من الظل إلى الضوء: كيف شكّل الأميني وذيشان مسيرة رينكو سينغ الرياضية

08-10-2025  آخر تحديث   | 08-10-2025 نشر في   |  أحمد      بواسطة | آواز دي وايس 
نيها سينغ تربط الراكهي على معصم شقيقها الروحي الأخ ذيشان
نيها سينغ تربط الراكهي على معصم شقيقها الروحي الأخ ذيشان

 


ملك أصغر هاشمي/نيودلهي

تحاكي مسيرة رينكو سينغ من أزقة مدينة علي جراه المتواضعة إلى فريق كولكاتا نايت رايدرز، والمنتخب الهندي للكريكيت قصةً درامية أشبه بـفيلم هندي ملهم.

فقد شكّل جهده المتواصل وإخلاصه العميق للعبة التي أحبها، الأساس لمسيرته، إلا أن حياته تغيّرت جذريًا بفضل شخصين كان لهما الدور الأكبر في تحوّله من ابن عامل نقل أسطوانات غاز بسيطة إلى واحد من أبرز نجوم الكريكيت في الهند، وهما محمد ذيشان ومسعود الظفر الأميني.

وجسّد الصورة أعلاه بعدًا إنسانيًا عميقًا في حياة رينكو سينغ؛ إذ تظهر شقيقته الوحيدة نيها سينغ وهي تربط الراكهي — رمز الأخوّة في التقاليد الهندية — على معصم رجل ملتحٍ تُناديه بـ "ذيشان بهاي" (الأخ ذيشان).

وتجاوزت علاقته بعائلة سينغ حدود الصداقة إلى رابطة وجدانية تُجسّد أسمى معاني التعايش الديني والاجتماعي في المجتمع الهندي، حيث تمتزج المحبة والثقة والاحترام المتبادل في علاقةٍ تتجاوز حدود الدين لتعبّر عن الإنسانية المشتركة.

ولا يُعدّ من المبالغة القول إن أداءه الاستثنائي الذي قاد رينكو سينغ إلى المجد في نهائي كأس آسيا 2025م ضد باكستان في دبي لم تكن لتتحقق لولا الدور المحوري الذي أدّاه كلٌّ من محمد ذيشان ومدرّبه الأول مسعود الظفر الأميني في مسيرته.

وكان والد رينكو سينغ يعمل في توصيل أسطوانات الغاز بمستودع "غوفيلا غاز"، مقابل راتب لا يتجاوز ألفي روبية شهريًا، وهو مبلغ ضئيل لم يكن يكفي لإعالة أطفاله الخمسة. وبسبب ضيق الحال وتراكم الأعباء المعيشية، طلب الأب من رينكو، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره آنذاك، أن يترك الكريكيت ويساعد الأسرة في كسب المال. واضطر الفتى الصغير حينها إلى التخلي عن حلمه الرياضي والعمل منظفًا لإعانة والده وتخفيف أعباء الحياة عن أسرته.

وفي تلك المرحلة الصعبة من حياته، ظهر محمد ذيشان ليكون نقطة التحوّل الحقيقية في مسيرة رينكو سينغ.

وبحسب تقرير قناة إين. دي. تي. وي، فإن محمد ذيشان لعب دورًا حاسمًا في تغيير مسار حياة رينكو سينغ، إذ أقنع والده بالسماح له بمواصلة حلمه في الكريكيت، وتكفّل بنفسه بجميع مصاريفه الرياضية والمعيشية من مدخراته الخاصة، إيمانًا منه بأن موهبة رينكو لا يجب أن تضيع بسبب الفقر أو اليأس.

ويروي الصحفي قصة مؤثرة قائلًا: "سافر رينكو سينغ برفقة محمد ذيشان إلى مدينة كانبور للمشاركة في بطولة مدرسية للكريكيت. وهناك، حدث ما لم يكن في الحسبان. ضاعت أوراق تسجيل رينكو سينغ في البطولة، قبل انطلاق المباريات، مما وضعه في موقفٍ صعبٍ كاد أن يحرمه من المشاركة، إذرفض المنظمون السماح له بالمشاركة، إلا أن محمد ذيشان، الذي كان يؤمن بموهبة صديقه رينكو سينغ إيمانًا لا يتزعزع؛ فوقف أمام المنظمين متوسلًا إليهم بيدين مضمومتين أن يمنحوه فرصة اللعب حتى وافق المنظمون عليه في النهاية.

وتزخر البدايات الرياضية لرينكو سينغ بالعديد من القصص التي تجسّد عمق الصداقة والأخوّة بينه وبين محمد ذيشان. ولذلك، عندما تمّ توقيع عقد رينكو سينغ مع فريق كولكاتا نايت رايدر، سارعت شقيقته نيها سينغ إلى نشر صورةٍ على فيسبوك، مرفقةً إياها بتعليقٍ مؤثر عبّرت فيه عن امتنان العائلة، قالت فيه: "إن ذيشان بهاي هو الذي من فتح له الطريق إلى كولكاتا نايت رايدرز".

