قراءة في كتاب "الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي: حياته، أفكاره، مآثره" لوثيق الندوي

09-11-2025  آخر تحديث   | 09-11-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
قراءة في كتاب
قراءة في كتاب "الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي: حياته، أفكاره، مآثره" لوثيق الندوي

 


 د. محمد أكرم الندوي/أوكسفورد

لقد شرفتُ في وقتٍ سابق بتأليف كتابٍ في ترجمة شيخنا الجليل السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله، أسميته "العلامة الشريف محمد واضح رشيد الحسني الندوي: حياته وفكره وأعماله".

وقد تكرّم بتقديمه فضيلةُ الأديب الكبير الدكتور حسن الأمراني حفظه الله، وطُبع في مكتبة سلمى الثقافية بمدينة تطوان، المملكة المغربية، سنة 1441هـ/2019م.

وقد حاولتُ في ذلك الكتاب أن أجمع بين الدراسة العلمية الدقيقة والتحليل الأدبي الرصين، متتبعًا جوانب شخصيته المتميزة، من علمٍ وفكرٍ وتربيةٍ وأدبٍ، ومبرزًا أثره العميق في ميدان الدعوة الإسلامية والفكر الإسلامي في الهند وخارجها. كما تناولتُ سيرته وترجمته في عددٍ من كتبي الأخرى، منها: (من علّمني)، و(تاريخ ندوة العلماء)، و(الجامع المعين في طبقات الشيوخ المتقنين والمجيزين المسندين)، إلى جانب مقالاتٍ كتبتها عنه باللغتين العربية والأردية، اعترافًا بفضله، ووفاءً لمكانته العلمية والروحية.

وقد ازددتُ اليوم سرورًا وابتهاجًا بصدور عملٍ علميٍّ نفيسٍ في ترجمة شيخنا، صدر في الخامس عشر من جمادى الأولى سنة 1447هـ، بعنوان: "الشيخ محمد واضح رشيد الحسني الندوي: حياته، أفكاره، مآثره" من تأليف الدكتور محمد وثيق الندوي، أحد أبرز الأدباء والباحثين في شبه القارة الهندية، وأقرب الناس إلى الشيخ رحمه الله، فقد لازمه المؤلف سنواتٍ طويلةً امتدت إلى نحو عشرين عامًا عمل خلالها مساعدًا علميًّا له، فكان شاهدًا على مسيرته اليومية، وكثير من أعماله الفكرية والإدارية، مما أهّله لأن يكتب عنه عن معرفةٍ دقيقةٍ ومعايشةٍ مباشرةٍ قلَّ أن حظي بها غيره.

والدكتور محمد وثيق الندوي هو أستاذ الأدب العربي بدار العلوم لندوة العلماء، ورئيس تحرير صحيفة "الرائد"، ومن أبرز الكتّاب الذين امتازوا بجمعهم بين رصانة الفكر وجمال الأسلوب، إذ يتميز قلمه بالوضوح والعمق، وبيانه بالرشاقة والصفاء، مما يجعل كتاباته مزيجًا بديعًا من الدقة العلمية والرهافة الأدبية، ويمنح قارئه متعةً فكريةً ولغويةً في آنٍ واحد.

وقد جاء هذا الكتاب الكبير في 860 صفحة من القطع المتوسط، جامعًا مستوعبًا لجميع جوانب حياة الشيخ وفكره وأدبه، فكان بحقّ أشملَ ما ألِّف في الموضوع، وأغزرها مادةً وأوثقها توثيقًا، وقد شرّفه بتقديماته عددٌ من كبار العلماء والأدباء، هم: فضيلة الشيخ السيد بلال عبد الحي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء، وفضيلة الدكتور حسن الأمراني، وفضيلة الدكتور خالد حسن هنداوي، وفضيلة الشيخ وقار عظيم الندوي، وكلها شهاداتٌ علميةٌ راقيةٌ تؤكد مكانة المؤلف وعظمة موضوع الكتاب.

ويتألف الكتاب من مقدمةٍ وخمسة أبوابٍ وخاتمة، جاءت مرتبةً ترتيبًا علميًّا ومنهجيًّا دقيقًا: يعرض البابُ الأول عصرَ الشيخ وبيئته ونشأته وأسرته وأبرز أعلامها، مبرزًا المؤثرات التي شكّلت ملامح شخصيته. والباب الثاني يتناول حياته العلمية والعملية بوصفه موظفًا ومدرسًا ومؤلفًا وداعيةً. والباب الثالث يعالج شخصيته كمعلمٍ حكيم، وكاتبٍ قدير، ومفكرٍ ناضج، وأديبٍ ألمعي، وصحافيٍ بارع. والباب الرابع يتناول جانبه التربوي والسلوكي والخلقي، فيعرض سمات الورع والتواضع والإخلاص التي ميّزته. والباب الخامس يخصصه المؤلف لدراسة آثاره العلمية والأدبية والثقافية والتاريخية، محللًا إنتاجه الفكري ومكانته الأدبية بين معاصريه. ثم يختم هذه الأبواب بخاتمةٍ جامعةٍ تُبرز خلاصة فكره ومآثره وإشعاعه العلمي في مدرسة ندوة العلماء.

ولقد أحاط المؤلف –بفضل قربه ومعايشته– بجميع جوانب حياة المترجم له إحاطةً شاملة، فأجاد وأحسن، فجاء كتابه مصدرًا أساسيًا ومرجعًا معتمدًا لدراسة الشيخ وفكره، ومرآةً صادقةً لمدرسة ندوة العلماء وفكرها الدعوي والأدبي.

اقرأ أيضًا: محمد إقبال: شاعر الإنسانية الذي رأى في تنوّع الهند مصدر قوتها ووحدتها

وأما أسلوبه في الكتاب، فأسلوبٌ علميٌّ أدبيٌّ رفيع، يجمع بين وضوح العرض وجمال الصياغة، ويستمتع القارئ بقراءته لما فيه من نَفَسٍ أدبيٍّ راقٍ لا يخفى، فيغدو الكتاب متعةً للعقل والوجدان معًا، ولبنةً مضيئةً في صرح الترجمة الإسلامية الحديثة.

فالكتاب الذي أقوم بتعريفه في هذه الصفحات عملٌ علميٌّ وأدبيٌّ متفرّد، يستحق أن يقتنيه كل باحثٍ في الفكر الإسلامي والأدب العربي الحديث، وكل محبٍّ للمدرسة الندوية ورجالاتها. إنه مرجعٌ موثوقٌ يعرّف بواحدٍ من كبار علماء العصر، ويُقدَّم بأسلوبٍ أدبيٍّ راقٍ يُمتع القارئ بقدر ما يُفيده.