أرسلا خان
رحلة محمد لقمان علي من قرية صغيرة في ولاية أترا برديش إلى مشارف المجد العالمي في رياضة المصارعة — هي قصة ملهمة بكل معنى الكلمة.
ينحدر لقمان من قرية موهركا بتي في منطقة أمروها، وقد بدأ حلمه في تمثيل الهند في الألعاب الأولمبية مدفوعًا بالشغف والمثابرة، والتشجيع المبكر الذي تلقّاه من والده ووالدته، واللذين شكّلا الركيزة الأولى في مسيرته الرياضية.
وبدأ لقمان مسيرته في عالم المصارعة في أيامه الأولى بالمدرسة الابتدائية، عندما شارك لأول مرة في إحدى "مسابقات المصارعة" المحلية. ويقول متذكرًا بابتسامة: "لم أفز، لكنني حصلت على قطعة شوكولاتة ومبلغ 100 روبية. تلك المكافأة لا تزال تعني لي الكثير". وكانت بداية متواضعة، لكنها أشعلت شرارة الحماس في داخله، ووضعت أول خطوة في طريق طويل نحو الحلم الكبير.
محمد لقمان علي يُمثّل الهند في بطولة تايلاند
ومنذ المسابقة الأولى، واصل لقمان طريقه بثبات، محققًا العديد من البطولات على المستوى الوطني. وفي عام 2023م، مثّل الهند في بطولة دولية أقيمت في تايلاند، ضمن فئة وزن 82 كجم، ليؤكد مكانته كأحد أبرز الوجوه الصاعدة في رياضة المصارعة.
وبالتوازي مع مسيرته الرياضية، يواصل لقمان أيضًا تحصيله الأكاديمي، إذ يدرس حاليًا لنيل درجة الماجستير في العمل الاجتماعي في الجامعة الملية الإسلامية بالعاصمة دلهي، جامعًا بين الطموح الرياضي والوعي المجتمعي.
كان والد لقمان، تشجّو علي، مصارعًا سابقًا وموظفًا في السكك الحديدية، وهو أول من ألهمه. ويقول لقمان: "كان والدي يُعجب بزميل له كان مصارعًا محليًا، وكان كثيرًا ما يتحدث عنه بفخر". وبما أنه أصغر إخوة خمسة، فقد أصبح محور حلم والده بأن يرى أحد أبنائه يسير على خطاه.
وتجذّر هذا الحلم في الـ"أخارا" (مكان تدريب المصارعة) القريب من منزلهم، حيث بدأ لقمان يتدرّب يوميًا على التراب بعد انتهاء الدوام المدرسي. وقد أثمرت جهوده في عام 2022م، عندما فاز بالميدالية الفضية في بطولة المصارعة الوطنية التي أقيمت في نانديني نغر بولاية أترا برديش.
كما أدّت والدة لقمان، زيادة، دورًا محوريًا في مسيرته، إذ غرست فيه القيم الدينية، وكانت هي من اشترت له أول زيّ للمصارعة، وهو هدية لا يزال يعتزّ بها حتى اليوم.
وتلقى لقمان، أصغر أبناء تشجّو علي وزيادة الخمسة، دعمًا غير مشروط منهما، مما مكّنه من الوصول إلى مكانة يُنظر إليه فيها اليوم كقدوة يُحتذى بها من قبل الكثيرين.
واليوم، يواصل لقمان دراسته العليا إلى جانب مسيرته الرياضية، وكلاهما يتطلب شغفًا والتزامًا، وقبل كل شيء، حسن إدارة للوقت.
ويقول لقمان إنه يتدرّب كل صباح، "أخضع لتدريبات شاقة يوميًا". ويؤكد أن إدارة الدراسة والرياضة معًا تتطلب الانضباط والعمل الجاد، مضيفًا: "لا يوجد طريق مختصر إلى النجاح".
وإن نجاح لقمان ثمرة عزيمته القوية؛ فلم يستسلم يومًا أمام التحديات، وظل يواصل السير نحو هدفه بثبات. وهذه العزيمة تُعد درسًا مهمًا للشباب. وبصفته طالبًا في مجال العمل الاجتماعي، يقول لقمان إنه يدرك مسؤوليته في إحداث التغيير في المجتمع من خلال الرياضة وإلهام الآخرين.
وعلى الرغم من نجاحه على المستوى الوطني، فإن تواضع لقمان يبعث على الإعجاب. فهو لا يكفّ عن التعبير عن امتنانه لمدرّبه وعائلته وجامعته. وموقفه الإيجابي يُعد مثالًا يُحتذى به للشباب.
وليس من السهل إدارة الوقت بين الرياضة والدراسة، إلا أن لقمان واجه هذا التحدي بنجاح وتميّز في كلا المجالين. وتُعلّم مسيرته الشباب أن التحديات هي التي تمهّد الطريق نحو النجاح.
وعلى الرغم من أن المصارعة رياضة فردية، فإن لقمان يُدرك أهمية روح الفريق، فهو لا يتوانى عن مساعدة زملائه وتشجيعهم. وتُعلّم إنجازاته الشبابَ أن النجاح لا ينبغي أن يقتصر على مجال واحد، بل يجب أن يشمل تنمية الشخصية بكل جوانبها.
ويتجلّى تفاني لقمان في كل خطوة من مسيرته؛ فهو يستيقظ في الرابعة صباحًا، ويتّبع نظامًا صارمًا، ويقضي ساعات في صقل مهاراته. وقد ساعده فهمه التكتيكي العميق للرياضة على الفوز بالمباريات ببراعة ودقة. ومن أبرز تلك اللحظات فوزه في بطولة ولاية أترا برديش للمصارعة في ميروت، حيث حسم النزال بمهارة فنية لافتة.
ووراء كل انتصار تضحيات صامتة من عائلته، والتوجيه المتواصل من مدربه محمد رؤوف، الذي اكتشف موهبة لقمان في وقت مبكر وحرص على تنميتها، رغم الصعوبات المالية.
ورسالته إلى المصارعين الشباب بسيطة لكنها تحمل قوة كبيرة: "الانضباط والصبر هما الأساس. لا تفقدوا التركيز على هدفكم أبدًا".
وكانت نقطة التحول في حياة لقمان عام 2018م، حين التحق بملعب تشاترَسال الشهير في دلهي، الذي يُعد مهدًا للأبطال الأولمبيين. ويقول: "لم أصدق أنني أتدرّب على نفس الحُصُر التي تدرب عليها الأساطير من قبل".
اقرأ أيضًا: الكابتن ساريا عبّاسي: قدوة لفتيات الهند ومصدر إلهام لهنّ
ينظر لقمان إلى أسطورة المصارعة الهندية سوشيل كومار، والميدالي الأولمبي الروسي عبد الرشيد سعدولاييف، كقدوتين له في هذا المجال. وهو يطمح إلى السير على نهجهما بل وتحقيق ما هو أبعد من ذلك. وبعد مشاركته في بطولة "خيلو إنديا" للمصارعة الجارية حاليًا في فارانسي، يستعد لخوض منافسات بطولة آسيا في الداخل، في شهر يوليو المقبل.
ولكن حلمه الأسمى لا يزال ثابتًا، "إن لم تتحقق المشاركة في باريس، فأنا سأضع نصب عيني أولمبياد 2028. وهناك أريد أن أرفع علم الهند عاليًا"، يعلن ذلك بنبرة حازمة يملؤها العزم، قبل أن يتجه مجددًا إلى ساحة التدريب.