمدينة المنورة من أهم مراكز نشاطات مسلمي الهند النضالية بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت على أيدي الاستعمار البريطاني فقد هاجر عدد من العلماء والقادة إلى أرض الحجاز وواصلوا نشاطاتهم من هناك.
ساعد العالم العربي وعلى رأسه أرض الحجاز المناضلين الهنود على ثلاثة مستويات
أصبح أرض الحرمين الشريفين كمنفى اختياري سياسي للعلماء والقادة؛ فقد هاجر عدد لا بأس به إلى أرض الحجاز فرارًا من جور المستعمرين أو بحثًا عن بيئة صالحة لمواصلة النضال دون خوف. ومن هؤلاء العلماء والقادة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، وشيخ الهند حسين أحمد المدني، وقد أورد الشيخ عبد الحي اللكنوي في كتابه "نزهة الخواطر" والبروفيسور محمد أشفاق في كتابه "نفحة الهند" عددًا كبيرًا من أمثال هؤلاء العلماء والقادة السياسيين الذين اتخذوا أرض الحرمين كمنفى اختياري لهم وتوطن بعضهم هناك.
واستفاد العلماء الهنود وقادتهم من العلماء والمفكرين العرب واستفادوا من تجاربهم؛ فقد استفاد الهنود من الحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أرض الحجاز، وتمثلت تأثيرها في حركة الجهاد الإسلامي ضد الإنجليز التي قادها السيدان الشيخ أحمد عرفان البريلوي (1239هـ)، والسيد إسماعيل بن عبد العزيز الدهلوي حفيد الشاه ولي الله المحدث الدهلوي، والذي سافر للحج مع 757 رجلًا من أصحابه سنة 1237هــ، وتأثر من دعوة شيخ الإسلام وانضم إلى حركة المقاومة، ثم حركة المناضلين جعفر ويحيى (1282هــ - 1864هــ)، وعرفت هذه الحركات النضالية بالحركة الوهابية نسبة إلى دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وهي من أبرز حركات المقاومة في الهند ضد الاستعمار حيث واجه المستعمرون مقاومة عنيفة.
كما أصبح الحج أداة مهمة لبث الوعي النضالي بين مسلمي الهند؛ لأن العلماء والقادة الذين اختاروا أرض الحرمين الشريفين كمنفى اختياري لهم كانوا يستغلون الفرص لنفخ روح المقاومة بين الحجاج الهنود، لأن الحجاج واصلوا أداء مناسك الحج حتى في هذه الأوضاع الحرجة؛ فقد تشير بعض الإحصائيات إلى أنه بلغ عدد الحجاج عام 1920م نحو 21656، و12065 عام 1921م، و84912 في 1922م، و24459 في 1923م، و18432 في 1924م، واستغل العلماء فرص الحج لتوجيه الرأي العام لمواصلة الكفاح والنضال ضد المستعمرين.
موقف العرب من الحركات النضالية الهندية ضد الاستعمار البريطاني
حظيت الحركات النضالية الوطنية في الهند ضد الاستعمار البريطاني باهتمام ملحوظ من العالم العربي والإسلامي؛ إذ نظر إليها العلماء والمفكرون العرب باعتبارها جزءًا من حركة أوسع لمناهضة الاستعمار الأوروبي، وتجلّى هذا الاهتمام في تعاطف شعبي وثقافي مع الكفاح الهندي، خاصة مع نضال المهاتما غاندي السلمي الذي أثار إعجاب المفكرين والقادة السياسيين العرب، في حين حظيت حركات المقاومة المسلحة بقدر أقل من المتابعة. وقد تأثر الموقف العربي من هذه الحركات بواقع الاستعمار الأوروبي الذي كانت تعاني منه عدة دول عربية، ما ولّد شعورًا بالتضامن مع الشعب الهندي في نضاله. اللهم إلا أنه لم يكن هناك موقف عربي موحد، إذ تفاوتت الرؤى بين التأييد الكامل والتشكك، تبعًا للظروف السياسية والاجتماعية في كل بلد عربي بفعل الضغوط الاستعمارية الجاثمة على صدر كل الدول. كما أدت الصحافة العربية دورًا مهمًّا في نقل أخبار الحركات الهندية وإثارة الوعي بها لدى الرأي العام. ورغم التباين في المواقف، فإن الشعور الشعبي العربي العام اتسم بالتعاطف مع القضية الهندية، بوصف الاستعمار البريطاني عدوًا مشتركًا، وبقيت الحركات النضالية الهندية تمثّل، في المخيال العربي، نموذجًا من نماذج الكفاح من أجل التحرر والكرامة وداعية إلى التأسي بها في التخلص من براثن الاستعمار.
حركة الخلافة الإسلامية الهندية وتفاعل العرب معها وصلاتها بقضية الاستقلال
قاد المسلمون الهنود حركة إحياء الخلافة الإسلامية وعلى رأسهم الأخوان مولانا محمد علي جوهر ومولانا شوكت علي، ومولانا أبو الكلام آزاد، والمهاتما غاندي، والتي بدأت منذ عام 1919م، بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وسقطت حاضرة الدولة العثمانية وخاف مسلمو الهند من أن تقوم القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا بتقسم أراضي الخلافة وإلغاءها. وبلغت الحركة ذروتها بين عامي 1919 و1922م، حيث شهدت دعمًا شعبيًا وارتباطًا بحركة "عدم التعاون" بقيادة المهاتما غاندي، لكن الحركة تراجعت بعد أن أعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة رسميًا في مارس 1924م.
اقرأ أيضًا: دور المسلمين في استقلال الهند: ملحمة الجيش الوطني بقيادة سوبهاش تشاندرا بوس
وبادئ ذي بدء كانت الحركة تنوي الدفاع عن الخلافة العثمانية، لكن في الأصل تستهدف التعبير عن التضامن الإسلامي للضغط على بريطانيا سياسيًا والاستقلال الوطني غير المباشر؛ إذ تماهت الحركة مع حركة النضال الوطني وشكلت التعبئة السياسية ضد الاستعمار البريطاني؛ حيث كان القادة الهنود يرون في الخلافة قوة قاهرة تستطيع القضاء على القوى الاستعمارية الأوروبية المنتشرة في المناطق العربية وشبه القارة الهندية. وتفاعل العرب مع هذه الحركة على نطاق ضيق بسبب صعود الحركات القومية وتفكك الروابط مع الدولة العثمانية. اللهم إلا أنه أبدت بعض الأوساط الإسلامية والعلماء العرب تعاطفًا مع أهداف الحركة خاصة في مناطق مثل الحجاز ومصر واعتبروها رمزًا للوحدة الإسلامية نتيجة حركة جمال الدين الأفغاني الإصلاحية والنضالية (1838-1897)، والتي دعت إلى نهضة الأمة الإسلامية واستعادة مجدها في مواجهة الاستعمار والتخلف.
وهذا غيض من فيض مظاهر التعاون والتعاطف، ونماذج من مواقف الهنود والعرب في فترة الاستعمار الأوروبي خلال كفاحهم الوطني لأجل الاستقلال والتخلص من براثن الاستعمار.
* باحث هندي