أسرةٌ هندوسية في ولاية غرب البنغال يقوم برعاية مسجدٍ منذ أكثر من خمسين عامًا

20-11-2025  آخر تحديث   | 20-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
أسرةٌ هندوسية في ولاية غرب البنغال يقوم برعاية مسجدٍ منذ أكثر من خمسين عامًا
أسرةٌ هندوسية في ولاية غرب البنغال يقوم برعاية مسجدٍ منذ أكثر من خمسين عامًا

 


 شامبی شاكرورتي / كولكاتا

في وقتٍ تتصاعد فيه نار الانقسام بين الهندوس والمسلمين، وتشتدّ التوتّرات الطائفية وتعلو أصوات الكراهية في أجزاء مختلفة من البلاد، تظلّ هناك أيضًا حكايات تفوح بعبير الإنسانية. فإن عائلة بوس في منطقة باراسات، التابعة لمقاطعة 24 بارغانا في ولاية غرب البنغال، تُعدّ واحدة من هذه النماذج المضيئة. وهذه العائلة الهندوسية تتولّى منذ نحو ستة عقود رعاية مسجدٍ قديم، هو "مسجد أمنتي"، بكل محبة واحترام.

وتبدأ هذه الحكاية في عام 1964م. ففي المرحلة المضطربة التي أعقبت تقسيم الهند، اضطر إشور نرودھ بوس، المقيم في منطقة خُولنا في شرقي باكستان آنذاك (بنغلاديش حاليًا)، إلى الانتقال مع أسرته إلى الهند بسبب أعمال الشغب وانعدام الأمن. وبموجب قانون تبادل الأراضي، مُنح قطعة أرض في باراسات مقابل أرضه الأصلية في خُولنا. وكان المالك السابق لتلك الأرض هو غياث الدين مورول. وعلى هذه الأرض كان يوجد أيضًا مسجد صغير، سلّمه مورول إلى عائلة بوس التي وصلت حديثًا، طالبًا منهم رعايته.

وفي تلك الظروف، كان كثيرون ربما يهدمون مسجدًا كهذا لاستغلال الأرض في غرضٍ آخر، ولكن إشور نرودھ بوس كانت له رؤية مختلفة. فقد قرّر الحفاظ على المسجد وصون حرمته. وفي اليوم الأول نفسه، أشعلت زوجته مصباحًا في ساحة المسجد ودعت أن تبقى هذه البقعة دائمًا ملاذًا للمصلّين. وهكذا بدأ مشوارُ صونِ مكانٍ للعبادة الإسلامية على يد أسرةٍ هندوسية.

اليوم يتولّى رئاسة الجيل الثاني من عائلة بوس، ديبَك بوس، البالغ من العمر 74 عامًا. ويستعيد ذكرياته قائلاً: "كنتُ آنذاك في الرابعة عشرة من عمري. وعندما جئنا من خُولنا، رأينا أن على الأرض مسجدًا صغيرًا. وقال لي والدي: هذا بيتُ الله، واحترامه واجب علينا. ومنذ ذلك الحين، نحن نعتني به".

ويقول ديبَك بوس إنّ أسرته لم تجعل الدين يومًا سببًا للتمييز، بل أصبح المسجد جزءًا من حياتهم اليومية. فمسلمو المنطقة ما زالوا يؤدون صلواتهم فيه بانتظام، فيما تتكفّل عائلة بوس على نفقتها الخاصة بصيانة المسجد وطلائه، بل وحتى دفع راتب الإمام. 

وأما الجيل الثالث من الأسرة، بارث سارَتهي بوس، فقد تولّى الآن هذه المسؤولية. ويقول بكل فخر: "جدّي ووالدي اعتبرا المسجد دائمًا جزءًا من عائلتنا، ونحن نواصل النهج نفسه. وقد وعدتني ابنتي بأنها ستتولّى هذه المسؤولية مستقبلًا أيضًا".

وفي شهر رمضان يُنظَّم يوميًا إفطار في ساحة المسجد، حيث يجلس أفراد عائلة بوس مع جيرانهم المسلمين على مائدةٍ واحدة ليفطروا سويًا. وهذا المشهد يمحو حدود الأديان ويجمع الناس في خيطٍ واحد من الإنسانية. ويقول بارث سارَتهي بوس: "نحن جميعًا ننادي الله بأسماء مختلفة، لكنه واحد. ولذلك فهذا المكان ليس للمسلمين فقط، بل لنا أيضًا".

ويقول الإمام أختر علي، إمام مسجد أمنتي: "هذا المسجد يعود إلى ما قبل استقلال البلاد. وكان في الماضي متهالكًا، ولكن منذ أن تولّت عائلة بوس مسؤوليته، عاد إليه جماله".

وبحسب الإمام، فإنّ إنسانية عائلة بوس ما تزال نعمةً كبرى لمسلمي المنطقة حتى اليوم. ويضيف بارث بوس قائلاً: "لم نفعل شيئًا يومًا تحت ضغطٍ سياسي أو ديني. ونسير على الطريق الذي رسمه لنا والدي. وقد تختلف الأديان، لكن الله واحد.". وهذا هو المبدأ الراسخ لدى عائلة بوس. 

وإن مسجد أمنتي في باراسات لم يعد مجرد مكانٍ للعبادة، بل أصبح رمزًا حيًّا يؤكّد أن الإنسانية أسمى من كل ما سواها. فأكثر من خمسين عامًا من الرعاية والمحبة التي قدّمها أسرةٌ هندوسية لمسجدٍ تعدّ حقًا مثالًا نادرًا. وفي عالمٍ يتنامى فيه خطاب الكراهية والانقسام، تذكّرنا قصة بوس بكلمات رابندراناث طاغور: (حيث يكون العقل بلا خوف، والرأس مرفوعًا).

وما زال هذا المسجد الصغير في باراسات حتى اليوم يُنير مشعلَ الإنسانية والوئام الطائفي.