وتتعامل عائلة رينكو سينغ مع "ذيشان بهاي" كأحد أفرادها تمامًا، إذ يحضر جميع المناسبات العائلية ويُعامل بمحبة واحترام لا يختلفان عن أبناء البيت نفسه.

ولا يمكن الحديث عن نجاح رينكو سينغ دون ذكر مدرّبه مسعود الظفر الأميني، الذي كان له الدور الأكبر في اكتشاف موهبته وصقلها. فقد وقف إلى جانبه منذ خطواته الأولى، يوجّهه ويشجّعه، حتى صار المدرّب والأب الروحي الذي فتح أمامه الطريق نحو الاحتراف والنجاح في عالم الكريكيت.

ويقول المدرّب الأميني في حديثه لمجلة "آوت لك" قائلًا: " كنت أعمل مدرّبًا في ملعب الرياضة بمدينة علي جراه،  وجاء إليّ رينكو قبل نحو اثني عشر عامًا. وكان يحضر يوميًا لمشاهدة التدريبات باهتمام، حتى شاهدته يلعب مرات، فأدركت موهبته طلبت منه أن ينضم إلى تدريباتي".

ولكن والد رينكو سينغ لم يكن راضيًا عن ممارسته للكريكيت، وكان يوبّخه أحيانًا وهو في الملعب، إذ كان يعتقد أن عليه التركيز على العمل لمساندة الأسرة بدلًا من إضاعة الوقت في الرياضة.

وكان يأمل أن يركّز ابنه على الدراسة والتعليم لضمان مستقبل مستقر، لكن رينكو كان يرى طريقه بوضوح في الكريكيت، إذ لم يكن يجد شغفه في الكتب، بل في الملاعب والبطولات، حيث أراد أن يصنع مستقبله بجهده وموهبته.

ورأى المدرّب الأميني في رينكو موهبة استثنائية في إنهاء المباريات وتحقيق الفوز في اللحظات الحاسمة، مشيرًا إلى أن هدوءه وثقته الإيجابية هما ما جعلاه لاعبًا مميزًا منذ البداية.

وقال الأميني: "كان رينكو سينغ، عند دخوله إلى الملعب للضرب، يتميّز بقدرته على تحليل الوضع بدقة عالية، فيُحسن اختيار توقيت ضرباته ويلعب دائمًا بما يخدم مصلحة الفريق واحتياجاته في اللحظة الحاسمة".

وقدّم رينكو منذ بداياته أداءً لافتًا؛ إذ سجّل أكثر من 150 نقطة في أول مباراة له مع فريق ولاية أترا براديش في مدينة آغرا، ومنذ ذلك الحين واصل مسيرة تألقه بثباتٍ، ليصبح أحد أبرز المواهب الصاعدة في بطولة رانجي تروفي، قبل أن يبلغ قمّة طموحه بالانضمام إلى الدوري الهندي الممتاز.

ويقول الأميني إنه لم يكن يتقاضى أي رسوم تدريب من الطلاب في الملعب الحكومي الذي كان يعمل فيه، مؤمنًا بأن الفرص يجب أن تُمنح للمواهب بغض النظر عن وضعها المادي.

وتضاعف اليوم عدد المتدربين في أكاديمية أميني الخاصة، إذ بات رينكو مثالًا يُحتذى به لجيلٍ جديد من اللاعبين الشباب الذين يؤمنون بأن الإصرار يمكن أن يصنع المعجزات.

وينصح الأميني اللاعبين بـالعمل الجاد والصبر الطويل، مشيرًا إلى أن طريق الكريكيت ليس سهلًا، فالمنافسة فيه قوية وقاسية، ولا يصل إلى القمة إلا من يُظهر تميّزًا حقيقيًا والتزامًا متواصلًا في الأداء والتدريب.

اقرأ أيضًا: محمد سلام بياش.. المدرّب الذي حوّل تلميذه تيلاك فارما إلى أسطورة كريكيت

ويُجسّد رينكو سينغ هذه القيم خير تجسيد؛ إذ قضى فترات طويلة على مقاعد الاحتياط في الدوري الهندي الممتاز. فإنه لم يتراجع أو يفقد عزيمته، بل استمر في التدريب بجدية وتطوير لياقته ومهاراته، حتى أثبت أن العمل المتواصل هو طريق النجاح الحقيقي.

وبعد اثني عشر عامًا من الكفاح المتواصل، أصبح رينكو سينغ اليوم نجمًا حقيقيًا. وقد انتقلت أسرته من غرفة العمال الصغيرة في مستودع الغاز إلى منزل واسع تبلغ مساحته 500 ياردة مربعة في منطقة أوزون سيتي، في مشهدٍ يُلخّص رحلة الصبر والتحوّل من الفقر إلى المجد.

قصص مقترحة