سوديپ شرما تشودهري/كولكاتا
محمد نور الإسلام ليس مجرد مُصلح، بل هو صاحب رؤية، إذ إن جهوده الدؤوبة قد أنارت طريق النهضة التعليمية والاجتماعية لمسلمي البنغال. وتظل مساهمته في تحويل مجتمع مهمَّش عبر المعرفة والتمكين إنجازًا لا نظير له.
وتم تمويل جانب كبير من أعماله الاجتماعية من مكاسبه الخاصة. وفي بعض الأحيان كانت الضائقة المالية تُبطئ من وتيرته، لكنه لم يتراجع أبدًا. وواصل نور الإسلام جهوده بلا هوادة لنشر التعليم، وتأسيس المدارس، وتشجيع تعليم المرأة، ودعم روح الحداثة مع الحفاظ على جذوره الإيمانية.
وعندما بدأ مهمته في أوساط المجتمع المسلم المحافظ في غرب البنغال، قوبلت أي محاولة لإدخال التعليم الحديث بمقاومة شديدة، ولم تكن مساعي نور الإسلام لإدماج التعليم الغربي استثناءً من ذلك.
وقال نور الإسلام لبوابة "آواز دي وايس": "عندما بدأنا، اخترنا أن نخدم أكثر المجتمعات تخلّفًا في غرب البنغال. وكان الأيتام من بينهم الأكثر تضررًا؛ فبالنسبة إليهم كان البقاء نفسه صراعًا، والتعليم حلمًا مستحيلًا. فمنذ البداية، جعلت "مهمة الأمين" (Al-Ameen Mission)، هؤلاء الأطفال في صدارة أولوياتها. ومع مرور الوقت، تعلمنا كيف نحوّل الأحلام إلى واقع".
وخلال الحكم البريطاني، كان المسلمون مهمّشين إلى حدّ كبير من قبل الإدارة، ولم تقدّم الحكومة إلا دعمًا محدودًا لمبادراتهم. ومع ذلك، لم يكن نور الإسلام مجرد فرد، بل كان حركة بحد ذاته. ولقد أثبتت حياته أنّه بالعزيمة والإصرار يمكن التغلب على أعظم التحديات.
وجلب عام 1947م الحرية والتقسيم معًا. فبينما نالت الهند استقلالها، ترك التقسيم ملايين المسلمين في ولاية غرب البنغال عالقين في مجتمع ممزق وراكد. وعلى مدى عقود طويلة، ظلّ هذا المجتمع مهمَّشًا. غير أنّ منتصف ثمانينيات القرن العشرين شهد بداية رياح التغيير، وفي قلب هذا التحوّل كانت "الأمين مِيْشَنْ".
وتأسست المؤسسة قبل نحو ثلاثة عقود في منطقة نائية من ولاية غرب البنغال، وكانت خطوة جريئة تحت قيادة نور الإسلام. ففي وقت لم يجرؤ فيه كثيرون على الحلم، تصوّر هو تمكين أقلية متخلّفة عبر التعليم. ولم يكن الهدف مجرد محو الأمية، بل بلوغ التميّز—من خلال دعم الطلاب المتفوقين المحرومين، وتجسيد مبادئ العدالة والمساواة والشفافية.
ويقول نور الإسلام نفسه: "التعليم هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير الاجتماعي"، وانطلاقًا من هذا الإيمان الراسخ، نشأت "الأمين مِيْشَنْ" لا باعتبارها مؤسسة فحسب، بل باعتبارها حركة إصلاحية".
ولم تكن الرحلة سهلة قط. فكثيرًا ما هددت الضغوط الاقتصادية والعوائق الاجتماعية والمعارضة استمرارها، لكنها صمدت. وما بدأ كبذرة صغيرة في قرية خلاتبور، تحول اليوم إلى شجرة بانيان مترامية الأطراف.
وتُدير "الأمين مِيْشَنْ" اليوم 67 مؤسسة، منها 41 حرمًا سكنيًا في ولايات غرب البنغال وآسام وجهارخاند، يستفيد منها أكثر من 12 ألف طالب. وقد تخرج فيها حتى الآن ما يزيد على 20 ألف طالب من برامجها المختلفة، وأصبح كثير منهم أطباء ومهندسين ومعلمين وإداريين يساهمون في مسيرة التقدم الاجتماعي.
وبفضل القيادة بعيدة النظر لـ نور الإسلام، توسعت المبادرة لتشمل 72 مؤسسة في خمس ولايات، تضم أكثر من 20 ألف طالب. وقد كانت إنجازاتها لافتة؛ إذ خرّجت "الأمين" ما يقارب 8,000 طبيب و5,250 مهندسًا، ينتمي معظمهم إلى أسر فقيرة ومهمَّشة.
والرؤية الأساسية لهذه المنظمة بسيطة لكنها عميقة؛ "تمكين الفقراء والمجتمعات المتخلفة من الأقليات من خلال التعليم، وتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي".
وبدأت المسيرة التعليمية لنور الإسلام قبل ذلك بكثير، عام 1976م، حين أسس وهو طالب في الصف العاشر، المدرسة الثانوية الإعدادية في خلاتبور. وفي عام 1984م أنشأ معهد الثقافة الإسلامية، الذي أعيدت تسميته لاحقًا إلى "الأمين ميشن" عام 1987م. ويُلقب بمودة بـ "السير سيد للبنغال"، حيث بدأ مسيرته مع سبعة طلاب فقط في خلاتبور، في هاورا.
وكانت رؤيته أن يُنشئ نظامًا تعليميًا متكاملًا يمزج بين المعارف العصرية والقيم الإسلامية. والنتائج تتحدث عن نفسها: فقد أنجبت المنظمة حتى الآن 3,500 طبيب (في تخصصي MBBS وBDS)، و3,000 مهندس، إلى جانب عدد لا يُحصى من المعلمين والباحثين وموظفي الخدمة المدنية. وفي عام 2018م وحده، نجح 370 طالبًا في اجتياز اختبار NEET، بينهم 319 حصلوا على مقاعد في الكليات الطبية الحكومية.
اقرأ أيضًا: حفيظ الرحمن… شيخٌ ثمانيني يزرع الأمل في قلوب الفتيات المهمّشات
ولقد حظي العمل الاستثنائي لمحمد نور الإسلام باعتراف واسع النطاق، إذ نال عدة جوائز مرموقة، منها: جائزة بانغا بوشان (2015)، وجائزة بيغوم رقية (2010)، وجائزة ذا تليغراف للتميز المدرسي (2002 و2009)، وجائزة مايشت لأفضل رائد في مجال التعليم (2021).